قراءة وكتابة

كيف تكتب قراءة في كتاب؟

القراءة متعة عقليّة، لها طعم فاتن يكاد أن يفطر الصّائم منه، وهي مثل شرب الماء لا غنى عنه، ولا يُرتوى منه، ولا يمكن أن يصل المرء إلى حدّ الكفاية منه وإن زعم. وأمّا الكتابة فلها مذاق آخر أطعم، أشبه بالكيف الذي يصلح المزاج، ويفتح العيون على إشراقات ولو كان صاحبها في قعر ظلمة.

وحين تجتمع القراءة مع الكتابة في عمل واحد، يحوز كثيرًا من المكارم، وينعم صاحبه في لذاذة العيش الرّغيد مع أمرين مترابطين؛ ولذلك درج عدد كبير من أكابر المثقفين على كتابة قراءة، أو مراجعة، أو خواطر عن الكتب، وصاغ بعضهم أعمالًا إبداعيّة في المحتوى والطريقة، ولآخرين سيرة ماتعة في الحياة مع القراءة والمكتبة.

وحين وصلني بريد إلكتروني من قارئ مثقف في المدينة النّبوية، يسأل عن طريقتي في الكتابة حول الكتب التي قرأتها، أجبته باختصار، ووعدته بالتّوسع، ثمّ تواصل معي عبر الواتساب كاتب مثابر من اليمن طالبًا نفس الأمر، فوعدته بأن أفعل، ولا مناص من الوفاء.

إنّ استعراض الكتب عمل متعارف عليه، وسابقًا كان شبه محتكر في أبواب خاصّة ضمن المطبوعات، وداخل الأروقة الأكاديميّة والأدبيّة، ومع انفتاح شبكة الانترنت، ومواقع التّواصل، ومنصّات تقييم الكتب وعرضها، غدا أمرًا متاحًا لكلّ من يستطيع القراءة والكتابة؛ سواء باختصار أو بإسهاب.

وأشير قبل الدّخول في تفاصيل كيفيّة كتابة قراءة عن كتاب، إلى أنّ هذا العمل يستلزم العدل لأنّه حكم على عمل وعاملين، كما يستوجب الأمانة إذ أنّه تعليم ونقد، ولا بدّ فيه من الصّدق فهو إخبار ورواية، وهذه الشروط الواجبة تجعل الإقدام عليه أمرًا ثقيلًا إلّا على مَنْ أخذه بحقّه من عدل، وأمانة، وصدق.

ويستهدف الكاتب الكتاب الذي يقع بين يديه؛ للتّدوين عنه، إذا وجد في مضمونه فكرة جديرة بالعرض، أو النّقض، وربّما راقت له زاوية المعالجة، أو جدّة الموضوع، أو اسم المؤلف، أو الحقل الذي ينتمي إليه الكتاب، ومع الدّربة يعرف الكاتب من أوّل نظرة للكتاب إن كان سيكتب عنه أم لا.

ويجب إبراز معلومات الكتاب الأوليّة، مثل عنوانه كاملًا، واسم المؤلف، والمحقّق، والمترجم، والنّاشر، ورقم الطّبعة مع سنتها، وعدد الصفحات مع حجم الورق، وإذا كان الكتاب جزءاً من مشروع يشار إليه، مع وصف الغلاف الأمامي والخلفي إن كان فيهما ما يستحق التّنويه، ويضع الكاتب هذه المعلومات في مكانها المناسب، وليس بالضّرورة أن تكون في أوّل المقالة.

ثمّ ينصرف بعد ذلك صوب المؤلف، والمحقّق، والمترجم، لكتابة نبذة مختصرة تشمل تعريفًا بتخصّصه، وخبراته، وأعماله، والجوائز التي فاز بها، والمنظومة الفكريّة التي ينتمي إليها، والعصر الذي عاش فيه، وغير ذلك مما يجدر بالقارئ معرفته عن المؤلف.

كذلك يمكن بعد ذلك الانتقال إلى مكوّنات الكتاب، ليصبح النّاظر على بيّنة من أقسامه، وأبوابه، وفصوله، ومباحثه، وباقي محتوياته إذا كان يضمّ ملاحقًا أو صورًا وغيرها، وأهميّة هذا الانتقال تكمن في منح القارئ القدرة على معرفة إجماليّة بالكتاب، وحدوده، وجوانب التّركيز فيه.

