مولد أمة: كنا… وأصبحنا
وصلني إهداء عزيز عنوانه: مولد أمة: كيف كنا وكيف أصبحنا، وهو يحكي كما يوضح تفسير عنوانه المجاور له مباشرة قصة السعودية من الولادة والتكوين إلى الريادة والتمكين 1139-1351= 1727–1932م. والكتاب من تأليف: خالد بن عبدالله العبودي، صدرت الطبعة الأولى منه عام (1443=2022م)، متزامنة مع أول مرة تحتفل فيها المملكة بذكرى يوم التأسيس الذي أقر بعد دراسة وتقدير ليصبح في اليوم الثلاثين من شهر جمادى الآخرة عام (1139) الذي يصادف يوم الثاني والعشرين من شهر فبراير عام (1727م)، وسيكون هو التقويم المعتمد؛ فاللغة والتقويم يسيران مسير القوة التي تضغط لأجلهما.
بلغت عدد صفحات الكتاب (382) صفحة مكونة من مقدمة ثمّ تمهيد فالأحداث السعودية بناء على الحوليات عبر سرد قصصي متتابع موضوعًا وزمنًا قدر المستطاع مع خلوه من أيّ تحليل أو ترجيح أو مناقشة. وقد عاد المؤلف إلى ثلاثة وخمسين مرجعًا مثبتة في أواخر الكتاب، وجعل في النهاية مئة وواحدًا وتسعين هامشًا لإضاءة ما ليس منه بد. وتدلنا عدد الصفحات مع الهوامش إلى أن المؤلف تجنب حشو الكتاب وتمطيط المعلومة وتكرار الرواية حتى لا يتجاوز حجم الكتاب القدر الذي يستطيع الغالبية قراءته، وكي يحشد في كتابه تاريخًا قلما اجتمع في مؤلَّف واحد.
أما الغلاف الأمامي فعليه شعار يوم التأسيس مع صورة لفرسان يحملون الراية السعودية الملتصقة تاريخيًا بكلمة التوحيد؛ ولله الحكمة البالغة، فمن التأسيس على صعوباته، إلى التوحيد بتضحياته، وبينهما ملحمة تُروى وبمثلها يفتخر؛ إذ أنها بالتوحيد ورايته مسترشدة، وبشريعة الرب مستهدية، وبه سبحانه مستعينة. وإنها لمسيرة احتاجت إلى عقيدة صافية، وهمة عالية، وعزيمة قوية، ونفس طويل، لتحقيق الغاية السامية حسبما أشار الكاتب في المقدمة، والكتاب من عنوانه إلى مضمونه وخاتمته يقول للمطلع: كنا فما جزعنا ولا تكاسلنا، وأصبحنا فما بطرنا ولا نكصنا، والله يجعلنا دومًا من خير أمة أخرجت للناس، ويلبسنا من جوده أفضل لباس.
ويترافق صدور الكتاب وتأريخ مقدمته مع يوم التأسيس الذي يُحتفل به لأول مرة يوم الثلاثاء الماضي، وبناء عليه سيصبح الثاني والعشرون من شهر فبراير كل سنة يومًا يتذكر فيه السعوديون نعمة ربهم عليهم إذ ألّف بين قلوبهم، وجمع شتاتهم، وآمنهم من خوف، وأطعمهم من جوع؛ فالدين واحد، والراية واحدة، والمصالح واحدة، وستبقى البلاد مباركة مثل شجرتها الأشهر النخيل البواسق بأنواعها، طيبة كثمار نخيلها من أصناف التمور، صلبة كما رجالها الأشاوس النبلاء الأوفياء، أبيّة مثلما صفة نساء العرب العفيفات الخفيات الشُّمُس، صابرة مثابرة مثل جِمالها التي قطعت الصحراء مكابدة الحر والعطش، وهي مؤشرات تخبر من رام الإساءة لشيء من عوامل وحدتنا وثوابتنا وقيمنا وعراقتنا أنه لن يجد أمامه غير فعل قمطرير، ويوم عبوس.
