معرض الكتاب يجمعنا!
المواسم الدينية والأعياد هي أجمل أيام السنة، ففيها البركات والأنس والاجتماع، وليس يتلوها في الأهمية العامة سوى المناسبات التي يحتشد لها الناس أو أكثرهم. وتتفاوت تلك المناسبات حسب محتواها، والفائدة منها؛ فقد تروق مباريات الكرة لفئات فيما لا يراها آخرون شيئاً مذكوراً، وبالمقابل ينجفل أناس عن مهرجات بينما يجفل لها غيرهم، ولكل سوق مادح وقادح حسب الهوى والرغبة.
وتتميز معارض الكتاب بالاتفاق على جمال أصل فكرتها، وأهمية تكرارها، وأي ملاحظة عليها في طريقة التنظيم، أو المحتوى، او التوقيت، أو الأسعار، تبقى في النهاية موضعاً قابلاً للمراجعة. وهي عيد الروح، ونزهة العقل، وجلاء العينين، وذات الأثر الحسن على السلوك والحس واللسان.
ولا يحرمن عاشق نفسه متعة التجول بين أروقته، ولذة الاندهاش من محتوياته، ومتعة تقليب الكتب، وبهجة النظر إليها مصفوفة على رف أو منضدة، مع منظر الغادين والرائحين، والباعة والمتحدثين، والمنظمين والمراقبين، والعملة التي تخرج من جيب ليد، واليد التي تمتد لتصافح، وأخرى لتبحث، وثالثة إذ تحمل، ورابعة حين تلوح عالية؛ وكم من تلويحة كانت هي الأخيرة!
ويسبق زيارة المعرض ترتيبات، ويعقبه كذلك، وهذا بعض ما سأشير إليه محاولاً ألاَّ أكرر كثيراً مما ذكرته في مقالة سابقة منشورة بعنوان: كيف نستفيد من معارض الكتاب؟ والأمل أن يكون في هذه ما يفيد الناظر والقارئ، مع الإشارة إلى أن صيغ أفعال الأمر الواردة من لوازم السياق ليس إلاّ!
مقترحات قبل زيارة المعرض:
- إنهاء الحجوزات وتأكيدها إن كنت قادماً من خارج بلد المعرض، مع وضع تكاليفها في حسبانك! علماً أنه ليس كل المعارض تستحق الزيارة.
- قرب السكن من مكان المعرض مغنم، ومريح من زحمة المواصلات.
- معرفة سعر الشحن إن كنت تنوي شراء كمية زائدة عن الحمل المتاح جواً.
- التأكد من إجراءات فحص الكتب عبر منفذ بلدك الذي ستعود منه.
- إذا كنت باحثاً أو دارساً للماجستير أو الدكتوراه؛ فاستفد من ذلك في الشحن والفحص، وغيرهما.
- الحصول الباكر على خريطة المعرض وأسماء المشاركين مع الكتب المعروضة يحفظ وقتك وجهدك.
- مراجعة نظام المعرض يفيدك، فأوقاتها وبواباتها، وطريقة الدخول والخروج، تحميك من الحرج والورطات.
- احمل معك من النقد بفئاته ما يكفي وزيادة؛ لكن كن حكيماً في التصرف، محاسباً في الصرف.
- الخلوة نعمة في التعبد، وكذلك في التسوق الثقافي، فضن بوقتك إلا على مستفيد دون أن تطيل المكث معه.
- نسق زياراتك ولقاءاتك المصاحبة للمعرض، فبعضها صلة رحم، أو تجديد عهد، أو بناء علاقة، أو استزادة من علم أو فكر.
- انظر في قوائم المكتبات الافتراضية؛ وفي النسخ الإليكترونية والمسموعة، فبعض محتوياتها تغنيك عن شراء الكتاب الورقي.
- اقرأ ماكتبه الآخرون عن الكتب الصادرة حديثاً، وغني عن القول ألا تأسر نفسك لقول أحد.
- زر مواقع تقييم الكتب العالمية والعربية، ولن تخسر من الإطلاع على الآراء شيئاً.
