شريعة وقانون عرض كتاب

دليل سعودي لصياغة مقترح تشريعي

دليل سعودي لصياغة مقترح تشريعي

كتابة الأدلة والإجراءات بوضوح، ونشرها للعموم، صنيع جليل، عمل رشيد، وهو مما أصبح سمة في العمل الحكومي خلال السنوات الأخيرة. منها على سبيل المثال إصدار عنوانه: صياغة مقترح تشريعي لنظام أو لائحة، من إصدارات المركز الوطني للتنافسية “تيسير“. الفئة المستهدفة من هذا الدليل حسبما كتب عليه هي الإدارات القانونية في الأجهزة الحكومية. نصّ الدليل -تحرزًا- على أنه دليل إرشادي لا يغني عن الرجوع إلى الأنظمة واللوائح والقواعد والسياسات والإجراءات ذات الصلة. هذا المقال كذلك لا يغني البتة عن الرجوع للدليل لأخذ عبارته كاملة في سياقها.

يتكون الدليل من (44) صفحة، تبدأ بالمقدمة ثم مراحل الدليل وهي اثنتا عشرة مرحلة، كل مرحلة كتبت بلون مختلف. ورد في المقدمة أن هذا الدليل واحد ضمن سلسلة من الأدلة الإرشادية التي صدرت أو سوف تصدر تباعًا ضمن مشروع تطوير أعمال الإدارات القانونية. وددت لو أضيف إلى الدليل رمز مبركد -أي باركود- يمكن بالضغط عليه الوصول إلى قائمة متجددة تجمع هذه الأدلة، فيسهل الاطلاع عليها، ولعلهم لاحقًا أن يفعلوا.

سأحاول أدناه ذكر أهم الفوائد لكل مرحلة. هذه الانتقاءات لا تعني الاكتفاء بها، وعن الدليل لا تغني؛ فالرجوع للدليل المختصر أولى. إنما غايتها الإشارة والتنبيه، ومن رام الاستقاء فالمورد العذب متاح بين الأيادي.

المرحلة الأولى هي طرح الفكرة ودراسة الاحتياج التشريعي. الأصل أن الفكرة جاءت لعلاج مشكلة أو ضبط علاقة أو تنفيذ سياسة حكومية أو خطة مسبقة. إذا كانت الفكرة علاجًا لمشكلة، أو استثمارًا لفرصة، فينبغي تحديد طبيعة المشكلة بدقة، وحصر المعالجات التشريعية القائمة والتطبيقات القضائية الحالية، والتحقق من أن التشريع هو المعالجة الفعالة لها؛ لأن كلفة التشريع ومخاطره مرتفعة. مما ينبغي التأكيد عليه هنا ضرورة أن تشارك في الفكرة الإدارات المعنية بالموضوع، وألّا يقتصر الأمر على الإدارة القانونية. هذه اللفتة تعلي من شأن التخصص، والتشاركية؛ فتحقيق المصالح العليا والعامة ليست حكرًا على أحد دون أحد.

عقب ذلك تأتي المرحلة الثانية عن دراسة الاختصاص والولاية التشريعية. يبرز في هذه المرحلة أمران أساسيان: هل الجهاز الحكومي هو المختص بإعداد هذا التشريع؟ وهل يتداخل معه جهاز حكومي آخر بما يستلزم اقتراح الاشتراك في العمل بينهما؟ هذا هو الأول، والثاني: التأكد من وجود ولاية للجهاز الحكومي على المقترح وإعداده دون تعارض مع النظام الأساسي للحكم والأنظمة المكملة له، وألّا يتعارض المقترح مع اتفاقية دولية التزمت بها المملكة، ولا يعدل من أحكامها. كما يجب التأكد من انتفاء أن يؤدي التشريع لإثارة المسؤولية الدولية للمملكة أو يتسبب في رفع دعوى ضدها. هذه المحاذير توجب على القانوني أن يكون بصيرًا دائب النظر فيما مضى وما يستجد. بغير هذه المتابعة قد يقع العمل في شراك مآزق واختناقات.

