عرض كتاب قراءة وكتابة لغة وأدب

أخطاء شائعة في القول والكتابة والأسلوب

يضيق بعض القراء ذرعًا حين أستعرض كتابًا في اللغة، خاصة عندما يكون صارمًا مثل كتاب “العرنجية”. هذا الضيق لا يمنعني من الاستمرار ولا ألوم أهله بشدة، وللاستمرار أسباب؛ فهذه الكتب باب من العلم والثقافة والدرس اللغوي الذي يجب أن يشاع، وهي معينة على تنشيط الذهن اللغوي والذائقة والإحساس باللغة. كما أن التصحيح يخفف من غلواء العبارة السيارة ومفادها بأن الخطأ الشائع أفضل من الصواب المهجور، وأخيرًا ففي وجود حراس أمناء على أصولنا وركائزنا وعراقتنا خير لنا وللغتنا ولأسس ثقافتنا، خاصة مع الترنح والتساهل في هذا الباب على مستوى التربية والتعليم والإعلام والأعمال.

أقول ذلك بين يدي كتاب حديث الصدور عنوانه: أخطاء شائعة في القول والكتابة والأسلوب، تأليف: أ.محمد عيسى صوانه و أ.محمد صلاح أبو عمر، صادر عن مركز عبدالرحمن السديري الثقافي، وهذه طبعته الأولى عام (1446=2025م)، ويقع في (288) صفحة مطبوعة على ورق نباتي أحبه كثيرًا، وقد رجع المؤلفان إلى (42) مصدرًا ومرجعًا مبينة في آخر الكتاب، وعلى غلافه الأخير كلمة مختصرة، وتعريف بالمؤلفين وهما من الأردن ومصر، ولهما باع في التعليم والتأليف والتحرير وأدب الطفل.

يتكون الكتاب من إهداء إلى مركز عبدالرحمن السديري الثقافي، وهو صرح أسسه الأمير عبدالرحمن الأحمد السديري -رحمه الله-، وأوقف عليه حتى غدا واحدًا من أهم المراكز الثقافية في المنطقة. وبعد الإهداء وضع المؤلفان دليلًا مختصرًا للبحث عن الأخطاء في الكتاب، ثم المقدمة، فالأخطاء مرتبة على حروف الهجاء، وبعدها الملاحق وفيها جدول يبين الخطأ والصواب مع تعليل مختصر، وهو خلاصة تعين المستعجل، يعقبه فصل في علامات الترقيم، وقصيدة اللغة العربية لحافظ إبراهيم، ثم المصادر والمراجع.

وقد أبان المؤلفان في المقدمة عن مركزية اللغة، وما جرى عليها من تحريف في الاستعمال على مستوى الأفراد والمؤسسات الرسمية وبعضها ينتسب للتعليم والإعلام والثقافة! وأشارا إلى ما في الإعلام الجديد والمتحرك من تساهل ربما يصل إلى حد العبث والتهاون فيما أحسب، وبالتالي فالوقوف في وجهه، وصده بالحجة والبيان والعلم واجب على المقتدر، وهو عين ما سعى المؤلفان إليه.

ومن الطبيعي أن تختلف حصة كل حرف بناء على عدد مواده المستخدمة في معجمنا العربي، ومن أكثر الحروف الواردة في هذا الكتاب دون ترتيب، وحسب اجتهاد المؤلفين: العين، والشين، والواو، والحاء، والسين، والهمزة، والباء، والجيم، والخاء، والكاف، والنون، والهاء. وربما أن أحسن طريقة لقراءة هذا الكتاب هي تقسيمه على الحروف، حتى لا يتعب القارئ أو ينقطع، وكي يستفيد من المادة العلمية قدر وسعه.

من حسنات هذا الكتاب غير الجهد البحثي فيه، وحسن الإخراج، وسهولة الوصول للمعلومة، أن الكلمات مكتوبة بالشكل رسمًا مع توضيح هذه العلامات كتابة زيادة في التأكيد. كذلك من حسناته أن أشار في العنونا إلى أن التصحيح يشمل القول والكتابة فليس بحقٍّ أن لغة الخطاب منحدرة ولغة الكتاب متقعرة كما يحلو للبعض وصفهما والتجوز في ذلك! ولم يغفل المؤلفان عن الارتقاء بالأسلوب، وهو باب من العلم المتين المهم الذي لا تلتفت إليه بعض كتب التصحيح.

فيا معشر الكتّاب والمتحدثين: دونكم هذا الكتاب وإخوانه الكثر؛ فاجعلوا لهم من قراءتكم نصيبًا غير منقطع ولا ممنون، ولا تغرنكم مقولات التهوين وتسويغ الخطأ؛ ذلك أن التذاكر العلمي مفيد جدًا، ويفتح من المعارف الرشيدة والفنون السامية أبوابًا، وتنهض به القرائح، وتتوسع الآفاق والأفهام، شريطة أن يكون توقير اللغة وسننها أساسًا، حتى لو آمنا بالمقولة المنسوبة للأصعمي بأن من عرف اللغة لا يكاد أن يلحن أحدًا أبدًا، فهي نسبية على أي حال، وفرق بين كلام تعرفه العرب بالقياس أو بالسماع، وبين كلام لا وجه له لا في القياس ولا في السمع ولا حتى في الذوق والفطرة مهما كان مقدارهما!

ahmalassaf@

الرياض- الأربعاء 18 من شهرِ شوال عام 1446

16 من شهر إبريل عام 2025م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.

X (Twitter)