- إن مررت على مواقع وحسابات مواقع التواصل للمراكز الفكرية، وكبريات دور النشر فحسن.
- انظر في خزانة كتبك، وفي سجلها الإليكتروني إن وجد، حتى لا تشتري مكرراً.
- مستواك، وإنتاجك، يتأثران غالباً بنوع مقروئك، وعمقه، وجديته؛ فاختر لنفسك موضعها وأنت تستعد لزيارة هذا الحدث الآسر.
مقترحات خلال المعرض:
- اجعل لجولتك خطة تريحك وتنفعك.
- تعتمد خطتك على عدد الأيام المتاحة لك، فإذا كانت قليلة فلا مناص من أن تذهب لغاياتك الرئيسة أولاً، وإذا كانت كانت كثيرة فالأمر أيسر.
- قد تعتمد خطتك على زيارة دور بلد ما، أو أن تبدأ بمكتبات متخصصة بفن معين، أو تبحث عن ناشرين يخدمون توجهاً فكرياً، وهو شأن يخصك.
- إذا كان وقتك واسعاً، فبإمكانك أن تتجول مكانياً، كأن تذرع المعرض كله، بأي ترتيب تراه، فقد تبدأ بصالة إثر أخرى، أو تزور مربعاً مربعاً، أو أن تأخذ من يمين باب معين، وتلتزم بمسير مرتب، وتعرف مكان توقفك لتكمل منه في المرة القادمة، وهكذا.
- إن استطعت استئجار خدمات مرافق أيام المعرض ليحمل عنك الكتب في عربة أو غيرها؛ فذلك أحسن من أن تنوء بحملها، أو تخلع ظهرك وكتفك بثقلها، وخير لك من أن تبقيها في زاوية؛ ثم تضيع أو تنساها.
- لا تشتر أي كتاب لم يجذبك محتواه في المقدمة والفهرس ومواضع منه، ولو كان الناشر محل ثقتك، والمؤلف موضع تقديرك.
- احذر من قولهم كتاب ممنوع! نادر! نافد! قليل النسخ! فهذه الأوصاف تكون أحياناً أضواء تجهر العين، وبهرجاً يخفي خلفه الشين.
- لبعض الكتب عناوين فجة، تركب الموجة، وتبيع الكلام في سوق القضايا الحساسة، فلا تصدق كاتباً مجهولاً يخبرك عن دهاليز داعش، ولا تثق كثيراً بمطبوع ينبش لك أصول طاغية زال أو للسقوط آيل.
- الكتب المترجمة مظنة العبث مالم يكن المترجم ممن عرف بالأمانة العلمية، أو صدر الكتاب عن مركز علمي أو بحثي مرموق؛ فبعضهم يترجم مايهواه أو مايروج، وهذه خيانة علمية.
- العبث بالتحقيق صنعة قديمة جديدة، وعلى الكتبي أن يصون تراث أمته من العابثين.
- الحديث عن الموتى يجذب القراء، فكم من كتاب عن أسامة بن لادن، والملا عمر، أو صدام، أو القذافي، وما أقل الحقيق منها بصرف الوقت والمال.
- لاتنتظر من الناشر سعراً مخفضاً، فالرجل تاجر أنفق ماله، وسوف يسترده منك مضاعفاً.
- تفحص النسخة قبل أن تشتريها، فالعيوب الطباعية والإخراجية واردة.
- إذا رأيت كتاباً، وغلب على ظنك أنه قد يعجب شخصاً تحبه؛ فليكن هديتك له.
- احترس من عمليات ترويج بعض الكتب، فأحياناً تطغى الشللية والمصالح التيارية أو الفئوية على القيمة العلمية.
- لا تبحث عن حكماء سوق عكاظ ولا محكميه في المعرض، فأنت الحكم؛ لأنك بنفسك أعرف، والمهم ألا تجازف، ولا تدخل نفقاً دون ضوء كاشف.
