مواسم ومجتمع

العوامية في مجالسنا

العوامية في مجالسنا

ترد من العوامية أنباء كثيرة هذه الأيام، ويختلف وصفها من غير أهلها مابين شغب، وفتنة، وإثارة، وإرهاب، ولو كانت العوامية خباً في بريدة، أو مزرعة في الجوف، أو قرية بجوار أبها، لما وصمت هذه الأعمال بغير الإرهاب والضلال ولو كان الحدث يتيماً وليس ولوداً بين فينة وأخرى.

ولبلدة العوامية موقع جغرافي مميز بقربها من مناطق الشيعة على ضفتي الخليج الغربية العربية والشرقية الفارسية، فضلاً عما عرف عنها وعن عوائلها من تاريخ وحضور ونشاط سياسي وإنساني، إضافة إلى وفرة إنتاجها الزراعي وهمة أهلها التجارية، وليس من اللائق أن يدعو أحد لمسح هذه القرية وشطبها من الوجود تماما.

والعدل مطلب أساسي مهم سواء مع المخالف أو الموافق، وللمواطنين الشيعة حقوق عامة وخاصة يجب المحافظة عليها من منطلقات شرعية؛ شريطة ألا يُعتدى على ثوابت الدين والوطن، وألا تكون هذه المزية خاصة للأقلية الشيعية؛ بل شاملة لجميع المواطنين الذين يمثلون أغلبية البلد ولحمته وأساسه.

وقد طرحت هذه الأحداث الأخيرة مجموعة من التساؤلات التي ينبغي ألا نغفلها كراهة الحديث عنها، فما يؤلم اليوم يمكن علاجه قبل أن يستفحل ويستعصي على الدواء فلا ينفع معه طبٌ إلا أن يكون بتراً أو إعطابا، والحكمة كل الحكمة أن نخمد مستصغر الشرر قبل أن تستعر ناراً لا قبل لأحد بها.

ويقارن الناس التعاطي الإعلامي الرسمي وشبه الرسمي عبر البيانات والمقالات والحوارات المتلفزة وغيرها؛ وتقود نتيجة المقارنة إلى أن الإعلام كان غليظاً ومكثفاً وكتائبياً ومتواتراً ضد أعمال القاعدة ومن لف لفها، بل تجاوز نقد فكر القاعدة إلى غيرها، حتى وصل إلى أصول الدعوة التي قامت الدولة على أساس نصرتها، بينما يتعامل ذات الإعلام بطريقة مختلفة مع إرهاب العوامية مع أن صورة العمل واحدة، ويزداد خطره في العوامية لتركزه في مكان واحد مما يشير إلى احتمالية وجود غطاء شعبي لهؤلاء “المشاغبين”! ومن طريف ماسمعته تعليق أحدهم بأن الإعلام تفاعل مع مطاردة اليوم الوطني-وهي حادثة منفردة- بأضعاف مافعل تجاه مطاردات العوامية التي ذهب ضحيتها رجال أمن!

والموقف اللين-أو الأقل تصلباً- تجاه أحداث العوامية يربك المتابعين، فهل يعود هذا التسامح الرسمي للتناغم مع الموقف الأمريكي الذي ينظر للقاعدة شزراً بينما يحنو على الشيعة؟ أم هو تلطف مع الغول الفارسي الذي كان يربض على ضفة الخليج فقط فغدا اليوم رابضاً على الخليج ومتربصاً حول الخاصرة ومتأهباً في النجف، ومقاتلاً في الشام؟ ويذهب البعض بعيداً في تحليلاته قائلاً إن ترتيب المخاطر يجعل الشيعة في مرتبة متأخرة عن غيرهم، فللشيعة عنوان يمكن التفاهم معه، خلافاً لمن لاعنوان لديهم ولا مجال لتقاطع المصالح معهم وإن وجدت!

