جولة مع ظريف ومع مناهج التعليم الإيراني!
شدّتني الزيارات الخاطفة، التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، خلال هذا الأسبوع، لبعض دول الخليج العربي، وتصريحاته التي أعلن فيها، بأن إيران تمد يدها؛ لتحسين العلاقات مع دول المنطقة. ولم تختف طبعاً الابتسامة الظريفة للوزير ظريف، التي لا تغيب عن جل الصور التي تلتقط له، أيّا ًكانت المناسبة، وربما أستثني مواكب العزاء!
والسؤال المطروح، هل لدى إيران استعداد حقيقي وجاد لأن تحسّن علاقاتها، مع دول المنطقة؟ وقد لا نجد الإجابة عن هذا السؤال من خلال التصريحات المعلنة، ذات السمة الدبلوماسية حمالة الأوجه؛ لكنها ستكون صادقة لو نظرنا في الداخل الإيراني؛ الذي يكشف النوايا الإيرانية تجاه “الآخر”.
وسنحاول البحث عن إجابة على هذا السؤال، من خلال المضامين التعليمية، الواردة في الكتب المدرسية، فهي من أصدق الدلائل على توجه الدول. ولأن تصريحات ظريف حديثة جداً، فمن غير المناسب-بل من الظلم أحياناً-الاستناد لآراء ومناهج قديمة، ولا مناص من مراجع حديثة، متزامنة مع الدعوات الإيرانية الحالية. وكي أبتعد عن التحيز، وضغط التوجه الشخصي، والاعتقاد المنبني على رأي خاص، فسأعتمد على تقرير مؤسسة مستقلة، تهتم بنقد الكتب المدرسية؛ بغض النظر عن الدول، وتوجهاتها.
وسأنطلق من تقرير حديث جداً، نُشر في شهر مايو الماضي، من قبل معهد متابعة السلام والتسامح في التعليم المدرسي (IMPACT-SE)، تناول الكتب المدرسية، في جميع الصفوف الدراسية، واستشهد بمقاطع وصور من مضامينها؛ لتأكيد ما توصّل إليه التقرير. وسأستعرض أبرز نتائج التقرير، بإيجاز يُجلي حقيقة التوجهات الإيرانية، تجاه دول المنطقة خاصة، ونحو العالم بشكل عام.
فمما تضمنه التقرير حول الكتب المدرسية، أن إيران تسعى لإيجاد حكومة عادلة عالمياً، وأن هناك مسؤولية تتحملها إيران-لحين ظهور المهدي-لمساعدة المضطهدين في العالم، ومجابهة من يتسبب في اضطهادهم. ومع وجود تمييز في المناهج الإيرانية بين الحرب للجهاد، والحرب للدفاع، والحرب الداخلية مع المتمردين، والحرب الأولية تجاه الدول الأخرى، إلا أنها جميعاً تسمى حروب “دفاع”، وهذا يعني أنها ذات أهمية قصوى في الوعي الإيراني، فحروبهم حروب وجود؛ لا حروب حدود!
ويصرح المنهج بأهمية الاستعداد للحرب التي سيقودها المهدي المنتظر، ويتمثل هذا الاستعداد في الجاهزية البدنية، وتوفير السلاح، والاشتباك مع الأنظمة الأخرى التي لا تعتنق المبادئ الشيعية، وفقاً للرؤية التي وضعها الإمام الخميني، ومن يقرأ هذه النتيجة، وينظر في خريطة الصراعات الإقليمية؛ فسيؤمن بدقة التقرير!
ويؤسس المنهج بشكل واضح لتضليل الآخرين من خلال عقيدة “التُّقية”، وأن ذلك مطلوب مع كل الأنظمة المخالفة لعقيدة الشيعة حسب رؤية الخميني، وأن هذا التضليل ينبغي له أن يستمر؛ لحين تغير موازين القوى لصالح إيران، وعندها يبدأ التصريح بالنوايا الحقيقية؛ بما يتلاءم مع مصالح إيران وتوجهاتها.
وعند عرض الأحداث التاريخية، تُقدم من خلال سياق خاص، يطاله التحريف والتغيير؛ لإظهار إيران على أنها دولة محارَبة من العالم، وأن الآخر دائماً على خطأ، بينما إيران على صواب دوماً. وكل اختلاف في الداخل يعد عصياناً يجب قمعه، والقضاء عليه! وأثر المظلومية، والإفك، واضح في هذا الملحظ.