- الأفضل أن تقرأ للمؤلف كتاباً واحداً قبل أن تحمل نتاجه كله، فمن العسير أن يكون الناتج الفكري لشخص واحد متماثلاً، وأخص ما يكون ذلك مع الأسماء الجديدة، أو الذين يؤلفون في غير ما فن وتخصص.
- سوِّق نفسك خلال المعرض بالشيء الذي تحسنه؛ ويتماس مع اهتمامات الناشرين والزوار، في التأليف، والتحرير، والتصميم، والتسويق.
أفكار عامة لمن يهمه الأمر:
- ما أحسن أن يكون في المعرض ركن لبيع الكتب المستعملة، وآخر لتبادل الكتب.
- المعرض فرصة عظيمة لبيع المكتبات الشخصية للكتبين الذين ماتوا وليس لهم وصية أو وارث معتن بالقراءة، وفرصة لبيع المكتبات الزائدة، أو مكتبات ” أفلس” أصحابها؛ فالكتب مفلسة!
- كم نتمنى أن يعرف رواد المعارض بدقة وصدق ماهو أكثر الكتب مبيعاً، وأنشط الدور، ومجموع مبالغ الشراء، وأبرز الأحداث المرتبطة بالكتاب في معرض كل سنة.
- رصد الكتب الأكثر حراكاً وتأثيراً بين المعرض السابق والحالي يعطي صورة واضحة عن المشهد الثقافي المحلي.
- من خدمة البلد وزواره تعريف الزوار الآفاقيين خاصة بمؤلفات أهل الدار؛ من خلال عرض نسخة منها في ركن بارز من المعرض.
- ستكون إضافة جميلة للمعرض لو وضع فيه ركن لمنتجات تخدم القراءة، كالفواصل والمصابيح، والحوامل، وغيرها، والأفكار كثيرة، وركن آخر لشركات الطباعة والتوزيع والتسويق.
- تضع بعض الدور فاصلاً لكل كتاب فيه عنوانه، ولو أضافوا الفهرس على جانبيه لتسهيل الرجوع إليه.
- إتاحة الدفع عن طريق البطاقات المصرفية سيريح الزبائن كثيراً.
- ليت أحد أقسام المكتبات في الجامعات يسبق لدراسة ماجستير أو دكتوراه عن معرض القاهرة أو الرياض أو الدار البيضاء أو بيروت، أو غيرها من المعارض الكبيرة.
- ما أحرى معارضنا أن تكون صديقة لذوي الاحتياجات الخاصة، وصديقة للبيئة، وصديقة لكل معنى جميل.
- وجود قوائم منوعة بكتب قيمة أمر حسن، إذا راعينا مناسبة سياق القائمة، وتنوع القوائم، والابتعاد عن الحدية.
- مع كثرة النوازل؛ قد يناسب استهداف قضايا فكرية خلال المعرض، مثل الإلحاد والغلو، واستهداف مسائل اجتماعية وأخلاقية مثل الانشطار الأسري، والمخدرات، فالأولى من خلال الكتب الجادة، والثانية بالروايات والقصص.
- في المعرض فرصة لابتداء مسابقات أسرية لتعويد فتيان الأسر وفتياتها على القراءة.
- كثرة التأليف المتزامنة مع المعرض يفترض أن تنتج كماً مبدعاً، ليصدر عن أمتنا أسفار ملهمة؛ كمقدمة ابن خلدون، وموافقات الشاطبي، وغيرهما.
ومن نافلة القول أنَّ الأوقات والأموال والآراء والقناعات هي مسؤولية صاحبها في الدنيا والآخرة، فمن وضع اليوم الآخر نصب عينيه عرف هل يقدم أو يحجم؟ ومتى يتقدم أو يتأخر؟ فالحِجاج قد يعمي العين، ويطمس بصيرة الرشاد، بيد أن الرجوع إلى النفس وحدها، بتجرد وإيمان فطري، كفيل برد الرجل العاقل إلى حيث ينفعه فعله وقوله وماله، وما ذاك إلا لمن أراد أن يقدم على ربه بقلب سليم.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض
الاثنين 20 من شهرِ جمادى الأولى عام 1437
29 من فبراير 2016 م