مئتا ورقة مالية مدرجة في سوقنا
تُعدّ الأسواق المالية من الأدلة الجلية على متانة اقتصاد أيّ بلد، وحجم السيولة فيه، وقدرته على جذب المستثمر المحلي والأجنبي ونيل ثقته، هذا غير أنه يمثل مرآة واضحة لبيان القواعد والنظم، وجدية المتابعة والتدقيق، واعتماد أسس الحوكمة والشفافية والعدالة، ولذلك فليس بكثير ما تحظى به الأسواق المالية من دراسات اقتصادية وفقهية ومجتمعية، وما تقتطعه من اهتمام الخبراء عبر عيونهم وعقولهم ومشاعرهم وتحليلاتهم، إضافة إلى موقعها الراسخ في الحاضر الذي نعيشه، وانعكاساتها القوية في دراسة المستقبل وتوقعاته.
لأجل هذا أحسنت تداول السعودية حينما أصدرت تقريرها بعنوان : 200 ورقة مالية مدرجة، الذي يقع في (265) صفحة ملونة من القطع الكبير بإخراج فخم ملئ بالمعلومات والصور والفقرات المقتبسة من مضمونه والمرصعة على جانبي التقرير إشادة بأهميتها وتنويهًا عنها. ويتكون هذا التقرير من مقدمة بقلم المدير التنفيذي، فنظرة على الأوراق المدرجة، ثمّ عشرة أقسام يختصّ كل قسم بقطاع، فبيان للأقسام الرئيسية في مجموعة تداول السعودية.
يحتفل التقرير بتجاوز إدراج أكثر من مئتي ورقة متنوعة في تداول السعودية، ويثني على منجزات هذه الشركات خاصة أن لبعضها إنجازات فردية استثنائية، كما يعطي تقرير تداول نظرة شاملة ومفصلة عن الأوراق المالية المدرجة، ويتيح للشركات الفرصة كي تعلن عن آرائها ونظراتها لقيادة التغيير الإيجابي والمتسارع للاقتصاد السعودي. ويحترز التقرير في آخر ورقة منه بتوضيح مفاده أن المعلومات الواردة فيه هي على ذمة من كتبها، ولا تحمل أيّ توصية أو تزكية أو غير ذلك من مفردات السوق الواسعة، وعليه فلا تتحمل تداول السعودية أيّ تبعة، وإنما يفهمها القارئ على مسؤوليته.
أما رسالة المدير التنفيذي محمد بن سليمان الرميح فواضحة على اختصارها، ومتجهة نحو ما يهم القارئ الخبير، ولا يعسر فهمه على عامة القراء. ويهدف التقرير بحسب كلمة المدير إلى التعريف بالشركات وجهودها في تعزيز الابتكار، وبيان إسهاماتها في دعم التحول الاقتصادي للمملكة خاصة أن هذه الشركات لها أثر في إرساء أسس النمو المتسارع للسوق المالية اتكاءً على إمكاناتها، واستنادًا لنموها، واستبشارًا بمستقبلها الذي تبدو إشراقاته بمجرد استشرافه.
كما أشار المدير إلى اختلاف الشركات المدرجة من صغيرة ومتوسطة إلى ضخمة مثل شركة أرامكو التي تُعدّ إحدى أكبر الشركات قيمة على المستوى العالمي، ولعلها مع أخواتها السابقات والتاليات مما جعل سوقنا الأكثر سيولة في المنطقة، ومكنها من أن تستحوذ على قريب من أربعة أخماس القيمة الإجمالية لأسواق المال في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ثم صارت بعد إدراج أرامكو واحدة من أكبر الأسواق المالية العالمية قي القيمة السوقية؛ فطرح أرامكو هو أكبر طرح عام أولي في التاريخ.
وأضاف الرميح بأن هذا التقرير الذي بين أيدينا منح المنبر الحر للشركات كافة كي تعبر عن نفسها وإنجازاتها وأفكارها في التغيير والتطوير، وهذا ظاهر فيما سطرته بعض شركات كل قطاع ضمن أقسامها. وامتدح المدير التنفيذي هذه الشركات بتنوع محالات عملها، وسعة طيف القوى العاملة فيها، ودعمها لمبادرات التوطين إن بالخبرة أو بالتوظيف، إضافة إلى سعيها المستمر مع تداول السعودية لتمكين قطاع مالي مزدهر متوافق مع رؤية المملكة (2030).
