إدارة وتربية مواسم ومجتمع

زكاة الفطر: وداع واستقبال وحِكَم!

زكاة الفطر: وداع واستقبال وحِكَم!

شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إخراج زكاة الفطر، وجعل وقتها في خواتيم شهر رمضان المبارك، ومستهلّ عيد الفطر، فكأنها وداع تطهري للشهر الميمون، واستقبال مبتهج للعيد السعيد. وكم في هذه الزكاة من حِكَم عظيمة بعيدًا عن الخلافات الفقهية التي قد يُنسي التشعب فيها رؤية الحِكم التي تتضمنها، مع تسليمنا التام بوجوب الطاعة والامتثال للأمر الشرعي بغضّ النظر عن ظهور حكمته من عدمه، ويتلوه تسليم آخر ويقينٌ بأن جلّ الحكم التي تُساق تبقى اجتهادية قد تصيب ولا شيء يحميها من الخطأ.

فمن الحكم التي تبدو في عبادة إخراج زكاة الفطر مرة واحدة سنوية:

  1. فضيلة إطعام الطعام خاصة أيام العيد، وإن إطعام الطعام على حبه لمنجاة لصاحبها من يوم عبوس قمطريرًا، وكم يخفي الكرم من خلل النفوس ونقص البشر. وفي الإطعام مقاومة لبلاء الجوع الذي يكون قسم منه من جنايات الأشرار على البشرية. وكم جذبت الموائد الناس حتى قيل إن بيوت أبناء العباس مقصودة من أصناف الناس بحثًا عن علم عبدالله وطعام عبيدالله -رضي الله عنهم وأرضاهم-.
  2. تنشيط حركة العمل والبيع والشراء والاستئجار والتوظيف الدائم أو المؤقت، وإنعاش السوق حتى لا يركد، فمن بركة رمضان أنه موسم تجاري لكثير من صغار الباعة فمن فوقهم، وكم لله فيه من نفحات وخيرات وبركات.
  3. تفعيل العمل المجتمعي سواء الفردي منه أو المؤسسي، وعلى نطاق الأسر والجيران والأحياء، وفي محيط المدن وما جاورها، وهذا العمل يصنع قائمة إحصائية دقيقة بالمحتاجين إذا أدير وفق معايير شرعية وتنظيمية مع تحديث مستمر لمعلوماته حتى لا يوجد بيننا فقير يتضور جوعًا، ولا يتزيّد أحد بالجمع والتخزين وهو مستغن عن هذا الكنز الممرض للروح.
  4. تأكيد مسؤولية المرء عن نفسه وعمن يعول، فالزكاة طهرة للصائم، ويخرجها الرجل عن أهل بيته، وفي هذا الصنيع مسؤولية وإعالة وقوامة، وعسى أن تعدل زكاة الفطر الموازين التي بدأت تنقلب رأسًا على عقب ليرجع المسؤول إلى رسالته، ويؤوب التابع إلى موقعه.
  5. تعويد النفس على تكميل النقص، وتطهير الخطأ، والبحث عن مقاربة التمام، وكسر حدّة الكبر التي ترفض أيّ ملاحظة أو نقد أو مقترح أو تقويم.
  6. حدوث نوع من الوحدة والتساوي حينما يكون طعام غالب أهل البلد من ذات الأصناف، وتغييب مظاهر الطبقية التي تحزّ في نفوس قوم ينظرون ويسمعون ولا يجدون حيلة ولا سبيلًا للمشابهة.
  7. تعليم الناس الانضباط والدقة في الزمان والكمية والأصناف، ولا ريب أن إدارة الحياة بطريقة حسنة لا تكون إلّا بمراعاة عامل الوقت الذي تهدر قيمته أحيانًا.
  8. التأكيد على ضرورة إغناء الأقربين بالنسب، والمتقاربين بالجوار قبل غيرهم، وفي هذا تحقيق لسعادة مشتركة، وغرس لسلم مجتمعي منشود.
  9. من لطائف حكم زكاة الفطر ارتباط الأعياد بالأكل والشرب المعتدل، فالطعام أحد طيبات الحياة الدنيا، ويا له من واقع محزن ألّا يجد أناس طعامًا يشبع أو يمنع من الموت، وفي جوارهم فئام أدركت التخمة كلابهم وقططهم!
  10. من أجلّ دلالات زكاة الفطر ضرورة العناية بالسنة النبوية، فهي وحي مثل القرآن العزيز، والثابت في السنة وفقًا لمنهج علوم الحديث ومصطلحه ورجاله وقول علمائه الثقات يجب العمل به حتى لو لم يرد في القرآن الكريم، مثل زكاة الفطر وغيرها.

كم في أحكام الله الحكيم ربنا من حكم تظهر وتخفى، ولا يجزم المرء بشيء مما يرد في هذا الباب ما لم يكن منصوصًا عليه، وإنما هي للاستئناس وزيادة إقبال النفوس عليها، تلك النفوس التي أسلمت قيادها لربها، وآمنت بمولاها سرًا وجهارًا، وجهدت لتكون من عباده المخلصين والمحسنين، الذين يرجون ما عند الله من ثواب لمن أطاع أمره، والمشفقين من غضب الرب القدير على التهاون أو العصيان، فاللهم تقبل واغفر ولك المنّة والحمد.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الثلاثاء 29 من شهرِ رمضان عام 1442

11 من شهر مايو عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)