أمريكا..ذات الإبادة!3/1
حق التضحية بالآخر
كم يؤلمنا الوضع المتردي للوعي عند بعض أبناء أمتنا، ومن تدني مستوى الوعي الانبهار بمنظومة الحقوق التي تدعي أمريكا رعايتها؛ وتشن الحروب لأجلها، فإذا عجز الناس عن قراءة التاريخ واستيعابه؛ أفلا يبصرون الواقع المظلم للتدخلات العسكرية الأمريكية في أكثر بلاد المسلمين؟
وهذا كتاب يحكي شيئاً من التاريخ الذي مضى بأحداثه ورموزه؛ بيد أنه باقٍ عبر ثقافة تحرك أعظم قوة في عصرنا، ويُعاد استنساخه في بقاع أخرى، فضلاً عن وجود آثاره تحت المباني الحكومية الأمريكية شاهدة على جريمة عظيمة حاول المنتصرون طمسها، أو تزويرها، فما استطاعوا وإن ظلت غائبة أو منقوصة أو مشوهة طوال قرون مضت.
عنوان الكتاب المقصود: أميركا والإبادات الجماعية: حق التضحية بالآخر، تأليف: منير العَكش، وصدرت الطبعة الأولى منه عام (2002م) عن دار رياض الريس للكتب والنشر، ويقع في مئتي صفحة من القطع المتوسط، ويتكون من مقدمة، وسبعة فصول، وملحقان، ثم تعريف بالمؤلف، وفهرسان للأعلام والأماكن، والأماكن مشبعة بالذكريات الأليمة؛ فكل بقعة تذكر بشيء!
بدأ المؤلف مقدمته بنقل عن أحد نشطاء الهنود الحمر، ذكر فيه أن أول ما يفعله المنتصر هو محو تاريخ المهزومين، ثم ذرف الدموع على الضحايا! وربط الهندي بين جلاد قومه وجلاد الفلسطينيين؛ فهو جلاد واحد يرى نفسه مقدساً؛ وينطلق من ذات العقيدة.
ثم أشار الباحث إلى قصة “توماس مورتون” الإنجليزي الخليع الذي اندس وسط “الحجاج” الإنكليز الذين أسسوا مستعمرة بليموث مع أنه مخالف لأفكارهم وأخلاقهم، حيث وضع كتاباً بعنوان “كنعان الجديدة الإنكليزية”، يمثل شهادة تاريخية أنصف فيها الهنود. وقد اعتقلته سلطات الاحتلال مرتين؛ وشحنته مقيداً بالأغلال لإنكلترا، لكنه تمكن من الفرار والعودة إلى العالم الجديد، وفي المرة الأخيرة أتم تأليف كتابه؛ ثم قبض عليه ومات حسيراً في سجنه عقابًا له على بيع السلاح للهنود، وعلى نشر هذا الكتاب الذي كشف أخلاق “العبرانيين” في إبادة كل من يصفونه بالهمجية من “الكنعانيين” بعد استباحة أراضيهم ونهب خيراتهم-والوصف بالهمجية جاهز عند البيض، ويوزع مجاناً على الضحايا والمستهدفين-.
واستقرأ المؤلف خمسة ثوابت رافقت التاريخ الأمريكي منذ النشأة حتى اليوم، وحددها كما يلي:
1- المعنى الإسرائيلي لأمريكا.
2- عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي.
3- الدور الخلاصي للعالم.
4- قدرية التوسع اللانهائي.
5- حق التضحية بالآخر.
واعتبر د.العكش أن كتابه شهادة تاريخية، وتعجب من إحجام العرب المقيمين في أمريكا عن الإدلاء بها! والذي قاده للتعمق في بحث المسألة الهندية أنه عثر بالمصادفة على كتاب توماس مورتون في مكتبة الكونجرس، وحين بدأ رحلته البحثية توجه إلى مكتب الشؤون الهندية المرتبط بوزارة الداخلية الأمريكية، واكتشف أن معلومات المكتب حكومية تخفي الحقيقة وتزور التاريخ؛ ولذا قطع الصلة بهم حتى لا يلحق بمورتون! وتوجه إلى أصدقاء الحركة الهندية لتنكشف له الحجب عن حقيقة مرة ومخيفة. واهتم العكش بهذه المسألة كما لو كان أحد أجداده هندياً! والسر الذي جذبه للاهتمام بتاريخ هنود أمريكا أنه يرى-وهو العربي الأصيل-ذات التجربة تكرر في عالمه العربي والإسلامي وما من نذير أو صريخ!
