في وداعِ فقيدِنا الحميداني
ودَّعتْ منطقةُ الجواءِ يومَ الأثنينِ ثالثِ أيامِ التَّشريقِ منْ عامِ 1430 الشَّيخَ عبدَ الرَّحمنِ بن إبراهيم الحميداني، وقدْ حضرَ الصَّلاةَ عليهِ جمعٌ كبيرٌ منْ الأهالي منْ داخلِ المنطقةِ وخارجِها، فاللهمَّ اغفرْ له وارحمه وثبتهُ بالقولِ الثَّابت، واحفظْ عقبَه منْ بعده.
ويتميزُ الفقيدُ العزيزُ- أعلى الله منزلته- بصفاتٍ كريمةٍ جمَّة، يكادُ يُجمعُ عليها كثيرٌ ممَّنْ عرفَه وجالسَه؛ بيدَ أنّي سأشيرُ إلى ثلاثٍ منها أُراها تتجهُ نحوَ النُّدرةِ في المجتمع؛ وهيَ لا تزالُ موجودةً بيدَ أنَّها باتتْ غيرَ سائدةٍ والمشتكى لله.
فالصِّفةُ الأولى هيَ حنانُه الكبيرُ على أبنائِه ورفقُه بِهم، ويتجلّى هذا الملمحُ حينَ أمسكَ عنْ الزَّواجِ بعدَ وفاةِ زوجهِ الأولى- جمعهما الله في الجنَّة-، وظلَّ مصِّراً على رأيه حتى يتزوجَ أبناؤه؛ معْ عظمِ حاجةِ الأرملِ إلى زوجٍ يؤانسُه ويسكنُ إليه، وقدْ استمَّرتْ معه هذهِ الخُلَّةُ الحميدةُ يغمرُ بها أولادَه وبناتِه منْ زوجتيه، فاللهمَّ ضاعفْ أجرَه واعنْ ذريتَه على برِّه ميتاً كما برّوه حيا.
والصِّفةُ الثَّانيةُ لهذا الرَّجلِ المبارك-نوَّر الله ضريحه- أنَّه كانَ سمحاً في التَّعاملِ معْ الآخرين، قابلاً للأعذارِ غيرَ متفحِّصٍ لها، وهذه لعمرُ اللهِ منْ شيمِ الأحرار؛ وقلَّما تكونُ هذه الميزةُ إلاَّ عندَ الكرامِ الكبارِ الذينَ لا يلتفتونَ للصَّغائر، ولا يأبهونَ لعثراتِ النَّاس، وقدْ قيلَ فيما مضى: ما استقصى كريمٌ قط، وقيل: العقلُ مكيالٌ ثلثُه فطنةٌ وثلثاه تغافل، وقيل: أعقلُ النَّاسِ أعذرُهم للنَّاس، فاللهمَّ ياكريمُ أحسنْ وفادةَ عبدِك وتجاوزْ عنه.
وثالثُ صفةٍ للشَّيخِ أبي محمَّد-برَّدَ الله مضجعه- أنّه حلوُ الحديثِ وطيّبُ المعشر، فقدْ اختزنتْ ذاكرتُه عدداً كبيراً منْ القصصِ والأشعارِ والأخبارِ يُمتعُ بِها جلاسَّه، وقدْ سمعتُه غيرَ مرَّةٍ يذكرُ منْ أخبارِ القصيمِ ورجالاتِها وأشعارِها وحروبِها ما هو حقيقٌ بالتَّسجيلِ والحفظ، إضافةً إلى ما عاصرَه منْ بداياتِ مشروعاتِ البنيةِ التَّحتيةِ وما صاحبَها منْ عناءِ الأجيالِ السَّابقةِ في البحثِ عنْ لقمةِ العيشِ وموردِ الرِّزق، فاللهمَّ طيِّبْ مقامَه البرزخي والأخروي.
وحينَ نستذكرُ محاسنَ موتانا فإنَّنا نقدِّمُ لجيلِ الشَّبابِ صورةً حقيقيةً مشرقةً منْ حياةِ آبائِهم، وإنَّنا نعزِّي أنفسَنا في رحيلِ الشَّيخِ الحميداني-غفر الله له- بوجودِ أبنائِه الكرام: محمَّد وأحمد وإبراهيم الذينَ قبسوا منْ سجايا والدِهم؛ وإنَّا لعلى يقينٍ أنَّ هذه السجايا ستظلُّ باقيةً في أحفادِه وأسباطِه، فاللهمَّ احسنْ عزاءَ أولادِ فقيدِنا وبناتِه وزوجِه، واجبرْ مصابَهم وعظِّمْ أجرَهم.
أحمدبنعبدالمحسنالعسّاف –الرِّياض
الثلاثاء 14 منشهرِذيالحجةالحرامِعام 1430
ahmadalassaf@gmail.com