شعارك في عامك الجديد!
مع إقبال العام الهجري الجديد، ينشط فضلاء وفاضلات عبر منصات التواصل الاجتماعي للحديث عن الأهداف الشخصية للمرء، وحسنًا فعلوا بحث الناس على التفكير والتخطيط، ودفعهم صوب العمل المثمر، وحسنًا فعلوا بتعبئة الفضاء الواسع بمحتوى نافع، وحسنًا فعلوا حين ربطوا الشباب والشابات بالتقويم الهجري الذي يكاد أن يُغتال ويُنسى في عالمنا الإسلامي الرسمي.
وللتخطيط مع الإنجاز أهمية ولذاذة لا توصف، وأهم من ذلك نجاة الإنسان من أسئلة أربعة ستقابله في آخرته ولابد، وفيها سؤال عن العمر، وعن أشياء مرتبطة بالوقت والحياة والمنجز، والحصيف الكيّس من استعد ليوم يُلاقي فيه هذا المصير المحتوم، والله يلهمنا وإياكم العمل المخلص المقبول، ويستعملنا فيما يحب ويرضى، ويرزقنا المتاجرة الرابحة بالنوايا الصالحة، والأعمال النبيلة.
لذلك يسعى البعض إلى ربط كل سنة بشعار، ويتقاطع هذا الشعار مع بعض أهداف سنته؛ بيد أنه يركز على شعاره في أكثر أحواله، ويجعله أشبه بالسياسة التي يرتكز عليها في كثير من قراراته وحركاته، وسأذكر بعض ما سمعته من تجارب عن هذه الشعارات مع توضيح مختصر لبعضها، وكل إنسان على نفسه بصيرة.
فمنها التخلص من الزائد أيًّا كان وأذكر أن زميلًا لا يوجد في بيته مخزن حتى لا يراكم الزوائد، ومثله الإفادة من المهمل أو إحالته لخانة المستغنى عنه، وربما لا يصدق كثير من الناس بأن الحياة دون أشياء زائدة حياة سعيدة للغاية، فبعض الإضافات مجلبة للهم ومضيعة للوقت، ومن جرب عرف.
كما حظي الجانب الصحي بشعارات كثيرة من جنس: لا للبيض الثلاثة أي الملح والسكر والدقيق، ومقاطعة المطاعم، والمشي اليومي ولو عقب الصلوات لدقائق معدودة، وتقليل الاعتماد على السيارة وهو شعار سينجح مع توافر وسائل نقل أخرى كالدراجة والقطار، ومن أحسن الشعارات التزام أحدهم بالنوم باكرًا؛ فسهره الطويل منهك.
بينما قال لي صاحب: لن أتابع الأخبار لأني في النهاية لا أستطيع منع الحرب بين المريخ وزحل! وسعى آخر جاهدًا لجعل أحد أعوامه فرصة لتصفير المشكلات أو تقليلها، واستبق ذلك بتهذيب نفسه، وغسل قلبه بماء العفو، وياله من إجراء ينفع فاعله قبل غيره، وأفادني ثالث بأنه سيجعل ضبط المصروفات شعاره، فيما ذهب الرابع إلى البحث عن مورد دخل جديد ليجعل منه شعارًا، والله رزاق كريم.
ولم تغب الآخرة وشؤونها عن شعارات الموفق من بني آدم، فمنها التزام بعضهم بقراءة القرآن الكريم ثلث ساعة يومية حتى يختمه مرة شهريًا، واجتهد الثاني بإدراك تكبيرة الإحرام أربعين يومًا متواصلة بحثًا عن البراءة من النفاق والنار؛ ويالها من براءة نفيسة ووسام عظيم. وعلمت من صديق أنه سيتابع نفسه ويراقبها يوميًا للتأكد من تلاوة أوراده طرفي النهار وقبل النوم، وسمعت رجلًا يسأل شيخًا كبيرًا عن مزارعه وعقاراته، فقال له: أنا بلغت السبعين فجعلت الآخرة نصب عينيّ، ولم تعد الدنيا لي ولست لها!
ولأن عادات الإنسان تصبغ شخصيته وتصنع حياته، سعى البعض لضبط هذه العادات، واكتساب عادات إيجابية سنوية، أو التخلص من العادات السلبية، ومن جنس ذلك اجتهاد معلم في إزالة كلمة تجري على لسانه دون قصد منه، ومنها ما أخبرني به كاتب وإعلامي بأنه جعل تقويم لسانه العربي شعارًا له لكثرة ما يلحن، وأصر الأخير على أن تكون سنته فرصة للانضباط في مواعيده، وبعد لأيٍ حاز هذه الغنيمة.
وأخبرني محبٌّ أنه اشترط على نفسه المشاركة في عمل مجتمعي سنوي ولو كانت مشاركته هامشية، ومن بديع ما علمته اعتزام غيور عاقل أن يكون شعاره الوقوف بحكمة وحسب استطاعته ضد اجتثاث عراقة مجتمعه أو إفساد روابطه ومجاله العام، وأسر لي صديق بقوله: عزمت أن تكون شؤون العمل في مكانه فقط ولا تنتقل معي للبيت أو غيره.