عنوان الفصل الأول: الوباء البديع، وقد سُّطر بحروف تقطر دماً، ولها رائحة الموت، وصوت أنين الجرحى، حيث أورد المؤلف قصة وصول البيض للعالم الجديد في القرن السادس عشر وإبادة (112) مليون إنسان على الأقل ينتمون لأربعمئة شعب لم يتبق منهم في إحصاء عام (1900م) سوى ربع مليون! ومع ذلك فقد غابت هذه الجرائم عن كتب التاريخ الأمريكية الرسمية، ومن فرط اللؤم والاستخفاف أن نصبوا تمثال امرأة هندية فوق قبة الكابتول وصيروه رمزاً للحرية، ولو نطقت الأرض التي تحته لأبكت السامعين من تنكيل جرى لأهل هذه المرأة قتلاً، وسلخاً لفروات الرؤوس، وصلماً للآذان، وبقرَ البطون، وذبحَ الرضع بهشم رؤوسهم، فضلاً عن إحراق الأرض، وسرقة الثروات، وإهلاك الحرث والنسل، وطمس الثقافة، وبعض هذه الجرائم سوغها قانون أقره الكونجرس بعنوان حماية الهنود!
ومن تفنن البيض بصنوف القتل أن جلبوا معهم الجراثيم ونشروها، ثم نسبوا الموات المتتابع لعامل الطبيعة، ولم يكلفوا أنفسهم عناء الجواب عن سبب إصابة الهنود فقط دون البيض بالأوبئة؛ حتى قال دارون في مذكراته:” حيثما خطى الأوربيون مشى الموت في ركابهم إلى أهل البلاد”، وألف هوارد سيمبسون كتاباً عن دور الأمراض في التاريخ الأمريكي، علماً أن المحتل الأبيض نشر(93) وباءاً ضمن حملته العسكرية حصدت أرواح الهنود وأنهكت قواهم، وهذا يفسر هلع الأمريكان من الجمرة الخبيثة، ومن أي حرب جرثومية، وربما يفسر سبب انتشار الأوبئة مؤخراً!
الفصل الثاني عنوانه: هذا الجنس اللعين! فالمحتل الأبيض ينظر إلى عمليات الإبادة التي صاحبت توسعه في الغزو على أنها “أضرار هامشية ” استلزمتها أعمال نشر الحضارة وتمدين الأمم المتوحشة. ومن هذه الأعمال التي يستلزمها “التمدين”: خطف الأطفال وبيعهم؛ والمختطف أحظى وأغلى عندما يكون فتاة، وحرق البيوت أمام عيون ملاكها، وإتلاف كميات ضخمة من المحاصيل الزراعية، والإسراف في الذبح حتى أن بعض الجثث لم تجد من يدفنها، ومن القهر المضاعف أن تمويل عمليات الإبادة يكون غالباً من عوائد بيع الأطفال والنساء؛ فيكون الطفل ثمناً لسلاح أفنى أهله، وإن تمديناً هذه وسائله لأمر لم يخطر على بال عتاة مجرمي التاريخ؛ فلم يقلها هولاكو ولا جنكيز خان ولا أضرابهم من السفاحين؛ بل لم يجرؤ قاتل على وصف الذبح بأنه أضرار هامشية!
ومع أن المحتلين الأوائل اقترفوا هذه العظائم إلا أن الثقافة الأمريكية تضفي وصف القداسة عليهم، وتسميهم الحجاج الأوائل! وأكثر الآباء التاريخيين لأمريكا قتلة برابرة؛ مع أن صورهم على الدولار تظهرهم فرساناً نبلاء، وغالب الرموز السياسية والعسكرية في التاريخ الأمريكي قتلة دمويون، حيث ترتبط بعض المجازر والمذابح بهم، ولفريق منهم ولع في التمثيل بالجثث، ولغالب هؤلاء الرموز حضور في الثقافة الأمريكية، وصور على الدولار، وتماثيل وميادين ومدن تسمت بأسمائهم، ومن لم يشارك في هذه الجرائم بيده فقد أيدها بلسانه وقلمه؛ واعتبرها عملاً لا مفر منه، ولأجل تزيين صورة هؤلاء فقد تم إخفاء بعض الكتب حتى من قوائم مكتبة الكونجرس!
