حوارات باريسية عن الكتابة
فرغت من قراءة كتاب عنوانه: بيت حافل بالمجانين: زيارة ثانية، ترجمة أحمد شافعي، وهو ضمن ترجمات مزون التي تصدرها دار مدارك للنشر، و”مزون” خط إنتاج مواد مترجمة اختار الناشر والكاتب تركي الدخيل أن تكون باسم والدته هدية لها، والله يزيده برًا بأمه الراحلة رحمها الله وبأمته الباقية حفظها الله، ويقع الكتاب في (281) صفحة، وهو ترجمة لحوارات أجرتها مجلة باريس ريفيو مع كتّاب عالميين، انتقى المترجم منهم ثمانية، ثمّ وضعت صورهم على الغلاف الأمامي للكتاب الذي صدرت طبعته الأولى عام (2019م).
ابتدأ الكتاب بمقدمة جميلة من المترجم والشاعر والروائي المصري أحمد شافعي، وأشار إلى أن هذه هي تجربته الثانية في صيد الفراشات بنزق الهاوي وليس بنفعية الباحث، واختار فيها نخبة من كتّاب الأدب الرفيع خلال العقود السبعة الأخيرة، حتى ينشئ القارئ عالمه الآخر، ويقضي وقته متمهلًا بالاستئناس مع تجارب الكتّاب وعقولهم، وسوف أورد أدناه أهم الفوائد الكتابية المنتقاة من هذه الحوارات الماتعة التي تغري بالبحث عن سابقها.
“وليم فوكنر”، أجري اللقاء عام (1956م)، وهو أمريكي حاصل على جائزة نوبل عام (1956م):
- فصلت من عملي بسبب القراءة في أثناء العمل!
- أحب الأسئلة حول عملي الكتابي، ولا أحب الحوارات الشخصية.
- ما يبدعه الفنان أهم من الفنان ذاته.
- على الكاتب ألّا يرضى عن عمله فوراء كلّ جودة ما هو أعلى منها.
- حتى تكون كاتبًا تحتاج إلى 99% من الموهبة ومثلها من النظام ومثلها من العمل!
- حاول أن تتجاوز نفسك ولا تلتفت لمعاصريك أو أسلافك.
- يحتاج الفنان إلى بيئة فيها قدر من السلام ومن العزلة ومن اللذة.
- معياري في نجاح عملي الكتابي هو ما يمنحني إياه من شعور.
- أفضل شيء للكاتب أن يتعلم من أخطائه.
- أهم السمات للكاتب: الموضوعية في الحكم على عمله، والأمانة، والشجاعة.
- يحتاج الكاتب ثلاثة أشياء هي: التجربة، والملاحظة، والخيال.
- يبدأ عملي الكتابي غالبًا من فكرة، أو ذكرى، أو صورة ذهنية.
- يكتب الفنان ما يحرك الناقد، وأما الناقد فيكتب ما يحرك الجميع إلّا الفنان!
- غاية كل كاتب أن يقبض على الحركة والحياة، ويترك عملًا خالدًا يصبح نقشًا على جدار النسيان.
“سيمون دي بوفوار”، أجري اللقاء عام (1956م)، وهي فرنسية وزوجة الكاتب الوجودي “سارتر”:
- أفضل كتب مكتبتي في حوزة أصدقاء استعاروها ولن ترجع أبدًا!
- من الصعب أن يستعرض أحد ماضيه بدون قليل من الغش.
- قرأت لعظماء فنشأت في نفسي رغبة بأن أكون مثلهم حتى يقبل القراء على كتبي وتؤثر فيهم.
- حققت فائدة عظيمة من عملي بالتدريس؛ إذ قضيت جزءًا كبيرًا من وقتي في القراءة والكتابة وتعليم نفسي.
- أفدت كثيرًا من مهارة استعراض الكتب بسرعة، وتحديد المهم، وتصنيفها، وتلخيصها.
“فلاديمير نابوكوف”، أجري اللقاء عام (1967م)، وهو روسي عاش في المنفى:
- أصف اغترابي بأنه وعي بظلم دائم لا سبيل إلى رفعه.
- إن مكتبة جامعية رفيعة المستوى في حرم جامعي مريح لتمثل بيئة جيدة للكاتب.
- جدول عملي اليومي مرن، وما يهمني هو توافر الأدوات مكتملة.
- التقليد وتقليد التقليد نوع من الوضاعة الكتابية وربما التفاهة.
