سير وأعلام عرض كتاب

هلالنا الأحمر السعودي في مئة عام

عندما صدر أمر ملكي بتعيين معالي د.عبدالرحمن بن عبدالعزيز السويلم رئيسًا لجمعية الهلال الأحمر السعودي في شهر ربيع الأول عام 1418= يوليو عام 1997م، بادر معاليه من فوره لأعمال تطويرية تخص هذا الجهاز المهم والحيوي. شملت هذه الأعمال عدة مجالات مثل تطوير العاملين علميًا وعمليًا، وتحديث السيارات والأجهزة، وإنشاء المباني، وتقوية شبكة الاتصالات اللاسلكية وغرفة تلقي البلاغات، وتوثيق الصلات مع المسؤولين والأجهزة الحكومية، والانفتاح على المجتمع، وإقامة المؤتمرات العلمية، وإتاحة الفرص المناسبة لعمل المرأة. ومن الأعمال العظيمة أن فرغ د.السويلم بعض الموظفين للبحث في محفوظات الجمعية عن تاريخها.

وبعد شهور من البحث والسؤال والعمل من قبل الفريق المفوض بالمهمة، صدر كتاب مختصر عنوانه: مسيرة جمعية الهلال الأحمر السعودي خلال خمسة وستين عاماً من العطاء، جمع المعلومات: محمد بن حنش الشهري، ومحمد بن صالح الرجيعي، ومحمد بن محمود البغدادي، وعبدالعزيز بن ناصر الورهي، وعلي بن عبدالله الغامدي، ومحمد بن إبراهيم البريدي، وعبدالله بن سعيد الغامدي، ولافي بن مناحي المطيري، ووليد بن خالد السعدون، وصلاح الدين بن عبداللطيف الغانم، وآخر ثلاثة حرروا المادة بعد جمعها، والعمل كله بإشراف عبدالله بن محمد الهزاع، وقد صدر عام (1419) متزامنًا مع مناسبة مرور مئة عام على استعادة الرياض.

يقع الكتاب في (89) صفحة مكونة من المقدمة وثمانية وعشرين موضوعًا فالمراجع ثم الفهرس، وفيه صور ووثائق. ابتدأت قصة هذا الجهاز في حج عام (1353= مارس 1935م) نتيجة لزيادة حالات الاغماء والإعياء والإنهاك الحراري بين الحجيج، وتعذر وصول بعضهم إلى مستشفى أجياد، وهو الوحيد آنذاك. وبناء على مقترح عملي وافق الملك عبدالعزيز على تكوين جمعية الاسعاف الخيري بتاريخ 02 من شهر ربيع الأول عام 1354= 03 من شهر يونيو 1935م في استجابة سريعة لمطلب ملح، وجعل الملك المؤسسة هذه الجمعية تحت رعايته، وبرئاسة نائبه في الحجاز الأمير فيصل،  الذي كلف وزير المالية الشيخ عبدالله السليمان بالإشراف عليها، ويعاونه الشيخ محمد سرور الصبان نائبًا له، ومن مكانة “الإسعاف” وحظه الكبير، أن ترتبط نشأته مع ملكين، ويشرف عليه وزيرا مالية -رحمهم الله-.

أصبح للجمعية نظام قدمته مديرية الصحة العامة، وأرسلته النيابة العامة لمجلس الشورى من أجل الدراسة والإقرار بعد تعديل ما يلاحظونه، وهو ما كان. من أبرز تعديلات مجلس الشورى حذف مواد لأنها لا تلائم روحية البلاد، وحصر حدود عضوية بعض مديري الأجهزة الحكومية في مجلس الجمعية بالرأي دون التصويت. وبناء على ذلك انتخب أول مجلس للجمعية من رئيس وأعضاء من أعيان مكة، وصار الشيخ عبدالله الشيبي أول رئيس للمجلس. إن الاستجابة الملكية السريعة بالتأسيس ثم التنظيم؛ لتؤكد الحرص الرسمي على تطوير البلاد ما أمكن، وعلى خدمة مكة وقصادها بكل سبيل متاح.