أما أهمّ ما ينتظره القارئ فهو أن يعي ما يرمي إليه الكتاب من أفكار وآراء، وماهي أسئلته وافتراضاته، وعمّ يجادل، وإلام يريد الوصول، وهذه تكون بإسهاب من كاتب المقالة، أو باختصار حسبما يستلزمه مقتضى الحال، فأهميّة بعض الكتب، وندرتها، وصعوبة الوصول إليها، تستوجب التّفصيل، بينما توافر أخرى، أو ضخامة حجمها يقودان إلى الإيجاز.

ولا بأس من اقتباس بعض نصوص الكتاب، أو سرد بعض فوائده المهمّة، ومن الضّروري أن يجعل الكاتب القارئ على سنن واضح؛ كي يقرر الأخير مدى حاجته للكتاب، وهل يرغب في قراءة نصّه كاملاً، أم يكتفي بعرض الكاتب، والخيار الثّاني مفيد لوقت القارئ، منهك للكاتب، مزعج للمؤلف والنّاشر!

أيضًا من الجميل التّركيز على بعض المعاني المبثوثة في الكتاب، خاصّة إذا استبان منها العلميّة والانصاف، أو كانت تؤكّد حقائق بلسان المخالفين، أو تظهر أشياء كانت خافية، أو تفتح الباب لدراسات أخرى، وما أحسن القول الذي ينتج عنه علم كبير، وفوائد غزيرة.

وقد يناسب ذكر رأي الكاتب فيما يعرضه من كتب، وربّما يُفهم رأيه من السّياق، أومن العنوان، علمًا أنّ الأوساط الأكاديميّة تلتزم غالبًا بذات عنوان المؤلف لمقالة المراجعة، والأمر فيه سعة إذا وجد الكاتب أنّه يستطيع إبداع عنوان أفضل، مادام أنّه سيذكر العنوان الأصلي في صلب المقالة.

ومن تجربتي في كتابة قراءة عن مئتي كتاب تقريبًا، احرص على أن تكون الفقرات الأولى والأخيرة من إنشائي المرتبط بموضوع الكتاب، بحيث أنّي لو ضممتها إلى بعض مع إضافات أخرى، لكانت مقالة مستقلّة وليست عرضًا لكتاب؛ وإن كنت أتخلّى عن هذه الطّريقة أحيانًا، والفائدة منها ألّا نقع في قيود المؤلف، وافتراضاته.

كما يكون من الإنصاف إرسال نسخة من المقالة للمؤلف والنّاشر؛ إلّا إذا بلغ اليقين لديك مرتبة تثق من وصول المقالة لهما بلا عناء منك، ومن تجربة، فالأكثريّة يرحبون بذلك، ويفرحون، ويرونه نوعًا من التّرويج للكتاب، وقد يغضب بعضهم لسبب أو آخر؛ كمن لا يحتمل النّقد، أو من يرى العرض حارقًا للكتاب، أو يغار من أسلوب الكاتب المختصر لفكرة الكتاب بسلاسة ووضوح.

وسوف يستفيد القارئ حين يلمح كاتب العرض لمزايا الكتاب وعيوبه، وستكون فائدته أكبر إذا أرشده لكتب أخرى تتقاطع مع فكرة الكتاب وتكمّلها، أو تعارضها، أو تتبنى وجهة نظر جديدة، لأنّ الاقتصار على كتاب واحد في موضوع أساسي، ليس من الحكمة في شيء.

وتفتح الكتابة عن الكتب الباب واسعًا للتّواصل مع المؤلفين والنّاشرين، وتكثر الإهداءات للكاتب لدرجة تصيبه بالحرج أحيانًا، فعرض كتاب مّا لا مكان فيه للمجاملة، فالعامل الحاسم في إنشاء مقالة عن كتاب من عدمها، يعود إلى الكاتب وليس لغيره من الناس أيًا كانوا.

فما أكثر بركة الكتابة عن كتاب، إذ يتغلّب الكاتب على حبسة الكتابة، وتتوالد لديه أفكار كثيرة، يستطيع الكتابة عنها لاحقًا، ويحرص أثناء القراءة على الترّكيز؛ كي لا يظلم نفسه، أو المؤلف، أو القارئ، وفوق ذلك كلّه؛ يكون الكاتب شريكًا في نشر العلم، والتّعريف بالكتب، وإيصال محتواها لمن لا يجد وقتًا، أو مالًا، أو سبيلًا، لشراء مؤلفات ملهمة، أو مهمّة، أو مجلجلة.

ahmalassaf@

الرياض- الأربعاء 07 من شهرِ رمضان المبارك عام 1439

23 من شهر مايو عام 2018م

Please follow and like us:

4 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)