نجيب الزامل: نقاء وبقاء
أصبحنا هذا اليوم على خبر محزن ينعى الكاتب والأديب والمفكر نجيب بن عبدالرحمن الزامل الذي وافته المنية وهو في ماليزيا مع عائلته، وبمجرد انتشار الخبر الأليم تفاعلت معه الناس عبر منصات التواصل الاجتماعي الثابتة مثل تويتر، والمتحركة مثل الواتساب، وإنما الحياة سر ينكشف بعضه بعد الوفاة، وكم للعباد من خفايا يفوح عبقها بعد رحيلهم.
جمع نجيب الزامل مزايا كثيرة، فهو قارئ، وكاتب، وصاحب مشاركات اجتماعية في الاقتصاد، والتطوع، والفكر، ومساندة الشباب، والحرص على محيطه القريب والبعيد، والثناء على أهل الفضل كما فعل مع رجال أثروا فيه معرفيًا، وكما في إعجابه المستفيض بالأحساء مكانًا وإنسانًا؛ وإنها لتستحق وإنهم ليستأهلون.
ولم يأنف الكاتب النجيب من التصريح بقصته مع الشك حتى حماه الله وقاده إلى رحاب الإيمان الفسيح المضيء للنفس من داخلها ولما يظهر على وجوه أهل القبول والرضا واليقين، وارتقى أبو يوسف بنفسه عن أي مهاترة أو سوء في القول والفعل، ولم تكن الغاية مهما كانت سامية تسوغ عنده الوسيلة؛ فحفظ لسانه بالنقاء، وضمن لإنتاجه الفكري والأدبي البقاء؛ بينما سيذهب جل إنتاج غيره مثل ذرات الهباء بلا قيمة، ولا مكانة، ولا أثر، ولا خلود.
كما وقف بإيمانه ومحبته للنبي الأعظم صلى الله عليه وسلم وقفة صدق وجهاد واعتزاز ورسوخ شامخ، ودافع عنه ضد المسيئين ولم يركن لصنيع أهل الاعتذار الممجوج، الذي حاولوا حصر العدوان على الجناب الكريم في أشخاص وتبرئة ثقافة قومهم، ولو كان المخطئ واحدًا منا أهل الإسلام لصاحوا بأعلى أصواتهم المنكرة بإنه نتاج تعليمنا وثقافتنا ودعوتنا ولربما قالوا ديننا ونصوصنا المقدسة، بينما تسامى النجيب، وحمل لواء الدفاع عن الحبيب، والله يجمعه به في دار كرامته، ويسقيه من اليد الطاهرة شربة لا ظمأ بعدها.
ومما يشار إليه أني قرأت كلمة له في تأبين المعلم القديم المربي الشيخ عثمان الصالح، وذكر فيها أن الصالح كان ممن حثه على الكتابة، ودفعه إليها دفعًا، والعبرة هنا ضرورة احتضان أكابر الناس للشداة والشباب، فصغار الأمس هم كبار اليوم، والشيء بالشيء يذكر، فقبل سنوات تصل إلى عشر أو أزيد، أيملت له كتابًا إلكترونيًا عن الكتابة، فأجابني مبديًا سروره بالرسالة واستغراقه في قراءة الكتاب، ولم يكن بيننا حينها معرفة، ثمّ توالت الرسائل.
بينما رسخت مقالاته ومشاركاته الاجتماعية المعاني الجميلة، والأفكار الكريمة، والكلمات الراقية، والأسلوب السلس، وصدق المقصد والباعث كما أحسبه، وتفاعل معها الناس حتى صارت متنفسًا لهم، ومن آثارها بداية مشروعات تطوعية، وأعمال نافعة، وصلاح العلاقة بين أزواج كادت أن تنفصم عرى المودة بينهم، ولربما أنها كان منجاة لشباب ولجوا إلى وحل الشك والإلحاد تحت ذريعة الاستعلاء الفكري، أو هروبًا من مشكلات مجتمعية ونفسية، فكتب الزامل لهم قصته بوضوح وأضحت بلسمًا للجرحى، وطوق نجاة للغرقى.
رحم الله هذا الرجل النبيل العريق، الذي ينتسب لأسرة عريقة ذات امتداد واسع، وغفر لوالديه ومعلميه اللذين أجادوا في تربيته وتعليمه، وبارك في مجتمعنا الذي يؤكد عراقته وأصالته ويحسن التمييز بين من يستحق المتابعة والتكريم والتبجيل سواء وهو يخطر بيننا على الأرض، أو حين تحين ساعة الرحيل، وهذا ليس بكثير على رجل أعلن موقفه الصادق تجاهنا بقوله: يا حبي لكم، وأعلن لنا وللعالم: الصلاة تغيرنا، ونحن نغير العالم، وربما أن تغريدته الأخيرة تلخص مسلكه في التصدي للشأن العام: “يجب أن تملك المعرفة كي تعرف متى تتحدث، وأن تملك الحكمة كي تدرك متى تصمت”؛ ولقد كان في جلّ أحواله نجيبًا جميلًا.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
السبت 09 من شهرِ جمادى الأولى عام 1441
04 من شهر يناير عام 2020م
One Comment
رحم الله الكاتب الاديب نجيب الزامل رحمة واسعة واسكنه فسيح جناته سائلين الله العي القدير لااهله الصبر والسلوان لفقيدهم ما ابلغها من تغريدته الاخيرة : يجب ان تملك المعرفة كيف تعرف متى تتحدث . . وان تملك الحكمة كي تدرك متى تصمت . بالنسبة للحكمة {يوتى الحكمة من يشاء ومن يوت الحكمة فقد اؤتي خيرا كثيرا}صدق الله العظيم . المعرفة تكتسب . وامتلاك الحكمة منة من الله العلي القدير لعباده يحمد الله عليها كثيرا .كثر الله من امثاله فنحن باشد الحاجة اليهم