سياسة واقتصاد عرض كتاب

أبحاث في قضايا مالية معاصرة

أبحاث في قضايا مالية معاصرة

تؤلمني جُزافية أحكام بعض أبناء حضارتنا التي يلقونها مرسلة على عواهنها الواهية دون بصيرة أو تروٍ أو تحقّق، ومنها قولهم إن كثيرًا من مستجدات العصر لم تُدرس من ناحية فقهية، ولو اقتطع الواحد منهم دقائق معدودة من وقته، وزار أيّ محرك بحث على شبكة الانترنت، لوجد شيئًا يبعث على العجب والوأوأة من عدد رسائل الماجستير والدكتوراة، وأبحاث المؤتمرات والمجلات العلمية المحكمة، ومقالات المواقع والمدونات، والتآليف الفردية، حول مسائل عصرية في السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والطب، والتقنية، والحقوق، والإعلام، والنزاعات، والقانون الدولي، وغيرها كثير مما تزيده الأيام عمقًا وعبقًا وعددًا.

من تلكم الأمثلة الباهرة كتاب عنوانه: أبحاث في قضايا مالية معاصرة، تأليف: أ.د.يوسف بن عبدالله الشبيلي، أستاذ الفقه المقارن في المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والخبير المشارك في عدد من المؤسسات المالية الإسلامية رئيسًا وعضوًا، ويقع الكتاب في مجلّدين، عدد صفحات أولهما (648) صفحة، وعدد صفحات الثاني (589) صفحة، وقد صدرت طبعته الأولى عام (1441=2020م)، بتشارك حميد بين بنك البلاد ودار الميمان للنشر والتوزيع، في طباعة أنيقة، على ورق مريح، وفي كلّ مجلد فاصل ورقي، وآخر قماشي.

ابتدأ الكتاب بتقديم مختصر من الرئيس التنفيذي للبنك الأستاذ عبدالعزيز بن محمد العنيزان أشار فيه إلى عناية البنك ببرامج المسؤولية الاجتماعية، ومنها نشر الوعي بالمصرفية الإسلامية، خاصة بعد تزايد الطلب العالمي على هذه المصرفية، وذكر أن البنك رائد في رعاية الأبحاث العلمية المرتبطة بالمصرفية، وختم تقديمه بشكر مجلس إدارة البنك والهيئة الشرعية وأمانتها؛ مثنيًا على سعيهم المتواصل لتطوير العمل المصرفي الإسلامي إن في صعيد التطبيق، أو في حقول المعرفة.

ثمّ وضح الأستاذ محمد بن عبدالعزيز الزومان أمين الهيئة الشرعية أن هذا العمل من مبادرات الهيئة الشرعية لطباعة الرسائل العلمية المعنية بالمصرفية والمالية الإسلامية منذ عام (1429=2008م) لتعميق المعرفة الشرعية في هذه المجالات، حتى بلغت منشوراتها تسعة عشر إصدارًا، وهذا الكتاب الذي بين أيدينا يأتي في الترتيب العشرين من حيث الطباعة، وسيكون مرجعًا ثريًا للمهتمين والباحثين؛ ذلك أن مضمونه يلامس الحاجات العلمية والعملية في المصرفية الشرعية، وكاتبها هو أحد الأعلام المتخصصين والممارسين في آنٍ واحد.

بعد ذلك كتب الشيخ البروفيسور الشبيلي تصديرًا بيّن فيه أن محتويات الكتاب تشتمل على أبحاث ودراسات كُتبت في أزمان ومناسبات مختلفة، وقُدمت لمؤتمرات ومحافل محلية ودولية، وهي تنشر اليوم كما عُرضت في حينها دون تغيير في اجتهاداتها، وشكر نجله عبدالله الذي جمع شتاتها، وضمّها في إصدار واحد، فهنيئًا لعبدالله البّر ورضا الأب، ثمّ هنيئًا له العلم والإنجاز وخدمة المجتمع وأهل الاختصاص، وهنيئًا له هذه المكارم المتوالية التي حازها حين التفت لأبحاث والده الشيخ، وتجاوز أثقال المقولة المعلّبة بأن أزهد الناس في عالم أهله!

كما ذكر الابن المعتني بهذا الإصدار -عبدالله بن يوسف الشبيلي- في التوطئة أنه حصر خمسة وأربعين بحثًا لوالده في موضوعات متنوعة، وعقب ذلك دمج المتشابه منها في بحث واحد معتمدًا الأحدث منهما، فآلت إلى ثلاثة وثلاثين بحثًا، مع التنويه إلى المواضع المضافة في أيّ مبحث لمن شاء الرجوع إلى أصوله، والتزامًا بالأمانة العلمية، وحدّد تاريخ كلّ دراسة ومناسبتها، وأضاف فهرسًا للكلمات المفتاحية زيادة في خدمة الكتاب وقرائه، وهكذا يجب أن يفعل الأبناء والطلاب مع منجزات آبائهم وأشياخهم.

أما الكتاب فينقسم إلى ثلاثة أقسام؛ يبحث القسم الأول منه الخدمات المصرفية والعقود التمويلية، وفيه سبعة عشر بحثًا استهلكت المجلد الأول كاملًا بعد التقديمات القصيرة المشار إليها آنفًا، ومنها أبحاث عن حماية رأس المال، والرقابة المالية، والتحوط، وإعادة البيع، وتمويل العمليات التجميلية، ويختصّ القسم الثاني بدراسة الخدمات الاستثمارية والأوراق المالية وفيه ستة أبحاث عن الوساطة المالية، وصكوك الإجارة، واستثمار أموال الاكتتاب، وفي القسم الثالث عشرة أبحاث عن الزكاة والأوقاف، ومنها زكاة الأسهم، والوقف الاستثماري، والتأمين التكافلي من خلال الوقف، ويحتلّ القسمان الأخيران المجلد الثاني كاملًا.

إنه لعمل صالح كامل بإذن الله، والله يجعله مشكورًا مبرورًا؛ ففيه علم، وخبرة، وخدمة مجتمعية، وقيمة ثقافية، وفيه برٌّ وصلة، وآثار باقية، ولمُّ أشتات متباعدة كي لا تضيع في زحمة الأوراق، أو تُهمل بسبب تتابع صوارف الحياة، وزانه فوق ذلك الإخراج البديع بفنّ ورونق، والتصميم البهي مع تناسق الخطوط والألوان، فما أجمله من عمل تظافرت لأجله عقول، وجهود، وأموال، وأوقات، وعيون، وهمم، والحمدلله الذي جعل فينا من يفعل ذلك، ويفرح به، وينشره أو يشارك في تعميمه والإشادة به، وإن بكلمة عابرة.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

الأربعاء 28 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1442

10 من شهر فبراير عام 2021م 

 

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)