“جون شتاينبك”، أجري الحوار عام (1969م)، وهذا الحوار مستل من أعماله لأن المرض اشتد عليه ومات قبل أن يتم الحوار الذي وافق عليه بعد تمنع طويل:
- لكي تحسن الكتابة عن شيء فلا بد أن تحبه كثيرًا أو تكرهه كثيرًا.
- يعيد الكاتب ترتيب الحياة ويخترع البدايات والنهايات.
- يرجع الحسّ الفكاهي عند بعض الكتّاب إلى خيال جامح، ومخزون معرفة هائل، ودقة في التعامل مع الكلمات.
- اكتب بحرية، وبأسرع ما تستطيع، ولا تصحح إلّا بعد النهاية.
- تتحول المراجعة وإعادة الكتابة أثناء العمل إلى ذريعة لعدم الإكمال.
- اقرأ عملك بصوت عالٍ وأنت تكتبه.
- للارتياح أثناء الكتابة قيمة؛ إذ تحرر العقل وتطلقه للبحث عن صيده.
- حتى تكون القصة مؤثرة يجب أن تنقل شيئًا من الكاتب إلى القارئ.
- يحاول الكاتب في عزلته أن يفسر ما لا يقبل التفسير.
- على الكاتب أن يعتقد بأن ما يفعله هو أهم شيء في الدنيا.
- الكتابة العظيمة سند لنا، وأمٌّ نستشيرها، وتمنحنا الحكمة والقوة والشجاعة.
- أكتب أي كتاب لي وكأنه العمل الأخير.
- الكلمات زناد بهجة، وصيحة جمال، وإثبات لعظمة الإحساس وبهائه.
- القارئ شديد الغباء لا يفهمك، والقارئ شديد الذكاء يكتشف أقلّ غلطة، وربما لا يشتري الكتب القصيرة ولا الطويلة، هو بعض من أبله، وبعض من عبقري، وبعض من غول، وهناك شيء من الشك في إجادته أساسًا للقراءة!
- الزمن هو الناقد الوحيد الذي يفتقد للطموح الشخصي.
“ماريو فارجاس يوسا”، أجري الحوار عام (1990م)، وهو من بيرو، وكان رئيسًا لنادي القلم الدولي:
- ساعات الصباح التي أقضيها في مكتبي مقدسة.
- لا أفكر كثيرًا في سبب قراءتي لأيّ كتاب.
- مع تقدم السن يجب أن تصبح القراءة انتقائية.
- بعض الكتّاب وهبوا أصالة هائلة، وخيالًا مذهلًا، وثقافة عريضة.
- أحيانًا يختار الموضوعُ الكاتب.
- الطرافة كنز عظيم، وعنصر أساسي في الحياة والأدب، وعلى الكاتب الوعي بها.
- بداية الكتابة لديّ مثل حلم يقظة، ونوع من التأمل، وتدوين ملاحظات، ثمّ سرد ملخصات.
- لا أنشغل مسبقًا بالأسلوب.
- وجود مادة خام ثرية تساعدني وتمنحني الطمأنينة.
- أكتب النسخة الأولى بقلق، وبعد النهاية أجعلها في مصهري ليحولها من الفوضى إلى النظام.
- ما أحبه ليس الكتابة بل إعادة الكتابة والتحرير والتصحيح، وهذا هو الجزء الأكثر إبداعًا في الكتابة.
- أصعب جزء في الكتابة هو البداية؛ ولذا فعلى الكاتب أن يتوقف عند موضع يسهل عليه المواصلة في اليوم التالي.
- حتى لو لم أكن أكتب فأنا أبقى منهجيًا في عمل.
- لو انتظرت لحظات الإلهام فلن أنجز كتابًا أبدًا، فالإلهام يأتي من الجهد المنتظم.
- كلُّ خبرة أمرُّ بها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بما أكتبه.
- الكتابة شغف أكثر منها مهنة، وهو شغف يقصي غيره.
- التوق إلى الماضي – النوستالجيا- له أهمية عظيمة عند الكاتب.
- أشعر بالإحباط والتعاسة إذا لم أقدر على الكتابة.
- أفضل علاج بعد نهاية أيّ عمل كتابي هو أن تلقي نفسك في غمار عمل كتابي آخر.
- لا يمكن للكاتب أن يتجنب التورط في السياسة.
- يستشعر الكاتب أهمية الحرية للإبداع ولذلك يطالب بها لمجتمعه.
- يقتل الكاتب نفسه إذا تحول إلى بوق دعاية.
- من أهم مزايا الكاتب الدأب حتى يخرج أفضل ما لديه ولو بعد حين.