ومما يثار ويثير الخوف في النفوس أن هذا النشاط المسلح من قبل بعض الشيعة قد طال أفراد الأمن والحكومة –بفضل الله- لازالت قوية متماسكة، فكيف لو كان الواقع غير ذلك؟ وكيف ستكون الأوضاع لو استولى الحوثيون على اليمن، وأحكم الشيعة قبضتهم على الكويت، وتوغلت إيران في البحرين والإمارات، وظهر للعيان حلف إيراني عماني قطري؟ وفي التجربة العراقية الطائفية البغيضة سبب وجيه لتوجس الغالبية لايلامون عليه، بل اللوم ينصب عليهم إن لم يبحثوا لأنفسهم عن حرز وحمى، ولم يستنهضوا همة حكومتهم للضبط بعدل أو المعاملة بمثل!

ويتناول البعض مصادر التمويل المالي لمثل هذه الأعمال، وأن الأخماس والعمل الخيري الشيعي لايزالان في بحبوحة يجوبان الفضاء ويمخران البحار دون آثارة من أغلال سبتمبر وقيود أيلول التي خنقت العمل الخيري، كما يناقش آخرون ميادين التدريب والإعداد لهؤلاء المقاتلين، وهل احتضنتهم المزارع الكثيفة، أم تخرجوا على يد مدربي حزب خلدة في لبنان، أو حركة صعدة في اليمن، أو في معسكرات الجمهورية؟ وهل مارسوا القتال فعلاً في مواضع”الفتنة”؟ وبعد المال والتدريب ينبش المتحاورون أمر الأسلحة والذخيرة التي يشاع أنها تجلب بقوارب بحرية مهربة ثم تخزن في المقابر والمزارع، وينبري المهندسون للحديث عن أهمية إعادة تخطيط هذه المناطق وتوسيع شوارعها وفحص محتويات مزارعها ومقابرها ومخابئها.

 ويقول بعض الناس أين تجار الشيعة عن مواطنيهم؟ وأين الكتاب والمثقفون-وهم كثر- عن شباب الشيعة؟ وماذا فعل المشايخ والملالي مع أتباعهم خاصة أن لدى الشيعة التزام صارم بالمرجعية والفتوى؛ ولمراجعهم وكلاء من أهل البلد؟ وكل عامي شيعي يعرف مرجعه ووكيله ويضع الخمس في يده سنوياً.

وبما أن الحديث قادنا إلى المشايخ وعلماء المذهب، فلم لا يكون داخل الطائفة “دعاة” لهم صلات رسمية وثيقة، يعززون في الشباب طاعة ولاة الأمر، وحقوق المواطنة، وأهمية السلم الاجتماعي؟ ولم لا تتاح البرامج الدعوية المستقلة التي تخاطب عقول شباب الشيعة بمنطق وعاطفة ليعلموا يقيناً أننا نحب آل البيت مثلهم وربما أكثر، ونبرأ إلى الله مما جرى عليهم من ظلم وقتل عبر التاريخ، عسى أن تؤثر هذه الدعوات المستقلة “والمستوصلة” وتحدث حراكاً جديداً في وسط الطائفة يخفف من غلوائها ويكف الشر عن مجتمعنا وبلادنا التي نستظل تحتها نحن الأغلبية السنية وهم الأقلية الشيعية.

وإن التجربة تعلمنا أن الظلم وخيم العاقبة مع كل أحد، وأن الأقليات تختلف في تعاملها مع التنازلات الرسمية؛ فبعضها إقليات استئصالية لايرضيها لين، ولا يقنعها تنازل، ولاتسكتها مكاسب، وأبرأ إلى الله من العدوان والبغي والإثم والدعوة إليها، بيد أن لدي قناعة ربما يشاركني فيها آخرون تتلخص في ضرورة تقييم الموقف وفق المستجدات والتعامل معه محلياً وإقليمياً بما يجعل الأمن راسخاً، ويحول دون أي تدخل دولي أو إقليمي، ويعيد للجبهة الداخلية وفاقها وتلاحمها وقوتها، وذلك لايكون بغير النظام العادل، والدستور الواضح، والحق الذي يعلو ولا يعلى عليه.

  أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض

الخميس 27 من شهرِ ربيع الآخر عام 1435

ahmadalassaf@gmail.com

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)