جاء هذا الكتاب كما أسلفت في مشاهد متتالية بلا عناوين، ولا فواصل، ولا تقسيمات، ولا هوامش داخلية، ليظهر منسوجًا عبر قصة واحدة بين الغلافين، هي قصة بلاد كريمة مقدسة، وحكاية أهلها ذوي الأصالة والمروءة، منذ نشأت ثمّ توسعت قبل ثلاثمئة سنة، حتى أعيد توحيدها ولملمة أطرافها في دولة واحدة عصرية، بعد أحداث مريرة، ومصاعب جمة. وسيجد القارئ في هذه الطريقة خير معين على المواصلة والفهم وحسن التصور، وأكبر ضامن للاحتفاظ بالمتعة والدهشة معًا، وقد يرجع إليه بين فينة وأخرى؛ فالتسلسل الزمني كشاف معين في الإرشاد لموضع البحث.
فنحن يا قوم لا نكذب ولا ننكر، ونتصالح مع ماضينا الذي لا نراه معيبًا، ولا ندعي طهوريته أو كماله او قداسته، فكل الدول يوجد في تاريخها ضعف وقوة، حرب وسلم، خوف وأمن، جوع وشبع، رخاء وشدة، إقدام وإحجام، وعليه يحدث ما ينبني على ذلك من مجريات ووقائع هي سنة الحياة ولوازم المنافسة والطبيعة البشرية ومنطق التاريخ التي لا يسوغ إضاعة الوقت في الاعتذار عن بعضها أو تفسير الملتبس منها لكل أحد، وسيبقى الحق حقًا وإن استنكرته جموع، ولن ينطلي أيّ باطل وبهتان ولو ألبس أحسن الحلل، والمضاء الرشيد خير لنا من التوقف لشرح أو بيان.
ونحن يا قوم لا نتهرب من حقيقة سالفة أو حاضرة، بيد أن المعنى الأوسع الذي نتفق عليه هو أن هذه البلاد لأهلها قاطبة، لأولئك الشجعان الذين عبروا الصحراء مشاة وراكبين، وقطعوا الأمواه من أودية وبحار راجلين أو فوق السفن والقوارب، ولم يتراجعوا حتى وإن انكسروا أو واجهوا ما لا قبل لمثلهم به، بل صبروا وصابروا ورابطوا. وإن لنا في تاريخنا لفرائد، فمن يعرف دولة انتهت ثمّ عادت في ثلاثة أدوار خلال ثلاثة قرون؟ وكم من إخوة تعاقبوا على حكم دولة واحدة بيد أن عددهم لا يصل إلى ستة كما في بلادنا الفريدة التي جاءت اللحظة التاريخية المقتضية للتعامل مع واقع لا مفر منه حتى لا يُترك للصدف والمفاجآت، فكان الستة الأماجد سدسًا مثّل البقية المبجلة، وفي قابل سوف تُحمل الأمانة بلا تهاون، ولا شقاق بإذن الله، فالوضوح والاطمئنان والأمن مطالب نفيسة لا ثمن لها.
ثمّ إننا يا قوم نشهد الله على محبة هذا البلد الأمين وأهله الميامين بلا مثنوية، وندعو الجميع للسعي من أجل نفع الصالح العام ورعاية المصالح العليا وإدامة العمل الدؤوب المبرمج، فإن تلك الراية الرفيعة التي تسلّمها من الآباء والأجداد من جاء بعدهم من بنين وحفدة، في صورة نادرة من اللحمة تعزز حقيقة تعاقد شامل، وتبين عن تحالف متعدد، وتكشف مصيرًا متداخلًا متمازجًا، وإن كان للتاريخ كلمته كما للجغرافيا شهادته، ونحن عنهما لا نحيد ولا نتخلى ولا نغفل، ولأهلهما التوقير والمساندة والدعاء، فهم رجال دولة بلا نكير.
وإن قدر الله أدار الأمر في الدولة الأولى بين أئمة صالحين لم تبق منهم الحروب الظالمة ولم تذر، فآل الأمر إلى نسل أمير شجاع عبر أئمة فوارس لا تلين لهم قناة فأقاموا دولتهم الثانية بعد انهيار الأولى حتى خلخلت الفرقة ذلكم البناء، وانتهى عصر أئمة ونسلهم، وختمت الدولة الثانية بإمام سمي على أحد مشايخ الدعوة فيما يُروى، ثمّ جاء من عقبه فتى الكهول الذي جدّد في جزيرة العرب سيرة صقر قريش في الأندلس، وبفضل الله ثمّ بهمته وثبات رفاقه استرجع ملكًا لم يكن أعرض الناس أملًا يتوقع بأن يعود يومًا من الدهر مشهودًا، فرحم الله الإمام محمد بن سعود وذريته، والإمام تركي بن عبدالله وذريته، والإمام عبدالرحمن الفيصل وذريته، والإمام الملك عبدالعزيز وذريته، ومن كان معهم مخلصًا في السلم والحرب، ورحم الله أئمة الدعوة وأشياخها وطلابها الذين كان لهم نصيب موفور من العطاء العلمي، والإمداد الروحي.
