فتاوى نشاز… ومشايخ الانحياز!
اختلط عدد من الرِّجال والنِّساء في مكان مغلق، وشاركهم ساحر حاذق في حلِّ السِّحر، وطربوا مع المعازف والغناء، وشبعوا من خلوات الرَّضاعة الطَّبيعية، وأضاعوا صلاة الجماعة، وهم يعتقدون جواز ماهم فيه من فسوقٍ طبقاً لفتاوى قلَّة من المشايخ والمنتسبين للعلم، أو المتطَّفلين عليه بالوراثة أو المنصب، وقد صادفت هذه الفتاوى منهم قلوباً غارقة في الشَّهوات فاستقرت.
إنَّ للعلم هيبة، وللفتوى عاقبة وعقبة لا يجرؤ عاقل على تخطِّيها بلا علم، فالعلماء بنصِّ القرآن الكريم يخشون الله ويخافونه؛ ولذا يتحرَّزون في الفتيا خاصَّةً ما كان منها عامَّا، أو في مسائل تستوجب التَّأنّي والنَّظر باعتبارات عدَّة؛ دون إجحاف بالنَّص المقدَّس أو مقاصد الشَّريعة.
ولا يملك المسلم مع فوضى الفتاوى التي تتابعت أخيراً إلاَّ أن يعتصم بالله ويلوذ إليه، فاللهمَّ لا تفتنّا ولا تفتن بنا، واعذنا من الخذلان والخسران. ثمَّ عجباً لأولئك المفتين! هل برئت ذمتهم من جميع المسائل فما بقي إلاَّ أن نختلط فنرضع أو نغنّي؟ هل شملت غيرتهم على العلم والخير كلَّ شؤون الدِّين المنتهكة؟ وهل أحاطوا بجميع مصالح الدُّنيا المضيَّعة؟ أم لم يبقَ مُشكلاً إلاَّ الطَّبلة والمزمار، والتَّهوين من شأن السَّحرة، وإباحة الاختلاط للسُّمّار، وبحث مسألة الارتضاع؟
فهل الغاية طلب الشُّهرة مع أنَّ بعضهم أشهر من أوباما؟ أم أنَّها قربان لحفظ منصبٍ أو نيله؟ أو هي سوق جديدة تُبتاع فيها الفتوى وتصعد وتهبط حسب المحفِّزات والمؤثِّرات والشَّائعات؟ وهل انتهت كوائن هؤلاء المفتين أم في جعبتهم المزيد؟ ولماذا صرَّحوا برأيهم في هذا الوقت؟ ألا يدين هؤلاء “المشايخ” اللهَ بمقارعة التَّغريب الذي يحاول اقتلاعنا من جذورنا؟ أم أنَّهم صاروا رأس حربة فيه وانحازوا لقائمة التَّغريب من حيث لا يشعرون؟ ألا يرى هؤلاء أنَّهم اسُتعملوا أو اسُتغفلوا لإشغال العلماء وبلبلة المجتمع؟ وبعيداً عن حسن الظَّن أثمَّ شيء يمنع ” تلبرر” الشَّيخ بعد أن استنوق الجمل؟
ولا مناص من استثمار هذه الحوادث بعد وقوعها للإفادة منها في نصرة الشَّريعة، وبيان الحقِّ، وكفِّ الشُّبهات بعد كشفها، والانتصار لرفع وعي العامة وحفظ تماسك المجتمع، واستعادة سلطان العلم الذي بات مفقوداً تُرَّجي عودته. وقد يكون من المناسب بحث هذه النَّازلة عبر هذه المسارات:
- دراسة تفاعل العلماء مع هذه الفتاوى الشَّاذة، وكيفيَّة تعامل هيئة كبار العلماء واللجنة الدَّائمة للإفتاء معها، لأنَّ هذه الآراء افتئات على عملها، ولا مناص من وقفة صلبة لله ثم للتَّاريخ؛ حتى لا يصير شذوذ الفتيا في المستقبل هو الأصل خصوصاً إذا شملها الإغراء!
- قراءة المشهد الإعلامي حيال الفتاوى النَّشاز، وقد خرجت علينا الصُّحف والقنوات بالاستخفاف تارة، والاستضافة تارة أخرى، والاستكتاب ثالثة؛ وعهدنا بغالب الصُّحف النَّأي عن المشايخ والصَّالحين!
- رصد الرَّأي العام عن تناقضات المفتين وشيوع الفتاوى الغريبة؛ لأجل الشُّروع في تبصير المجتمع والارتقاء بوعيه؛ إذ الرِّهان عليه.
- استجلاء حقيقة الموقف الرَّسمي تجاه هؤلاء المفتين؛ خاصةً مع إبطال قرار إعفاء أحدهم، واستمرار بعضهم في مناصب مهمَّة، وحذف وكالة الأنباء السُّعودية جملاً من خطبة الحرم المكِّي حول انتهاك حِمى الفتوى، فكأنَّ “واس” تقول بلسان حذفها: نعم للفتاوى الغريبة! ولا بأس بعد هذا الإجراء أن ننعى حرية الرَّأي التي يتُشدَّق بها.
ويقع على عواتق النَّاصحين الاستمرار في التَّعليم والدَّعوة والاحتساب وخدمة المجتمع، لأنَّ تخريج عالم واحد مؤسَّس على منهجية صحيحة كفيل بإصلاح خلل كثير، فكيف وحلق العلم، ومحاضن التَّربية، وقوافل الدَّعوة، وبرامج المجتمع، تعمُّ بخيرها وإمتاعها الجموع من الجنسين، وليس للمبطلين إلاَّ عضُّ الأصابع ولعق دمها.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض
الأحد 15 من شهرِ رجبٍ الحرام عام 1431
ahmadalassaf@gmail.com
- التقييم أدناه أو عبر التعليق والمراسلة يشبه الحكم والشهادة، وهو فضل منكم خاصة حين يعبر عما تعتقدونه.