وأما الفصل الثالث فيسأل: من المتوحش؟ حيث نقل عن كلاوس كنور في كتابه الخاص بنظريات الاستعمار الإنكليزية أن الإنكليز-والأمريكان لاحقاً-هم أكثر القوى الاستعمارية ممارسة للإبادة، وأن هدفهم هو إفراغ الأرض من أهلها، وتملكها ووضع اليد على ثرواتها. ورأى المؤلف أن مسيرة الإنكليز في الذبح تؤازرها عقيدة الاختيار والتفوق؛ ولذا فهم يملكون حق تقرير الحياة والموت لغيرهم خاصة أنهم يعتبرون الآخرين أعراقاً منحطة أو مخلوقات متوحشة لا تنتمي للنوع الإنساني، وألبسوا جرائمهم المقززة لبوساً دينياً بجعلها تدبيراً إلهياً مباركاً، ولتسويغ القتل نشروا أكاذيب مضحكة عن ضحاياهم لنزع أي رحمة قد تطرأ على قلوب الجنود، ومن هذه الأكاذيب أن الشعوب المستهدفة كائنات نصفها بشر ونصفها وحش، وأنهم يأكلون أولادهم وأزواجهم.
وتعمد الغزاة قتل الأطفال والنساء لمحو مستقبل الهنود، ومتابعة القتل بدون توقف لحماية حضارة الإنكليز، وفي شهادات المستعمرين الأوائل كانوا يسخرون من خلو ثقافة الهنود الحربية من عنصري القتل والتوسع. ومن فظائع جيش الاحتلال زرع جانبي الطريق المؤدية إلى مقرات الزعماء بالرؤوس المقطوعة لبث الرعب في قلوب سالكيه من الهنود. ولأن القتل، والسلخ، والصلم، صار مهمة تجارية فقد تولت شركات خاصة كبر هذا الإثم بالتعاون مع جيش الاحتلال، وأثرت من وراء هذا العمل ثراءً فاحشاً، وأصبح خبر الرؤوس المقطوعة معتاداً في الصحافة البيضاء دون نكير. ولنا بعد أن نتخيل هذه الفظائع أن نتأمل قول أحد “الأبطال”: لقد كنا نتسلى! ولا غرو فالهندي الصالح هو الهندي الميت كما قال أحد المحاربين.
وكان الهنود المساكين لطفاء مع الإنكليز الوافدين-المحاربين لاحقاً-قبل أن يفهموا أن اللطف معهم انتحار، وأنه لا مقياس للأخلاق عند المحتل سوى مصالحه، ولذا فسينبذون أي تعهد، ويخلفون أي وعد، بمجرد تعارضه مع مصلحتهم، فالكرم الذي يلقاه الأبيض من الهندي لا تفسير له في ثقافة البيض سوى الذلة والخنوع.
وكتب فرانسيس باركمن أشهر مؤرخ أمريكي في عصره بأن الهنود بشر وذئاب وشياطين في آن واحد، وأن فرض الحضارة أمر يستأهل القتل والإبادة، وعبارة “الأمر يستأهل” استخدمتها العجوز مادلين أولبرايت وزيرة خارجية أمريكا في تعليقها على مقتل مئات الآلاف من أطفال العراق إبان الحصار الأمريكي-الإنجليزي، ومع ذلك فلا يزال بعض المخدوعين أو المتخادعين يذوب خجلاً من عملية قتل محدودة ينفذها مسلم، ويغفل المسكين أنه أمام أناس قتلة سفاكين في تاريخهم وحاضرهم ومستقبلهم مالم تستيقظ الشعوب الضعيفة.