وخصص المدير التنفيذي أواخر المقدمة لإبراز جهود تداول الهادفة لتعزيز البنية التحتية للسوق المالية من خلال اعتماد خدمات وإنشاء مراكز مثل “إيداع” و “مقاصة”، وإطلاق سوق المشتقات المالية، والانضمام لمؤشرات الأسواق العالمية والناشئة خلال زمن قياسي مقارنة بغيره من الأسواق، وترافق مع هذا الانضمام تدفق الاستثمارات الأجنبية على السوق السعودية، وهذه الزيادة مستمرة ومرصودة شهريًا. وختم كلمته بأمل في أن يثري هذا التقرير معرفة القارئ بالشركات المدرجة، وحقًا قد فعل.
ثمّ ألقى التقرير نظرة على الأوراق المدرجة، ومما جاء في هذه النظرة المختصرة الشاملة:
- تحتل المملكة المرتبة (18) بين مجموعة دول العشرين، ويمثل ناتجها المحلي ربع الناتج الإجمالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
- تهدف رؤية المملكة (2030) إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتحريره من خلال تحفيز القطاع الخاص وتنويعه.
- تدعم تداول رؤية المملكة (2030) بتعزيز مشاركة القطاع الخاص، وجذب الاستثمار الأجنبي، وتنمية قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة.
- نفذت تداول السعودية وهيئة السوق المالية سلسلة مبادرات طموحة لتهيئة البيئة المناسبة للمستثمر المحلي والأجنبي.
- مهدت هذه الإصلاحات الطريق للارتقاء بمرتبة السوق الناشئة لتصبح ضمن أكير ثلاثة مزودين للمؤشرات في العالم.
- بلغ مجموع الأوراق المالية المدرجة (207) ورقات مالية مدرجة بقيمة سوقية مجمعة تزيد عن (9102) مليار ريال، بقيمة تداول يومي يصل إلى (8,3) مليار ريال، وهو معدل سيولة عالٍ والحمدلله.
- أجريت عدد من التحسينات والإضافات للبنية التحتية مع تطويرات ضمنت تعزيز قواعد الحوكمة، وترسيخ الشفافية، وحفظ حقوق الأطراف ذات العلاقة.
- انضمت تداول إلى مبادرة الأمم المتحدة للأسواق المالية المستدامة، وقفز ترتيبها في حوكمة المساهمين إلى الأمام.
- أصبحت سوقنا وجهة عالمية للمستثمرين ومصدرًا لرأس المال، وافتتح فيها كبار مديري الأصول العالمية صناديق استثمارية متداولة.
عقب ذلك عرضت بعض الشركات شيئًا مما لديها من رؤى وتطلعات، والبداية كانت من قطاع الطاقة وفيه (05) شركات على رأسها أرامكو، ثمّ قطاع المواد الأساسية ويشتمل على (43) شركة منها سابك وشركات الإسمنت والبتروكيماويات، فقطاع الصناعات من خلال (23) شركة، وقطاع السلع الاستهلاكية في قسميه الكمالية الذي يحتوي على (25) شركة مثل شركات الرياضة والسياحة وغيرها، والأساسية وفيه (17) شركة غذائية وغيرها.
ويكمل التقرير إذ جاءت (08) شركات في قطاع الصحة، تتلوها (47) شركة في قطاع الخدمات المالية، وتبعها (06) شركات في قطاع الاتصالات وتقنية المعلومات، فشركتان فقط في قطاع المرافق العامة وهما الغاز والكهرباء، وأخيرًا (29) شركة في قطاع العقارات. وفي الختام أورد التقرير تعريفًا رشيقًا غير مسهب ولا مثقل بسبعة أقسام رئيسية في مجموعة تداول مع سبل التواصل معها، علمًا أن جميع الأقسام انتهت بقائمة عن شركاتها التابعة لقطاعها، مع وسائل التواصل بالمسؤولين فيها.
اللهم اجعله بلدًا آمنًا رغيدًا مستقرًا عامرًا بالاقتصاد والخيرات والبركات، محفوظًا بالإيمان والمكرمات والتلاحم والتكاتف، يُشاع فيه الخير وينتشر، ويتوارى عنه السوء ويندثر، حتى تتسامى فيه النفوس، وتتنافس به الشركات، وتتعالى منه التنمية، وتتوالى إليه المنن من ربنا المنعم الذي أقسم على زيادة عباده الشاكرين المعترفين بفضله وآلائه. والله يصيّر أسواقنا كلها أسواقًا رابحة رائجة مباركة غير ظالمة ولا جشعة، ويكتب منها للمجتمع وشؤونه نصيبًا طيبًا غير منقوص ولا مبخوس؛ ذلك ان الاقتصاد شريك أساسي للمجتمع، ومؤثر كبير فيه، والعكس صحيح.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الأحد 08 من شهرِ جمادى الأولى عام 1443
12 من شهر ديسمبر عام 2021م
