سياسة واقتصاد سير وأعلام

خمسة وزراء وهذه المزية!

خمسة وزراء وهذه المزية!

عودة الإنسان إلى منصبه أو إلى ما يماثله ليست نادرة بيد أنها غير شائعة، فكثيرًا ما تكون المغادرة نهائية إلى غير رجعة، وفي حال الرجوع ربما يحلُّ المسؤول في مكان آخر، وهذا أمر يمكن ملاحظته في حكومات دولية وعربية كثيرة، ووجوده يدل على أن انتهاء العلاقة لايعني بالضرورة استحالة الاستعمال مرة أخرى، وليس في خروج المسؤول وإعفائه على كل حال ما يشير إلى إخفاق تام، أو نزع للثقة به، أو غير ذلك مما يصاحب مباينة الناس لمناصبهم؛ فمن طبيعة المجتمعات الاندفاع وراء التكهنات، والتلذذ بسوق التوقعات، وقد تكون الحقيقة أبعد مما دار في أفكارهم وخيالاتهم أو أقرب.

وفي تاريخ مجلس الوزراء السعودي الموقر عاد بعض الوزراء إلى عضوية المجلس بعد انقطاع يسير أو طويل، وسبق لي الكتابة عن سبعة من أولئك الكرام في مقال سابق. واليوم أقصر الحديث على خمسة وزراء عادوا للمنصب ذاته سواء تركوا المجلس وانقطعت عضويتهم كما في سيرة ثلاثة منهم، أو تنقلوا بين عدة حقائب في المجلس دون انتهاء العضوية مثلما سنراه في مسيرة وزيرين من الخمسة، والله يتغمد الراحلين الثلاثة بالرحمة والعفو، ويبارك على الباقيين ويعظم النفع بهما.

أول هؤلاء الوزراء الخمسة هو الأمير فيصل -الملك لاحقًا- الذي أسندت إليه وزارة الداخلية مرتين، الأولى حينما كانت هذه الوزارة ملتصقة بالنيابة العامة في الحجاز بين عامي (1350-1353=1931-1934م)، والثانية عندما ترأس مجلس الوزراء مع إسناد ثلاث وزارات إليه منها الداخلية خلال مدة غير طويلة تقع بين سنتي (1378-1380=1958-1960م). كما تولى الفيصل وزارة الخارجية مرتين يفصل بينهما زمن ليس بالطويل؛ فالمرة الأولى بين عامي (1349-1380=1930-1960م)، والثانية بين عامي (1381-1395=1962-1975م).

ويأتي بعده حسب الترتيب بناء على الفاصل الزمني بين وزارتيه الشيخ أحمد صلاح جمجوم وزير الدولة ثم وزير التجارة عام (1380=1960م)، وبعد بضعة عشر شهرًا قضاها بعيدًا عن المجلس اختير مرة أخرى ليصبح وزيرًا للتجارة عام (1381=1962م). ويذهب المثال الثالث إلى الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ الذي سمي وزيرًا للشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بين عامي (1420-1436=1999-2014م)، وبعد أيام دون الستين قفل الوزير مرة ثانية إلى منصبه ووزارته ذاتها عام (1436=2015م).

أما رابع الوزراء فهو الأمير سعود الفيصل، الذي بدأت عضويته المجلسية وزير دولة للشؤون الخارجية عام (1395=1975م)، ثمّ أمضى أربعة عقود وهو وزير للخارجية ملء السمع والبصر، حتى حطمته المهمة وأعباؤها وكثرة ما فيها من سفر ومفاوضات ولقاءات وسهر، فجعله خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان -حفظه الله ورعاه- وزير دولة وعضوًا بمجلس الوزراء ومستشارًا ومبعوثًا خاصًا لخادم الحرمين الشريفين ومشرفًا على الشؤون الخارجية عام (1436=2015م) كي يرتاح من عناء الوزارة الثقيلة، ومن تبعات مشاقها اليومية، ويبقى قريبًا من الشأن السياسي والدبلوماسي الذي أحبه وبرز فيه، لكن لم يطل به المقام في منصبه الجديد الشبيه بأول منصب وزاري له؛ بسبب المرض المجهد ثم الوفاة عقب شهور قليلة.

وخامس وزير عاد إلى منصبه الوزاري هو د.إبراهيم بن عبدالعزيز العساف الذي سمي أول الأمر وزير دولة وعضوًا بمجلس الوزراء عام (1416=1999م)، وبعد شهور أصبح وزيرًا للمالية والاقتصاد الوطني، وعقب ثمان سنوات سُلخ الاقتصاد عن وزارة المالية التي استمر د.العساف وزيرًا لها حتى عام (1438=2016م)، وهو العام الذي جرى فيه تغيير وزاري مختصر أضحى د.إبراهيم بموجبه وزير دولة مرة أخرى، ثمّ أحيلت إليه مسؤولية وزارة الخارجية مدة يسيرة قبل أن ينتقل منها إلى منصبه الأول وزير دولة وعضوًا بمجلس الوزراء عام (1441=2019م)، علمًا أنه بهذه المناصب يغدو أكثر وزير انتقل داخل المجلس بين عدة مسميات.

ونلاحظ في هذا التتبع التاريخي أن نسبة هؤلاء الوزراء لعدد أعضاء المجلس هو ربع العشر فقط، وأن فيهم أب وابن، وأن وزارة الخارجية حاضرة في ثلاثة أمثلة من الخمسة، وأن أربعة من الوزراء الخمسة هم من أطول الوزراء في سنوات العضوية طوال تاريخ المجلس الموقر، بينما اختص الوزير جمجوم من بينهم بأنه من ضمن أعضاء المجلس الأقصر عضوية على مدار تاريخه، وجميعهم ممن انتقل داخل المجلس بين عدة مسميات وحقائب. وأيًا كان أو سيكون، فالله ربنا المسؤول أن يبارك في مجلسنا العريق، وفيمن يتحمل أمانة العمل فيه بأي صفة وموقع، مع الدعاء الذي لا ينقطع لهم بالعون والتوفيق ومضاعفة الحسنات.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

ليلة الثلاثاء 24 من شهرِ محرم عام 1446

30 من شهر يوليو عام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)