ويحتفل كل بيت أمريكي بعيد الشكر، وهو وعيد ديني وطني أقدس من غيره حتى من عيد الاستقلال، وفيه يذبح الأمريكان ثلاثين مليون “تركي” قرباناً واحتفاء بأسطورتهم التاريخية، فهل يعلم القارئ أمة تتخذ من ذكرى قتل البشر، ومحو الحضارات، ونهب الثروات، يوم عيد وفرح واجتماع عائلي نادر الحدوث في المجتمع؟ وأي تطامن نحو الحضيض يسير فيه أقوام هذه أعيادهم؟
ولا يظنن أحد أن جرائر الجنود منبتة عن صانع القرار الأمريكي، فقد اعترف أحد قادة حرب فيتنام أن أعمال القتل تمت وفقاً لأوامر مكتوبة من قمة الهرم الحكومي، وعندما قررت أمريكا الخروج من فيتنام كان التوجيه صريحاً بإنقاذ السادة أصحاب البشرة البيضاء فقط دون غيرهم من العملاء والمرتزقة والخونة الملونين، وحين أقلعت طائرة الهيلوكبتر الفارة من سطح السفارة الأمريكية أبدى القنصل هنري بودرو ارتياحه لأن حشود “المتعاونين” التي خلَّفوها لتواجه مصيرها لا يوجد بينهم وجه أبيض! وليت شعري أيقرأ الملونون “المتعاونون” هذا الكلام؟!
كمائن الاتفاقيات هو عنوان الفصل الرابع، فالاتفاقيات في سياسة الغزاة وسيلة إبادة مثل القتل والأوبئة، وغايتها التخدير والتخذيل ثم نقضها حين تبدو مصلحة مخالفة لها، ومن التجارة الخاسرة أن المحتل استخدم بعض الهنود الذين خانوا شعوبهم، وبعد أن انتهت فائدتهم قتلهم أو خلى بينهم وبين المقاومة التي تتحين الفرصة للانتقام منهم؛ وهي سياسة أمريكية مستمرة مع كل خائن.
عنوان الفصل الخامس اقتل الهندي واستثن الجسد، حيث تواكب التذويب الثقافي مع حفلات القتل والسلخ، وعمد الغزاة إلى صياغة جديدة لوعي الشعب الهندي وثقافته وأخلاقه ومسلماته، ولا حرج في أن يعرف الهندي كل شيء إلا ذاته وتاريخه الحقيقي. ومن الصياغة الجديدة لثقافة الهندي نسف تقليد الملكية الجماعية عند الهنود واعتماد الملكية الفردية، ومنع الأطفال من التحدث بلغتهم، أو ارتداء ملابسهم، أو ممارسة شعائرهم، أو حتى تزيين شعورهم وفق موروثهم-وللشَّعر قيمة عظمى عند الهنود-.
وختمت عمليات التذويب الثقافي بإجبار كل الهنود على حمل الجنسية الأمريكية عام (1924م)، وبعد عشر سنوات أقر الكونجرس الأمريكي في 18 يونيو 1934م تكوين سلطة محلية باسم “مكتب الشؤون الهندية” وألحقها بوزارة الداخلية لتتولى تنفيذ خطة التذويب الثقافي، ويشَّبه الهنود هؤلاء العملاء العاملين بمكتب الشؤون الهندية بالتفاحة لأنها حمراء الظاهر بيضاء الباطن-وعليه فالعملاء في عالمنا يشبهون الباذنجان أو البطاطس! -.
ونبه المؤلف في الهامش إلى خطأ وصف جميع الأمم التي كانت تقطن في الأرض التي تحتلها أمريكا بأنها هندية، حيث اسُتخدم هذا الاصطلاح نتيجة الظن الخاطئ -أو المقصود- بأن كولومبوس قد وصل للهند، وصهر الاستخدام الجزافي لهذا المصطلح الاختلافات الثقافية بين أربعمئة شعب وأمة، وفرضها التاريخ المنتصر حتى غدت مسلمة يصعب تجاوزها، بينما هي أكبر كذبة اصطلاحية عنصرية في تاريخ الإنسان كما يقول المؤلف الذي أفرد كتاباً خاصاً عن الإبادة الثقافية سأعرضه لاحقاً.
ويجزم المؤلف بأن وجود قوة أخرى منافسة كالاتحاد السوفيتي حد من الغلو الأمريكي، ومن الإفراط في التدخل في شؤون البلدان خاصة الإسلامية، ونقل أن أمريكا تورطت في أكثر من مئتي مغامرة عسكرية في جميع القارات بدءاً من عدوانها على الأرجنتين عام (1890م).
