سياسة واقتصاد

أوجاع مترفة ومخزية

Print Friendly, PDF & Email

أوجاع مترفة ومخزية

إن سوق الدعوى واسعة سعة الأرض وما فوقها، وسوقها أمر يسير على من يجيد صنعة الكلام، بيد أنها تضيق ويُحرج صاحبها حينما تجابه بالحجة أو الدليل الماثل عيانًا، ومن المؤسف أن تقبل بعض العقول تلك الدعاوى دونما فحص أو اختبار أو مقارنة بحاضر مشاهد، أو مع تاريخ مضى وآثاره مستمرة.

ومن أكثر الدعاوى التي تواجه بها أمة الإسلام في ثقافتها وبلدانها وأفرادها، وتسعى لتنقيص قيمة حضارتنا، وإلحاق الوهن والهزيمة النفسية بأجيالنا، تلك المرتبطة بحقوق الإنسان وهي من قسمين: الأول يصمنا بإهدارها، والثاني يحتكر المحافظة عليها ورعايتها للغرب، وما أوقح من يقول بهما فضلًا عمن يصدقهما.

أما الأول فيمكن نقضه بالرجوع إلى نصوص شريعتنا، وتطبيقات عهود المسلمين الباهرة في العصر النبوي والراشدي فما بعدهما إلى أن ضعفت قوة المسلمين وأصبحوا في حال ضعف وانزواء، ومن الملاحظات المهمة أن حقوق الإنسان بالمفهوم الغربي صدرت في اليوم العاشر من الشهر الثاني عشر عام (1948م)، بينما سبقها الإعلان النبوي في حجة الوداع في اليوم التاسع من الشهر الثاني عشر للعام العاشر من الهجرة، وبينهما ألف وأربعمئة سنة لصالحنا!

فيما ينهار الادعاء الثاني بمتابعة سجل الدول الغربية في الحروب والإبادة والنهب، وسطوتها على الضعفاء، وسكوتها عن جرائم التعذيب والتخريب مقابل مصالح سياسية أو اقتصادية، وتزداد دعواهم قبحًا حينما نرى جهودهم الحثيثة لمساندة حقوق حيوانات بعضها مستقذرة، أو الدفاع عن توجهات قبيحة لنصرة الشواذ أو إفساد المرأة والأسرة، وما أكذب أوجاعهم المصطنعة.

وحقيق بالمسلم ألا يفقد اعتزازه بأحكام دينه التي اكتملت ورضيها لنا ربنا حتى قيام الساعة، وجدير بنا ألّا ننساق بغرور وعمه مع هذه الادعاءات، فتجاربنا مع الغرب أو الشرق الكافر حين يكون قويًا أو مسيطرًا تؤكد أنهم لا يرقبون فينا إلًّا ولا ذمة، وأن العهود والمواثيق معنا أرخص عليهم من المناديل المستعملة حين تناقض مصالحهم.

ألا ما أكذب الغرب وأشد تناقضه حين يحتفي بإجراء يسير يتوافق مع منظومته القيمية العوجاء، ويصمت عن براميل متفجرة، وتجويع طويل، ومعتقلات كبرى، وظلم متزايد، وحروب طاحنة، وانتهاكات تدمي القلوب؛ بيد أن أولئك المجرمين يشاهدون، ويؤيدون أو يسكتون، وفوق ذلك يستثمرون في البيع والشراء والمواقف لتحقيق مكاسبهم، وإنجاح مساعيهم، ولو ذهبت حقوق الإنسان الحقيقية إلى قعر لا قاع له.

 أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

الثلاثاء 05 من شهر ذي الحجة الحرام 1440

06 من شهر أغسطس 2019 م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)