هذه شعارات سنوية لفئام يعيشون بيننا، منهم من بلغ وحافظ، وفيهم من لا يزال على الطريق، وبعضهم نوى والله يعين الجميع، وهي فرصة لنا كي نضع مع أهدافنا شعارًا نلتزم به، نصلح من خلاله ما اعوج من حال، أو نقبس به جميل الخلال، ونستعين به على قضاء المآرب، والمهم ألّا نغدو في لاحق مثل ما كنّا في سابق، فالعمر ينقص، والصحائف تُكتب، والله يجعلنا من قوم كرام صلاتهم ونسكهم ومحياهم ومماتهم لله ربّ العالمين.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض
الأربعاء 27 من شهرِ ذي الحجة الحرام عام 1440
28 من شهر أغسطس عام 2019م
14 Comments
جزاك الله خيراالكاتب الفاضل حفظه الله ورعاه ووفقه لما يحبه ويرضاه . لتذكيرنا بقدوم السنة الهجرية .وذكر فان الذكرى تنفع المومنين . الاية 55.سورة الذاريات. وجعلها في ميزان حسناتك وحسنات والديك.كما تفضلت العمر ينقص . والصحائف تكتب . والله يجعلنا من قوم كرام صلاتهم ونسكهم ومحياهم ومماتهم لرب العالمين . لقد زدت هذه السنة تبرع يوميا ولو بقليل ادفعها كل شهر على شكل صدقة للمحتاجين الارامل المشردين في الخيام في ارض الله الواسعة . .
بارك الله لك في علمك وعمالك وولدك وزادك تقوى وحرص
وجزاك الله خير
جزاكم الله خيرا، ذكرتموني بما كنت اعمله عند بداية كل عام هجري جديد، إذ أكتب مشروع العام وآمالي في مذكرة خاصة بي، وكدت اليوم أنساه مع مشاغل الحياة فجزاكم الله خيرا مرة أخرى
جميل أخي أباعبدالمحسن
بارك الله فيك …. ونسأل الله أن يجعله عام سعادة للجميع
جزاك الله خير
مساءلة حادة؛بين طياتها هديرٍ متعالٍ صخّاب،
أنقب عن مساء أستطيع معه الاغفاء، ينحسر النهار ويدخل معه الليل، وتمضي ليلة تلو الأخرى، وأنا أتقلب بينهما! سوف ينقضي العام، ومما لا أدعه ينقضي بلا حسبان، بأني لا أترك الأشياء في منتصفها إلا بعد تمامها، وأني بكل شجاعة أقدم الاعتذار بل الاعتذار الموشح بصدق الحب على التبرير لمن ينبغي ، طي الصفحات عبر النسيان وحده لا يكفي! بل علينا أن نكون صادقين بكل الوعود التي قطعناها ذات غيمة، وأن نعتذر!
نعتذر لمن أحببناه يوماً!
سؤال متوشح بالطهر، مع مطلع هذا العام، من يرحم أنين الجدران إذا تغشاها المساء، ومن يطفي الفتيلة التي اشتعلت منذ ذلك الحين!
تجف أرواحنا، وتذبل زهور العمر، وتتصدع قلوبنا المفطورة! فقط كنا بحاجة اعتذار، وستمضي الأيام بعدها..
أحلامنا هذا العام تكتب مشهدا ينعتق من إطار الكبرياء، لتكن شجاعًا أيها العزيز! قدم اعتذار يليق بتلك الأيام!
ودع العام يطوي صفحته!
تقول إحداهن: “طرق سمعي بتوفيق من الله خبر أحدهم أنه يلح بقوله اللهم حرمني على النار وأدخلني الجنة مع الأبرار أو قال الأخيار، فجلّى لي خوفُه وإلحاحه هذا الهدف الأعظم حتى تضاءلت عنده إخفاقات أهداف الدنيا بأسرها حين عرضتْ، فكان الأمن يوم الفزع والإبعاد عن النار هماّ وهدفاً جليّاً ملازماً، وإني أرجوه كما وفقني إلى هذا بفضله على مايعلمه مني، أن يوفقني لما يوجب لي مغفرته وصفحه ورضاه من العمل، وأن يبعثني آمنة يوم الفزع الأكبر وأن يصرف عني عذابه وأن يجعلني من الناجين وعن النار من المبعدين، ووالدي ووالديهم وعمي وأمي وذريتها وأزواجهم وذرياتهم ومن أحببتُ والمؤمنين هذا ظني به وهو عند ظن عبده سبحانه”
قلتُ: آمين ونفسي وكل من وقعت هذه الكلمات بيده.
مقال رائع لو اتبع الجميع وضع شعار له في هذا العام المبارك سنصل بإذن الله الى عالم منتج وجودة في الحياة 🍃
سعادة الأخ الاديب الفاضل اطلعت على ماكتبته بتاريخ2019/8/20 بعنوان(شعارك في عامك الجديد )واعجبني كثيرا مع جزيل الشكر
قراءة كل يوم جزئين يومياً لتكون لي ختمتين شهرياً
مع المحافظة على الصلوات وسننها
المحافظة على اذكار الصباح والمساء
صيام 3 ايام من كل شهر
موفق معان.
أجده في الحقيقة من أمتع وأعمق ما قرأت في هذه الأوقات
ودي إنه يصل للقراء ليستفيدوا
هو بالنسبة لي بعد قراءته كالبوصلة
يعطيك شعار التركيز ثم التركيز