إدارة وتربية

كيف تخدم عاداتك الشخصية؟

Print Friendly, PDF & Email

كيف تخدم عاداتك الشخصية؟

النجاح في الدنيا، والفلاح في الآخرة غايتان بشريتان يسعى كل الناس لتحقيق الأولى، ويختص الله بعض عباده بالثانية دون نسيان نصيبهم من سابقتها بيد أن الآخرة أولى، ويرتبط الفوز فيهما بشخصية المرء وقدرته على تحقيق أهدافه ونيل مبتغاه، وهذه القدرة متصلة بعادات الإنسان اليومية؛ ولا شك أن العادة الحسنة تقود للخير، والسيئة تسحب صاحبها إلى القاع، والعادات دليل يكشف شعار صاحبها في الحياة.

وهاهنا طرق مقترحة تعين المجتهد في خدمة عاداته الحسنة، وتثبيتها، والإفادة منها قدر الاستطاعة، فتجربة العمر ليس فيها إعادة؛ ولذا فمن الحنكة إحكامها من أول مرة، وتكوين عادات تسهّل العيش وترفع من كفاءته:

فن صناعة العادة اليومية:

من الضروري أن تختار عادات تخدم هدفًا لك، أو تكمل نقصًا، أو تفتح لك بابًا نحو شيء جديد، أو تخلصك من ضدها السيء.

الوقت سر نجاح:

تحديد وقت تنفيذ العادة اليومية والالتزام به سر البراعة في الأداء، فيمكن أن يقول المرء: سأمشي بعد صلاة العشاء، أو سأقرأ قبل النوم، أو سأبكر لصلاة الظهر لأتلو حزبي من القرآن، أو سأراجع مهامي بمجرد وصولي لمكتبي، وهكذا.  

تجهيز الممكنات والمعينات:

لكل عادة معينات تيسر فعلها، فمن أراد المشي وارتدى الملابس الملائمة فسيمشي، ومن يضع كتابه أمام ناظريه في الوقت المحدد فغالبًا سيقرأ، ومن يستخدم طريقة عملية لإدارة المهام والتذكير بالمواعيد فلن يفلت منه شيء إلّا ما ندر، ومن معطيات عصرنا أجهزة وساعات ذكية وتطبيقات مرنة تساعد كثيرًا من حول جهازه الثمين إلى أكثر من وسيلة تواصل.

التدرج سنة في كل شيء:

فمن الخطأ الهجوم على العادة بشراهة وحماسة مآلها إلى فتور وانقطاع؛ بل يتدرج الناجح من أول المستويات إلى آخرها، فأولها ابتداء وبناء، ثمّ توازن معياري، وأخيرًا يبلغ المستوى الاستثنائي والاحترافي، فيمكن للواحد أن يمشي أولًا عشر دقائق يومية، وبعد أن تصبح عادة مثبتة في جدوله اليومي يرفع المدة إلى نصف ساعة، وعقب ذلك يزيد إلى ساعة أو ما شاء الله.

الأداء أولًا:

في بداية تطبيق كل عادة يحسن الحرص على الأداء والإنجاز اليومي والاستمتاع بمجرد فعل العادة، ثمّ بعد أن تصبح العادة ركنًا من أعمال اليوم ستظهر ثمراتها، وتجنى خيراتها، فالبحث المبكر عن الثمرة ربما يقتلع الشجرة من أساسها، ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه، ومن يتابع تصاعد إنجازه بناء على عاداته المباركة فسوف يدركه السرور ولو بعد حين.

زاحم بها:

لا يكتمل إنسان البتة، ولربما عانى ابن آدم من عادة ضارة في دينه أو دنياه، وما أجمل زحزحة العادة المشينة بإحلال بديل حسن عنها، ومن عزم على الأمر الرشيد فسيجد من مولاه العون والتسديد، وهذا من أعظم المحفزات على العادات الحسنة لدى البصير الموفق، وليس أضعف من إنسان تأسره عادة!

اصنع البيئة:

إذا كنت تريد إتقان لغة فاحفظ كلمات ثمّ مارس اللغة مع أهلها في الحياة الحقيقية أو الافتراضية، وإذا لك رغبة في ركوب الدراجة فاشترك مع هواتها النشطاء، وإن رمت تغيير عاداتك الغذائية فتواصل مع الخبراء، وهكذا في كل عادة تريد استجلابها، وبالمقابل ابتعد عن بيئة أي عادة تنوي هجرها.

الاقتباس الحميد:

سل الناس الذين حولك عن عاداتهم الحسنة، أو راقبهم واستخلصها بنفسك، ولا ملامة على الإنسان في سعيه لتكميل نفسه، وتجويد حياته، والسعيد من عرف الخير أو لمحه فسار على خطاه بما يتوافق مع برنامجه وأهدافه وحياته.

عادات طوال السنة:

إذا أعجبتك العادات اليومية فاصنع عادات أسبوعية أقل مثل ملاعبة الأولاد، وزيارات الأقارب، وتخير عادات شهرية أقل من الأسبوعية مثل إهداء الوالدين، والخلوة، ولا تنس العادات الربعية أو النصفية أو السنوية، والمجال مفتوح، والروض خصيب، ومن منح الموضوع أهمية فسيبدع ولربما أصبح إماماً فيه.

تعامل مع الملل:

من الطبيعي أن يدرك الملل كل أحد مع أن الملل من كواذب الأخلاق كما يقول عمرو بن العاص رضوان الله عليه، وقد يناسب إذا حلّ الملل تقليل المدة أو القدر المستهدف من العادة، وربما يحتال المرء على نفسه فيقول سأقرأ صفحة واحدة فقط ثمّ ينهي نصابه اليومي أو جله، ويمكن إغراء الذات بمكافأة، وهكذا فالمهم ألّا تستسلم أو تنسحب.

تعامل مع الانقطاع:

إذا انقطعت في يوم عن عادة يومية لسبب خارج عن الإرادة، فحاول تعويض القدر الناقص في اليوم التالي أو قسمته على يومين أو ثلاثة، ولا تترك لنفسك فرصة التلذذ بالانقطاع والبطالة؛ فهي لذة آنية جعلت الكسل قريبًا من العسل في مبتدأ شأنه، وربما يصبح مثل الأسل التي تنخر في الجسد والحياة.

المهم بعد ما سبق كله أن نصنع عادات جميلة، ونرعاها حق رعايتها، لتصبح معينة لنا لا معيقة؛ فالحياة قصيرة، وهجوم الشواغل والملهيات والصوارف يتزايد، والعمر يمضي فإما إنجاز وإنتاجية تُبقي أثرًا وتحصد أجرًا، أو يغدو الراحل من المئة دون أن يكون الراحلة، ويصير مثل أيّ سائر عبر وغبّر وكثّر العدد دون أن يكترث به أحد أو يذر شيئًا لا تذروه الرياح مع الهباء المنثور.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الثلاثاء غرة شهرِ رجب الحرام عام 1441

25 من شهر فبراير عام 2020م 

Please follow and like us:

8 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)