ومع أن إيران تبشّر بثورة إسلامية بدأها الخميني عام 1979م، إلا أنها تتمسك-في ذات الوقت-بهوية منشأها العرق الأرياني، مقروناً بالأصول الفارسية، ومؤطراً برؤية شيعية منبثقة عن التعاليم الخمينية. ويميز المنهج بين الشيعي الفارسي-غالباً الرجل دون المرأة-، وبين غيره أيَّاً كان، من السنَّة، والعرب، والأكراد، والتركمان، والأذر، وكل من لا يتبع الإمام، فضلاً عن غير المسلمين من اليهود والنصارى.
هذه بعض النتائج من خلال تحليل كتب مدرسية حالية، تدرس خلال العام الدراسي الحالي 2014-2015م، في المدارس الإيرانية، فهل نصدق ما يقوله الوزير ظريف؟ وهل نطمئن لبسماته الصفر؟ أم نصدق ما يتعلمه الإيرانيون في المدارس التي تخرج الجند، والإعلاميين، والخبراء، والمقاتلين؟
ثم ما هو نوع العلاقة التي تسعى إليها إيران مع وجود هذه المبادئ في مناهجها التعليمية؟ وإلى متى ستستمر هذه العلاقة الحسنة، إن حصلت؟ وهل إيران على استعداد لإحداث تغييرات داخلية، حقيقية، وإيجابية، تعكس العلاقات الحسنة المنشودة مع دول المنطقة؟ وهل ستقف إيران عند مجال جيواستراتيجي معين؛ أم أنها ماضية نحو التوسع؟ وهل تسعى لحزام أمني يتجاوز الجغرافيا السياسية؟
وإذا فرغنا من تحليل المناهج الحالية؛ فإن التاريخ السياسي يحدثنا بخبر يقين، عن عداوة فارس للمنطقة، ومكرها بها، وتعاونها مع بريطانيا التي سيطرت على الخليج قروناً متعاقبة، وكلما اضطرتها المتغيرات إلى تخفيف عبء الحماية عن كاهلها، تفاهمت مع إيران، فمنحتها في الأولى جزراً عمانية، وأقطعتها في الثانية جزراً إماراتية، ولا ندري ماذا وهبتها أمريكا ومجموعة (5+1) في المرة الثالثة؟
وغير المناهج، وبدون التاريخ السياسي، فلإيران عقيدة دينية مضادة لنا تماماً، لا ترى لنا حقاً، ولا ذمة، والتصرف الإيراني في العراق والشام خير شاهد على أن ذبح المسلم، وانتهاكه، وإذلاله، هدف راسخ في العقيدة الصفوية ذات الشقين الشيعي والفارسي. وفوق ذلك فلها عقيدة قومية فارسية، ورثت الاستعلاء الكسروي على العرب، واعتبارهم أجلافاً جهالاً؛ لا مكان لهم في غير خدمة الإيوان!
وفيما يخص الزيارة، يحضر سؤال كبير عن غياب السعودية منها، وسؤال آخر عن مناسبة التصريحات التي أدلى بها المرشد خامنئي، والرئيس روحاني، بل والوزير ظريف نفسه، وملخصها أن الاتفاقية النووية لن تغير من سياسة إيران في المنطقة، وأن إيران ستساند دولاً حددت بالاسم، ومنها اليمن والبحرين، وستقف خلف الشعوب ضد الإرهاب، وتناصر المقهورين في كل مكان، فهل هذه التصريحات متناغمة مع الزيارة الظريفة، أم مخيفة؟
وتبقى لدينا فرص كبيرة، في إصلاح أوضاعنا المحلية، والتوغل في الداخل الإيراني المضطرب أصلاً، واستخدام سلاح الإعلام التقليدي، والجديد؛ لإشغال إيران داخلياً، وسحب البساط من الحضور الإيراني الكبير، الخيري والدعوي، بعد الانكفاء الخليجي الناجم عن أحداث سبتمبر. ومع المقاومة الناعمة هذه، فلا مفر من إعداد القوة بكل صنوفها، كي ترتدع فارس، التي ترتعد فرائصها؛ من صرخات الموحدين حين تسمعها، وإن قطع اليد أولى من بتر الإصبع، أو عض أطراف البنان.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
الأربعاء 13 من شهرِ شوال عام 1436
29 من يوليو 2015
One Comment