فلم تتأخر الجمعية في تنفيذ الخدمة المرجوة منها، لذا شرعت من فورها بافتتاح ثمانية مراكز بمكة والمشاعر وطرق الحج، وأسعفت في عام (1355) – أي في سنتها الأولى- تسعمئة واثنين وعشرين شخصًا. كما سعت الجمعية إلى إيجاد مصادر دخل متنوع لها؛ وأصبح مواردها من الهبات والصدقات، وبعض الموارد استثمار في مصنع ثلج بالطائف، وأسهم في شركات سيارات وخدمات، وقيمة طوابع خلدت هذه المناسبة.

وقد انهالت على الجمعية التبرعات من داخل المملكة ومن خارجها، سواء من أفراد أو من بعثات طبية أو شركات ومصارف أو رجال دولة، ومن أجلّها وأكثرها تبرع الملك عبدالعزيز بمبنى للجمعية في مكة، وسيارة إسعاف هي الأولى في تاريخ الجمعية، ومبالغ مالية. من جملة التبرعات غير المالية: ملابس للمسعفين، ودراجات وسيارات، ومعدات ولوازم طبية، وسجاد وبطانيات، وأثاث مكتبي، وفيهم من تبرع بالعمل في ذروة أيام الحج خاصة من ذوي التخصصات الصحية.

لكن الجمعية لم تقف عند حدود إسعاف الأجساد وحسب؛ إذ أضحت منبرًا أدبيًا وفكريًا يسعف العقول، وكلما ذكرت الجمعية تبادر للذهن المحاضرة الشهيرة التي ألقاها الأديب والشاعر حمزة شحاتة لمدة أربع ساعات متواصلة عام 1359= 1939م بعنوان: “الرجولة عماد الخلق الفاضل”، التي تصدرت المشهد الثقافي والسجال الفكري آنذاك، وطبعت في كتاب من إصدارات تهامة ضمن سلسلة الكتاب العربي السعودي رقم (27).

ثم صدر مرسوم ملكي بتحويل الجمعية الأهلية إلى جمعية الهلال الأحمر السعودي بتاريخ 16 من المحرم عام 1383= 08 من شهر يونيو عام 1963م، وهذه مرحلة تطور فيها العمل بتحويل الجمعية إلى مؤسسة حكومية رسمية، لها نظام صادر في غرة المحرم 1386= 21 من شهر إبريل عام 1966م . وغدا موظفوها من جملة موظفي الدولة الذين يشملهم نظام الخدمة المدنية، وفيما بعد زادت لهم الحوافز التي يستحقونها، وتعاقب على رأس هرمها سبعة رؤساء بالتعيين والتكليف.

وقد توسعت الجمعية في أعمالها المحلية والإقليمية والدولية، حتى غدت واجهة سعودية مشرفة في أي محفل تحلّ به، وأصبح لها حضور دولي في المنظمات الدولية، وساحات العمل الإغاثي، وفي تنظيم المؤتمرات ونشر الأوراق العلمية. هذا التوسع والتطور جاء في سياق متصل مع تحديثات لافتة في تاريخ الجمعية الإداري والأدائي والوظيفي، علمًا أنه صدر عن مجلس الوزراء الموقر  في 24 من شهر ذي الحجة عام 1429= 22 من شهر ديسمبر عام 2008م، قرار يقضي بتحويل مسمى جمعية الهلال الأحمر السعودي إلى هيئة الهلال الأحمر السعودي.

وفق الله هيئة الهلال الأحمر السعودي في أعمالها كافة، وأعان مسؤوليها وموظفيها على إنجاز مهامهم الجليلة، وكتب لهم الأجور والسداد، فهذا الجهاز الأحمر لونه واسمه، بيض أياديه ومآثره، وعسى أن تستمر مسيرته في الارتقاء والتفاعل المثمر، وألّا يكون هذا التوثيق هو آخر العهد بتاريخ جهاز مهم، خاصة أن د.السويلم طلب في مقدمة الكتاب ممن لديه وثائق عن الجمعية أن يبادر بالتواصل مع الهيئة لتجديد تدوين سيرتها بعمق؛ فهذه السيرة جزء من تاريخنا الإداري الجدير بالحفظ والإذاعة.

ahmalassaf@

الرياض- ليلة الجمعة 25 من شهرِ ذي القعدة عام 1446

23 من شهر مايو عام 2025م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

X (Twitter)