سياسة واقتصاد عرض كتاب

النظرية السياسية في السيرة النبوية

بين يديّ رسالة دكتوراة ضخمة عنوانها: النظرية السياسية في السيرة النبوية “دراسة وتحليل”، كتبها: عبدالحكيم الصادق أبو بكر، وأشرف عليها الأستاذ الدكتور عبدالرحيم علي، ونوقشت في قسم الدراسات الإسلامية التابع لكلية الشريعة بجامعة أفريقيا العالمية في السودان، وعدد صفحاتها (673) صفحة تشتمل على مقدمة، وتمهيد، ثمّ خمسة أبواب تحتها فصول ومباحث عدّة، وبعدها خاتمة الدراسة، فتسعة فهارس.

تحدّث الباحث في الباب الأول عن الفكر السياسي للمسلمين إبّان العهد المكي عندما كانوا مستضعفين، وفيه أربعة فصول عن الفكر السياسي قبل الدولة، وحادثة الإسراء، ومنهج التغيير، وثاني الفصول هو أطولها إذ يفسر أسباب اختيار الطائف لتكون منطلقًا بديلًا للدعوة الناشئة بعد أن صمّت مكة آذانها وأغلقت أبوابها، ولم تقاوم الإسلام فقط بل عذبت أتباع الرسالة الجديدة، ولأهمية هذا الفصل اُستل وطبع منفردًا، وسبق لي الكتابة عنه بتفصيل.

أما الباب الثاني فانصرف نحو موضوع الباب الأول ذاته ولكن عقب الرجوع من الطائف دون نتيجة إيجابية، ومع بدايات قبول الدعوة من الأوس والخزرج في العقبة خلال مواسم الحج، وفيه فصل واحد فقط عن ثمار التجربة المكية من وجهة نظر سياسية، ووقفة متأنية مع بيعة العقبة ونصوصها، وهو باب قصير لا تتجاوز صفحاته ثلاثين صفحة، خلافًا لسابقه الأول الذي بلغت عدد صفحاته أزيد بقليل من مئتي صفحة؛ فصار بها أطول أبواب الرسالة.

بينما ذهب المؤلف في الباب الثالث إلى الدولة الإسلامية في العهد المدني، وفيه أربعة فصول تكلّم فيها عن دولة المدينة وأركانها، مع قراءة سياسية في صحيفة المدينة بعد النظر إلى أبعادها ودلالاتها، وختم بما رأى أنها أسس للدولة الإسلامية في أيامها الأولى ضمن العصر النبوي، واستهلك هذا الباب أقلّ بقليل من مئة صفحة، وهو كغيره من محتويات الكتاب يحتاج إلى مراجعة في نتائجه وأحكامه؛ إذ لا يسلم من لوازم الاجتهاد أو حتميّة القصور عمل بشري أبدًا مهما أُحكم، وللمخلص عند مولاه الأجر، وله من المنصفين التقدير والشكر.

ثمّ خصص الباحث الباب الرابع لدراسة مفاهيم مهمة في دستور المدينة، وفيه ثلاثة فصول الأول منها عن مفهوم الأمة، والثاني حول مفهوم الأكثرية والأقلية، فيما انصرف الثالث نحو أهل النفاق ودستور الدولة الإسلامية، وتجاوزت عدد صفحات هذا الفصل التسعين بقليل، وفيها كما في غيرها أفكار تحتاج لنقاش وحوار، وإن كان يُحمد للمؤلف جديته البحثيّة، وجرأته في تدوين ما يعتقده صوابًا.

وجاء آخر الأبواب وخامسها بعنوان العلاقات الدولية في فقه الدولة الإسلامية، وفيه ثلاثة فصول، الأول عن إستراتيجية التأمين والتمكين، والثاني حول أسس العلاقات الدولية، والثالث وهو أطولها يدرس صلح الحديبية وأبعاده الإستراتيجية، وهو فصل مفرد بكتاب مستقل، وفيما مضى كتبت عنه عرضًا منشورًا، وهذا الباب يستولي على مئة وأربعين صفحة تقريبًا، وعليه فهو ثاني الأبواب من حيث الطول.

وأخيرًا ختم المؤلف دراسته بالإشارة إلى ضرورة توثيق الصلة بين المبادئ والواقع حتى لو أريد تغييره، مع مركزية اعتبار ثلاثة عوامل هي الزمان والمكان والإنسان، وأيضًا التفريق بين الفقه في حال الضعف والفقه في أحوال القوة، ولم يفته أن ينبه في نقاط مختصرة إلى العناية بالتخطيط، والتدرج، وتحصيل القوة، وبناء التحالفات، واستثمار العلاقات الدولية، وهذه الملامح كلّها في متناول اليد لبلاد المسلمين خاصة إذا تعاونت على البّر والتقوى، والله يلهم القادرين ذلك وزيادة، على خير وصلاح شأن.

إننا نطلّ من خلال هذه الرسالة كما أراد مؤلفها على منظومة الفكر السياسي الإسلامي عبر كوة علمية، من خلال وقائع السيرة المنيفة، وتطبيقات الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، باستخدام مناهج الاستقراء والتتبع، ثمّ التحليل واستخلاص النتائج والقواعد، وما أجدر المسلمين بأن ينصرفوا إلى عيش الواقع وفق الهدي الرباني قدر المستطاع دون انهماك في جدل حول فكرة الدولة الدينية التي لا تثير الانتباه في تراث المسلمين العلمي، أو تضييع للوقت والجهد في مقارنات أو محاولة نفي أو إثبات، فالحقّ دومًا أبلج، والمطلوب اتباعه بالحسنى البعيدة عن العسر والكسر والضرر، ومواصلة العمل وترسيخ المفاهيم، وعلى الله قصد السبيل، وهداية الخلائق، وعنده الأجر الأوفى.

 ahmalassaf@

الرياض- الثلاثاء 04 من شهرِ رجب عام 1442

16 من شهر فبراير عام 2021م 

Please follow and like us:

2 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)