كذلك يستظهر في هذه المرحلة السند النظامي لإصدار اللائحة، فإذا وجدت إحالة من نظام أو لائحة فينبغي بحث اختصاص الجهاز الحكومي في اقتراح اللائحة قبل الشروع فيها. وإذا كانت الإحالة مشتركة بين عدة أجهزة فلا بدّ من أن يكون العمل مشتركًا بينها على امتداد المراحل، أما إذا نصت الإحالة على التنسيق فيكتفى باستطلاع آرائهم فقط. وفي جميع الأحوال يجب استبعاد هذه المسائل من أيّ إحالة لإصدار لائحة:

  • ما وردت فيه إحالة من النظام الأساسي للحكم كي يصدر بنظام.
  • مايتصل بالحقوق الأساسية للمواطنين أو بالإجراءات القضائية.
  • ما يتضمن تعديل أو إلغاء أحكام وردت بنظام.
  • ما يتضمن إيقاع عقوبة جزائية تمس الحريات العامة.
  • ما يتضمن فرض ضرائب أو رسوم.

بعد ذلك نصل إلى المرحلة الثالثة لإعداد وثيقة التصور المبدئي، وفيها يُراعى ما يلي:

  1. ‏أن تتضمن الوثيقة وصفًا يوجز الدراسات الفنية التي أجريت بشأن الاحتياجات التشريعية وفهم الوضع الراهن، والمعالجات المقارنة و فلسفتها، ومحصلة دراسة تاثير التشريع، ثم بيان أهداف التشريع المقترح.
  2. ‏أن تتضمن ما يفيد بأن المشكلة محل المعالجة معروفة وواضحة، ومن هي الفئة المستهدفة من تطبيق التشريع، وأن التشريع هو أفضل وسيلة لمعالجة المشكلة، مع تحديد الأساس النظامي للتشريع، وسند الاختصاص وأداة الإصدار، وأن المنافع من التشريع تسوغ تكاليفه، وأن التشريع المقترح واضح متاح مع بيان سبل تحقيق الالتزام به.  
  3. ‏أن تتضمن الوثيقة أهداف التشريع، فالهدف هو الغاية النهائية للتشريع وليس الأثر المباشر له، على أن تكون الأهداف تعالج المشكلة، وواضحة قابلة للتطبيق، مع حتمية ارتباط أهداف التشريع بالسياسة العامة للدولة وخططها الإستراتيجية.
  4. ‏إذا كان المقترح التشريعي يتضمن فكرة جديدة لمشروع نظام أو لائحة أو ما في حكمها فيجب إرسال التصور قبل البدء في الإعداد إما لمجلس الشؤون السياسية والأمنية، أو لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بحسب الاختصاص. ‏أما إذا كان المقترح التشريعي لا يتضمن فكرة جديدة لمشروع نظام أو لائحة فيكتفى بإرسال التصور عن التشريع للإدارة العليا في الجهاز الحكومي.

 ويبدأ في ‏المرحلة الرابعة تكوين فريق العمل، ومن أهم التعليمات الإرشادية فيه:

  1. إذا كان حجم المقترح التشريعي محدودًا فيعهد به إلى فريق عمل محدود الحجم من الإدارة القانونية التابعة للجهاز الحكومي.
  2. ‏قد تدعو الحاجة إلى تكوين فريق عمل موسع من الإدارات القانونية في الأجهزة الحكومية وإدارات أخرى فنية إذا كان الجانب الفني للتشريع له أهمية تستوجب مشاركة عناصر غير قانونية.
  3. ‏ينبغي التحقق من كفاءة أعضاء فريق العمل، ثمّ توزيع المهام عليهم.
  4. ‏قد تحتاج بعض التشريعات الضخمة إلى الاستعانة بخبرات خارجية قانونية أو فنية، وحينها يجب التحقق من أن هذه الخبرات مؤهلة بالاطلاع على أعمالهم السابقة وسيرهم المهنية.
  5. ‏في حال الاستعانة بخبرة خارجية يفضل المشاركة المستمرة من عناصر الإدارة القانونية في جميع مراحل إعداد المقترح التشريعي وصياغة الهدف؛ لأنهم الأقدر على توضيح الاحتياجات الوطنية، ولما في ذلك من تدريب ونقل المعرفة والخبرة للعناصر القانونية المحلية.
  6. يفضل عند الاستعانة بعناصر قانونية خارجية أن تكون خلفيتها القانونية من أنظمة مقاربة لمنهج النظام القانوني السعودي وفلسفته.

‏ثمّ نصل إلى المرحلة الخامسة وفيها دراسة الوضع الراهن. تشمل هذه الدراسة الأنظمة واللوائح وما في حكمها، والمبادئ القضائية ذات الصلة، والاتفاقيات الدولية التي ترتبط بها المملكة. ويمكن الإشارة السريعة إلى ما يلي ضمن نطاق هذه المرحلة المهمة:

  1. تحديد الأنظمة السارية التي سيلغيها التشريع محل الدراسة سواء أكان الالغاء صريحًا أم ضمنيًا، كليًا أم جزئيًا. وكذلك الأنظمة التي سيعدلها.
  2. توضيح الأنظمة التي يمكن أن يتقاطع معها التشريع محل الدراسة بأن يكون هناك تعارض ظاهري أو حقيقي، أو تقييد لمطلق، أو تقديم لخاص على عام.
  3. بيان الأنظمة التي يؤثر التشريع فيها كأن يضع شروطًا إضافية على تطبيقها، أو يلغي بعض شروط تطبيقها.
  4. إذا كانت التطبيقات القضائية متسقة مع التشريعات السارية فليس هناك حاجة لتعديل التشريعات مادامت تعالج الإشكالات وليس فيها نقص يستدعي التكميل، أو خلل يستوجب التعديل.
  5. إذا كانت التطبيقات القضائية تعالج صور التعارض بين التشريعات، أو تعالج الفراغ التشريعي بإرساء مبادئ تسد هذا الفراغ؛ فهنا يمكن النظر في سن تشريع يؤكد هذه التطبيقات والممارسات ويقننها.
  6. ‏إذا كانت التطبيقات القضائية متعارضة مع التشريعات السارية، أو تفسر النصوص على نحو يتعارض مع أهداف التشريع؛ فيمكن النظر في حلول غير تشريعية لتعزيز التطبيق القضائي المتسق مع أهداف التشريع.
  7. ‏من المهم الرجوع إلى الاتفاقيات الدولية التي ترتبط بها المملكة، ومراجعة الأحكام القضائية الصادرة عن الأجهزة القضائية الدولية المتعلقة بتفسير مصطلحات هذه الاتفاقيات أو الاتكاء على نصوصها.

تختص ‏المرحلة السادسة بإجراء دراسة مقارنة. ‏تستهدف الدراسة المقارنة فهم الفلسفة العامة لمعالجة المسألة محل الاحتياجات التشريعية في التجارب المقارنة وفهم منهج المعالجة. لهذه الدراسة المهمة إرشادات كي تؤتي ثمارها؛ فمنها:

  1. ‏يراعى عند اختيار القوانين المقارنة تقارب البيئة القانونية وفلسفة النظام القانوني القضائي مع المملكة، وتقارب احتياجات المعالجة القانونية حسب الأحوال الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية السائدة.
  2. يجب أن يتميز القانون المقارن في مجال الدراسة محل البحث، ويعلم ذلك بالرجوع للمؤشرات الدولية ومنها مؤشر التنافسية، ومؤشرات البنك الدولي.
  3. ‏سهولة الوصول إلى المصادر المعينة بوضوح على فهم القانون المقارن مثل الأعمال التحضيرية، أو السوابق القضائية، أو التعليقات الفقهية.
  4. ‏إذا كانت المسألة لها طابع دولي عابر للحدود وأعدت بشأنه قوانين نموذجية فينبغي أن يؤخذ بالاعتبار عند إجراء الدراسة المقارنة القوانين النموذجية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة.
  5. ‏عند إجراء الدراسة المقارنة ينبغي تحديد نطاق التشريع ومفهومه دون الوقوف عند العناوين والأسماء نظرًا لاختلاف المصطلحات.
  6. من الضروري فهم طبيعة النظام القانوني، وأسلوب تطبيقه، والمصادر المختلفة للقواعد القانونية؛ كي لا تكون المقارنة مفرغة من مضمونها، ولا تجرى المقارنة باقتطاع النص من سياقه.
  7. ‏من الأهمية التحقق من أن النص المنفرد المقتبس من النظام المقارن يمكن أن يعمل منفردًا، وأنه لا يعتمد في تطبيقه على قانون آخر.
  8. ينبغي في سياق الدراسة المقارنة الإلمام بالصورة التشريعية في الدول محل المقارنة بمختلف أبعادها.

تأتي عقب ذلك ‏المرحلة السابعة وفيها دراسة أثر التشريع. الهدف من هذه المرحلة تحسين جودة التشريعات؛ لأن دراسة الأثر التشريعي وثيقة داعمة للقرار المتخذ بشأن المضي قدمًا في إعداد التشريع بما فيها من حصر المزايا والتحديات التي يتضمنها التشريع، وتأثيره على أصحاب المصلحة. إن هذه الدراسة تحول دون فشل التشريعات متى كانت الدراسة عميقة مستوعبة بعيدة عن الهوى والتعجل. ينبغي أن تبنى دراسة إستراتيجية أثر التشريع على عدد من المحاور مثل:

  1. الاستخدام الأمثل لكل المعلومات والبيانات المتوافرة لتغدو دليلًا قويًا لمساندة التشريع.
  2. التكامل بين دراسة الأثر التشريعي ومختلف أدوات السياسة الحكومية مثل الخطط والإستراتيجيات والمبادرات. ينبغي أن تحقق دراسة الأثر استهداف المعالجة الضرورية للإشكالات، والاستجابة للاحتياجات دون تجاوز أو تقصير.

‏إن دراسة الأثر تتطلب مشاركة كفاءات تجمع بين العناصر الإدارية والسياسية التي تقدر الأهداف السياسية والإدارية للتشريع وتأثيراته، وكذلك العناصر القانونية التي تعطي الرؤية حول التأثيرات التشريعية والقضائيه للتشريع وتشرح المفاهيم ذات الصلة، والعناصر الاقتصادية التي تقدر التكاليف الاقتصادية والمنافع الاقتصادية للتشريع. لم ترد هنا أي إشارة للعناصر الاجتماعية، وربما تكون مدرجة في أحد التقسيمات الماضية.

و‏تشمل دراسة قياس الأثر الآثار السياسية، والاقتصادية في قطاعات التجارة والعمال والاستثمار، والاجتماعية في شؤون الأسرة والعمل والصحة والأمن، والبيئية المتصلة بالطبيعة والمناخ، والآثار الإدارية على أجهزة الدولة، والآثار القانونية والقضائية على التشريعات والإجراءات، والآثار الدولية إن على الالتزامات أو الترتيب في المؤشرات.

مما ‏يلاحظ في عدد من التجارب المقارنة أن دراسة الأثر التشريعي تركز على الجانب الاقتصادي فقط، وينحصر أحيانًا في قياس الأعباء الإدارية والتكاليف المباشرة للتوافق مع التشريع، والمفترض أن يشمل القياس جميع الجوانب المتصلة بالتنمية المستدامة. إن المنهج المتوازن في دراسة الأثر يجمع بين العناصر الكمية لقياس الفوائد والمخاطر، مع الجوانب النوعية المتصلة بتأثير التشريع. من الحكمة العملية استخدام قائمة مراجعة بهدف إعداد التقرير النهائي لدراسة الأثر التشريعي، وفي هذا الدليل قائمة مقترحة يمكن الاكتفاء بها، ولا مانع من الإضافة عليها.