المعنى الإسرائيلي لأمريكا هو عنوان الفصل السادس، ويؤكد الباحث فيه بأن أمريكا تطبيق لفكرة إسرائيل التاريخية، وأن يهود الروح أشد حرصاً على ذلك من يهود اللحم والدم. وقد سمع المؤلف بأذنيه أربعة رؤساء (ريغان، بوش الأب، كلينتون، بوش الابن) يستخدمون في مناسبات مختلفة رمزاً لأورشليم ولصهيون يصفون به أمريكا، وهو رمز ذو دلالة مهمة، ومعبرة: مدينة على جبل City Upon a Hill ، وقد اعتبر بعضهم ما نزل على موسى –عليه السلام- من ألواح شبيه بما نزل على قلب واضعي الدستور، ويتفق في ذلك الأمريكيون حتى لو لم يكونوا متدينين، وكان الرئيس جفرسون من أبلغ المتحدثين عن المعنى الإسرائيلي لأمريكا.
ومن النظريات المشتركة بين أمريكا وإسرائيل “القضاء والقدر الجغرافي” حيث لا تعترف الدولتان بحدود لهما، وأصبح “القدر المتجلي” عقيدة توسعية تبيح للعرق الأبيض كل شيء دون رادع أو وازع، وكانت هذه العقيدة دافعاً لتخوض أمريكا الحربين العالميتين! وللمؤلف كتاب خاص عن هذا الموضوع عنوانه تلمود العم سام سأحاول استعراضه في المستقبل. وتقوم فكرة أمريكا المشابهة لفكرة إسرائيل التاريخية على ثلاثة عناصر هي:
1-احتلال أرض الغير.
2-استبدال سكانها بآخرين غرباء واستعباد من يظل حيا من أهلها.
3-استبدال ثقافتها وتاريخها بثقافة المحتلين وتاريخهم.
وآخر فصل بعنوان باراباس اليانكي حيث نقل المؤلف عن القس جورج بوش جد الرئيسين بوش في كتابه “حياة محمد”-وهو مليء بالافتراء-أهمية طرد المسلمين وتدمير بلادهم تمهيداً لعودة اليهود، ويدور هذا الفصل على إبادة وعي المقاومة، وتعطيل العقل، وكم يبوء بهذا الإثم من أفراد وهيئات ومرجعيات!
وفي خاتمة الكتاب ملحقان أحدهما ينقل خطبة مؤثرة عرفت ب “خطبة الهندي الأحمر” وتنسب للزعيم الهندي سياتل، ثم ملحق بعنوان “الواهبون الهنود”، وفي آخره سطور تأكيد على ألم الهنود مما كتب عنهم في التاريخ الأمريكي، حتى أن الطفل الهندي يعود لبيته من مدرسته دامعاً مقهوراً. وفي نهاية الكتاب نبذة مختصرة عن المؤلف المهتم بتاريخ الهنود وثقافتهم، وبظاهرة الصهيونية غير اليهودية، ويقيم في أمريكا، وهو أستاذ اللسانيات واللغات الحديثة، ومدير البرنامج العربي في جامعة سَفُك ببوسطن، وهو سوري المولد فلسطيني الاختيار؛ كما يحب أن يصف نفسه.
والحقيقة أن الكتاب قيم، وهوامشه ثرية جداً، ولا تكاد تخلو من إضافة، وقد أشار د. منير العكش إلى عدة كتب مؤلفة باللغة الإنجليزية أو غيرها، وهي مهمة وجديرة بالترجمة أو العرض على أقل تقدير لعلها تسهم في رفع الغشاوة عن أعيننا. واللافت في كتاب العكش هذا وما تبعه عن ذات الموضوع أن معلوماته موثقة، فلا يذكر أمراً ذا بال دون عزو. وبعض الإشارات والتعابير الواردة في هذه الشهادة ذكية ولماحة؛ لكنها قد لا تتضح إلا بمراجعة التاريخ، وتحتاج بعض المصطلحات إلى شرح ولو فعل المؤلف ذلك باختصار لكان حسناً، ويبقى أن ألمع إلى ما أشار إليه المؤلف من إمكانية تغيير “الهندي” إلى المسلم أو العربي أو الفلسطيني أو العراقي فلن يكون هناك كبير فرق، وبالمثل يمكن تشبيه” مكتب الشؤون الهندية” والعاملين فيه بما يقابله في الواقع العربي.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
الأحد 02 من شهرِ الله المحرم عام 1436
26 أكتوبر 2014
One Comment