كما أن العجب لا ينقضي من تفسيرات أقوام وآمالهم لهذا اليوم، ولو كان شاعرنا الراحل حيًا -وهو العاقل المستبصر- لأجاب أولئك الين كتبوا أو تحدثوا على نسق قوله القديم: أجل نحن الحجاز ونحن نجد، ولقال لهم: أجل نحن السيف والفكرة، فمضاء القوة وانطلاقها كان مستعينًا بالفكرة ومستندًا لتفسيراتها، وبقاء الفكرة وحمايتها وانتشارها حدث بحدة السيف وضرباته، وهما وإن التصقا حينًا، وابتعدا حينًا آخر، وكانا بين بين أحيانًا أخر، فإنهما باقيان، وعوامل الاجتماع واستمرار التآزر بينهما أكبر وأرسخ من نقيضهما.
هذا غير أنه استقر في الوجدان العالمي عنهما وعن أهلهما صورة قد يكون من إضاعة الجهود وتبديد الطاقة محاولة تبديلها؛ ولو درسنا تاريخ الأمم التي تحاول لمزنا وهمزنا لوجدنا عندهم ما من مثله تخجل الدواب فضلًا عن بني الإنسان! فاهبطوا -هدانا الله وإياكم- من سماء أحلامكم الوهمية، واستقروا مع الجموع المتراصة على أرض الحقيقة الثابتة في مكان، المتطلعة إلى مكان، وليس في الوصول إلى أيّ مكان مهما تسامى ما يدعو إلى نبذ شيء كان؛ فنحن أهل الجمال والنخيل والصحراء والمكارم، وسوف نستمر كما نحن بعزتنا ومبادئنا، وعودًا لصاحبنا الشاعر الكاتب الذي ربما يرمق أولئك الفئام قائلًا: دونكم قضية القضايا ودعوا عنكم بنيات الطريق وبقية القضايا!
لذلك نكرر مع مؤلفنا أ.العبودي ما قاله في الختام باختصار مبين حين سطر هذه الكلمات القصيرة: كتبت لكم كيف كنا، ورأيتم بأعينكم كيف أصبحنا، فلله الفضل والمنة، وله الحمد من قبل ومن بعد. وأسأل الله أن يحفظ بلادنا في شؤونها كافة، وأن يجعلنا أمة مستمسكة بعمودها الراسخ، وحبلها المتين، ومأرزها الثابت، وجذورها الكريمة، ومنابتها الشريفة، مع الحب والولاء لرجالاتها العظماء المعاصرين والأقدمين. وستظلّ الديار وحكماؤها سائرين على نهج تحوطه شريعة رب الأرض والسماء، وتؤكده الأنظمة والتراتيب والمصالح، كي لا يزيغ أحد عن ابتغاء الخير العميم، ونشدان العدل، وتصير سمتنا الظاهرة إشاعة الإنصاف والتساوي، وحفظ كرامات الإنسان التي تجعله قويًا عزيزًا منتجًا آمنًا، مع التقدم بلا التفات لإرجاف أو تهمة أو خذلان، وقائلنا يحدو بنغمته الآسرة شيئًا من شعر عرضتنا الحماسية: مني عليكم يا هل العوجا سلام!
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الخميس 23 من شهرِ رجب الحرام عام 1443
24 من شهر فبراير عام 2022م
One Comment
اللهم احفظ بلاد الحرمين . قبلة المسلمين التي يتوجه اليها ملايين المسلمين في كل انحاء العالم . واحفظ ملوكها وحكامها وشعبها . ومتعهم بالامن والسلام والاستقرار والرخاء والتقدم . وسلمها من كل اذى .امين