- أكتب لأن الكتابة طريق إلى محاربة التعاسة.
“أليس مونرو”، أجري اللقاء عام (1994م)، وهي كندية:
- تتكلم عن الكتابة بنبرة إجلال وشك كأنها مبتدئة.
- كلّ ما يتعلق بأمي يمثل مادة أساسية لي في الكتابة.
- ينشأ تعارف كبير بيني وبين القصة قبل أن أكتبها.
- أنا نقيض للكاتب ذي الموهبة الحاضرة.
- المراجعات النقدية نوع من المهانة العلنية!
- يتعامل الكاتب مع موضوع شديد التفاهة فيجعله فذًا.
- لديّ أثناء الكتابة ثقة ممزوجة برعب ألّا تكون هذه الثقة في محلها.
- إن النساء لا يصبحن كاتبات بسهولة مثل الرجال.
- أكتب صباح كلّ يوم من الأيام السبعة لعدة ساعات.
- أنا ملتزمة التزامًا قهريًا بعدد معين من الساعات اليومية للكتابة.
- الشيء الوحيد الذي أملأ به حياتي هو الكتابة.
“خوسيه ساراماجو”، أجري اللقاء عام (1998م)، وهو أول كاتب برتغالي يفوز بجائزة نوبل عام (1998م):
- لا أرغم نفسي على عدد معين من ساعات الكتابة وإنما على قدر محدد من العمل الكتابي اليومي.
- ليس لديّ خوف من الصفحة الخاوية أو حبسة الكتابة.
- ما يهمني هو أداء العمل بطريقة جيدة حسب معاييري.
“هاروكي موراكامي”، أجري الحوار عام (2004م)، وهو ياباني، وهو مترجم وروائي، وفاز بجميع الجوائز الأدبية اليابانية:
- أسلوبي سهل القراءة، وكوميدي، ويغري بالانتقال من صفحة إلى أخرى.
- أقضي ستة أشهر في المسودة الأولى، وثمانية أشهر لإعادة الكتابة.
- يحلو لي مراقبة البشر في حياتي لأستفيد منهم في شخصياتي الروائية.
- في كلّ مرة أكتب فيها كتابًا جديدًا أحاول تغيير البنية السابقة وتأليف شيء جديد.
- الحماسة جزء أساسي في الترجمة الجيدة، والترجمة عمل شاق يستغرق وقتًا.
- علينا أن نجذب الناس من رقابهم ونرغمهم على القراءة.
ومن نثار فوائد الكتاب تعاون الأزواج مع شريكهم الكاتب أو الكاتبة، وأن جلّ الكتّاب يصرفون وقتًا طويلًا في العمل، ويفضلون الانقطاع عن الآخرين، ومع أنهم قراء إلّا أن غالبهم لا يقرأ لمعاصريه والقريبين من زمانه، ويدعي معظمهم نسيان العمل بعد نشره، وأنهم لا يحفلون بقول النقاد والمراجعين، وربما لا يحبون الحديث عما كتبوه أو عن مشاريعهم الكتابية المستقبلية، وفيه طرائف مثل ملاحقة حكومة موسكو للكتّاب في المنفى، وقول أحدهم إن دخل مصارع الثيران أكبر من دخل الكاتب!
إنّ معايشة العالم أو الكاتب لغنيمة كبرى يفرط بها القادرون، وإذا فات الواحد من هؤلاء ففيما كتبه، أو في حواراته، وما كتبه الآخرون عن منهجه وطريقته فوائد للسائرين على دروب العلم والكتابة والثقافة، وفي تاريخنا العلمي الكبير نجدُ اكثر من عالم كان عند شيخه وإمامه طالبًا ثمّ صار صاحبًا وغدا بعد ذلك كبيرًا في العلم والفقه واللغة مثل محمد بن الحسن الشيباني والربيع وغيرهما، وفي التاريخ المعاصر تخرج في مدرسة محمود شاكر عدد كبير من الكتّاب وعلماء اللغة مثل الطناحي وعسيلان والغنيم وغيرهم، وقرأ “ألبرتو مانغويل” لبلديه الرمز الكفيف “بورخيس” حتى أصبح الفتي أيقونة عالمية في القراءة والكتابة، وهذا هو الدرب والطريق لاحبًا مستبينًا، وهو واسع يستوعب ولا يضيق، فهل من سالك نجيب موفق؟!
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الإثنين 10 من شهرِ رجب عام 1442
22 من شهر فبراير عام 2021م