صياغة المقترح التشريعي هي صلب ‏المرحلة الثامنة، وفيها يُراعى رسم خارطة لمكونات التشريع على أن تتضمن العناصر التالية: عنوان التشريع، الديباجة والنصوص الواردة في أداة الإصدار، التعريفات، أهداف التشريع، نصوص النطاق، متن التشريع، المخالفات الجزائية والتنظيمية والعقوبات، النصوص المتعلقة بتسوية النزاعات، الأجهزة المؤسسية المعنية بتنفيذ التشريع والمتطلبات المالية، الأحكام الختامية، والملحقات.

لكل واحد من هذه العناصر ضوابط مثل وضوح العنوان وإيجازه وجدته، واستهلال الديباجة بالاستشهاد بالأنظمة ذات الصلة بداية من أعلاها، مع الإشارة إلى النظام الذي تعمل اللائحة بموجبه. من الضوابط الأساسية بيان نطاق التشريع الزمني والمكاني والمالي والعملي، والأحكام الملغاة أو المعدلة أو المحتفظ بها، وموعد السريان أو مواعيده، وأن تكون الإحالة الداخلية بنقل النص المحال إليه وليس بمجرد الإشارة إليه.

من هذه الضوابط الاقتصار على التعريفات المهمة للمصطلحات المتكرر ورودها، مع ترتيبها حسب مجيئها في النص، والتأكد من اتفاق استخداماتها داخل التشريع مع المعنى الوارد في التعريف. ومن الأولوية سرد أهداف التشريع بوضوح كي يمكن قياس آثاره، وحتى تفسر المواد الغامضة بناء على ما يتماشى مع أهدافه. من الضوابط تقديم النصوص الموضوعية، والمتعلقة بالحقوق، والأحكام الأساسية، على ما يقابلها من نصوص إجرائية، ومحظورات، وقيود. ومما يُراعى توضيح المخالفات والعقوبات مع الالتزام بمبدأ الشرعية والولاية فيهما، والتناسب بين المخالفة والعقوبة.

كما أوضحت هذه المرحلة بجلاء ما يتعلق بتسوية النزاعات، والتحكيم، والمسؤولية في التنفيذ والمراقبة. أيضًا أضاف الدليل عددًا كبيرًا من التوجيهات الصياغية المبنية على أصول لغوية أو قانونية أو منطقية. إن الصياغة المحكمة الخالية من الثغرات كفيلة بنجاح التشريع، ونجاته من الفشل أو العثرات. إن الحاجة للصياغة المتينة توجب على المؤسسات التعليمية القانونية العناية بهذا الموضوع ضمن خطة مقرراتها الدراسية، على ألّا يكتفى بمقرر واحد فقط. وعلى القانوني والصائغ على وجه الخصوص يقع العبء الأكبر بالقراءة والارتقاء اللغوي والقانوني.

‏المرحلة التاسعة هي مرحلة المراجعة والاعتماد، وفيها ‏إجراء مراجعة داخلية لمواد التشريع، على أن يكون النقاش على مستوى فريق العمل، ثم على مستوى الإدارة القانونية، ثم على مستوى الإدارة العليا، وعقب كل مرحلة تدرس الملحوظات للتفاعل معها بتعديل أو توضيح وإقناع. من أجلّ أعمال هذه المرحلة التدقيق اللغوي لمواد التشريع لتدارك أيّ أخطاء، مع مراعاة عدم تاثير التدقيق اللغوي على الجانب الاصطلاحي.

في المرحلة العاشرة يحين أوان إعداد المذكرة التوضيحية للتشريع التي يحسن الشروع بإعدادها مع بدء المراحل الأولى لبناء التشريع، فقد يكون لها أثر في إعادة تأمل عناصر كثيرة من مكونات التشريع. هذه المذكرة تُراعي:

  1. تعيين السند النظامي لإعداد المقترح من حيث الاختصاص والولاية ومناسبة الأداة النظامية.
  2. ‏عرض إجراءات إعداد التشريع ودراسة الاحتياجات التشريعية.
  3. ‏تضمين المذكرة شرحًا لأهداف التشريع و فلسفته ومنهج إعداده.
  4. بيان الوضع القانوني الراهن المتصل التشريع المقترح مع عرض التشريعات القائمة التي سوف تتأثر بالتشريع المقترح أيًا كانت أداة إصدارها وعرض الأسباب التي دعت لتعديل أو إلغاء بعض الأحكام الواردة في هذه التشريعات.
  5. ينبغي أن يشمل بيان الوضع الراهن عرض أهم الاتفاقيات الدولية التي يمكن أن تتصل التشريع بالمقترح وكيف تعامل التشريع معها.
  6. ‏عرض خلاصة الدراسة المقارنة بشأن التجارب الدولية التي درست حين إعداد التشريع.
  7. ‏تضمين المذكرة بيانًا توضيحيًا مفسرًا لمختلف فصول التشريع متضمنًا شرح أهم أحكامه.
  8. ‏تضمين المذكرة موجز دراسة أثر التشريع وعرض آثاره المتنوعة.

‏تذهب المرحلة الحادية عشر نحو استطلاع الرأي بشأن المقترح؛ إذ ‏يُنشر على المنصة الإلكترونية الموحدة لاستطلاع آراء العموم والأجهزة الحكومية لمدة لا تقل عن ثلاثين يومًا، مع مكاتبة الأجهزة الحكومية الأكثر صلة بالتشريع، والخبراء المختصين، ثم تجمع الآراء، ويجاب عنها، وينشر ملخص لأهم الملحوظات والرد عليها. هذه المرحلة نفيسة للغاية، وبها يضمن التشريع الإحاطة بآراء الدوائر المحيطة به كافة، ويسلم من العوائق التي قد تعترض طريق أي تشريع؛ فتهوي به أو تعطله.

أخيرًا نبلغ ‏المرحلة الثانية عشر وهي إرسال المقترح لمن يملك الاختصاص، ويكون الإرسال إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء لاستكمال دراسة المقترح التشريعي وصياغته صياغة نهائية. ‏وينبغي عند دعوة الأجهزة الحكومية للمشاركة في أي مناقشات ذات صلة بالمقترح التشريعي التأكد من أن يكون ممثلها ممن شارك في إعداد المقترح، وأن يكون لديه الدراية الكافية بأحكامه ومنهجه وأهدافه.

إن هذا الدليل الجميل المفيد، مع دليل إعداد التشريعات وصياغتها، إضافة إلى غيرهما من الأدلة والتقارير والتطبيقات سواء فيما يخص الشأن القانوني والعدلي أو غيرهما، مما يجدر إدامة النظر فيها والتعلّم منها، وهي مما يحمد في التوجهات التنظيمية والإجرائية الموفقة لدى الحكومة خاصة تلك التي توالت بالصدور والتحديث في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان– حفظه الله ورعاه-، وهي من لوازم تنفيذ رؤية المملكة (2030) التي تستهدف الحوكمة، والشفافية، ومكافحة الفساد، والحصول على تقييمات متقدمة في المؤشرات الدولية، إضافة إلى أسسها المركزية في المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية، والله يوفق ويعين ويجري الأسباب والمقادير على ما فيه الخير العاجل والآجل، إن ربي سميع قريب مجيب.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

السبت 09 من شهر ربيع الآخر عام 1446

12 من شهر أكتوبر عام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)