معايير عامة للصياغة القانونية
قرأت هذا البحث بعنوان: المعايير العامة للصياغة التشريعية (دراسة مقارنة)، كتبته: د.سلام الفتلاوي وَ أ.آمنة حامد، ونشر في مجلة المحقق الحلي للعلوم القانونية والسياسية، العدد الرابع السنة التاسعة عام (2017م)، ويقع البحث في (43) صفحة، وقد أفادت الباحثتان من أزيد من ستين مرجعًا على اختلافها، علمًا أن هذه المجلة مجلة رسمية صادرة عن كلية القانون بجامعة بابل، وتصدر مرتين كل سنة.
وعقب القراءة استخلصت منه بعض الفوائد في الصياغة، وقد اجتهدت في اختصار بعضها وإعادة تحرير أجزاء يسيرة من النص، ويمكن العودة إليه كاملًا في موقع المجلة، ومما اخترته:
- الصياغة التشريعية هي الأداة الرئيسية في تحقيق الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
- صياغة النصوص التشريعية علم وفن قائم بذاته؛ لأنها تقوم على أساس من المنهج العلمي والمنطق القانوني، ولما فيها من توفيق بين المصالح المتعارضة والمراكز القانونية.
- يعبر الفلاسفة عن الصياغة بأنها العبارات الدقيقة والمركزة التي تسمح بالاستنتاج والمناقشة.
- تتطلب الصياغة إلمامًا كليًا بالنظام القانوني وقواعده، مع المعرفة الدقيقة باللغة حتى تؤدي الألفاظ المعاني المرادة منها بلا تشتت ولا التباس ولا غموض.
- ذهب الفقه الفرنسي إلى أن القانون شيء معقد في طبيعته ولا بد من تحليله تحليلًا حتى تتضح عناصره المتداخلة وهذا لا يكون إلّا بالصياغة علمًا وفنًا؛ فالصياغة هي التي تصنع نصوصًا تشريعية رصينة.
- تتكون الصياغة التشريعية من عناصر هي: الصائغ، والمصوغ، والمصوغ به.
- يتأهل الصائغ بامتلاك المعرفة في علوم تتداخل مع القانون مثل علم أصول الفقه، والنحو، والمنطق، إضافة لقدر واسع من علم القانون وأصوله وتاريخه.
- تستهدف الصياغة إظهار مادة فيها بيان ما هو ملزم للمخاطبين به، أو منهي عنه، وبيان إن كان التصرف في واقعة سببًا لشيء، أو شرطًا له، أو مانعًا منه.
- يوصل الصائغ المعاني من خلال ألفاظ عامة وأخرى خاصة بعلم القانون، ولا مناص للصائغ من إتقان هاتين اللغتين، ومعرفة المصطلحات القانونية.
- يجب أن يمتاز الصائغ بمعرفة واسعة في معاني الألفاظ، ومقاصدها، وعمومها، وخصوصها، ومطلقها، ومقيدها، ليختار ما يتناسب مع الغايات المنشودة بعيدًا عن أي خلل.
- للصياغة التشريعية أهمية لكونها: أداة للإنشاء، وللتواصل، وللتعبير اللغوي، وللتطوير والتماسك، وللتوحيد، وللخصوصية، وللاستقرار القانوني.
- الصياغة التشريعية هي وسيلة إنشاء النصوص التشريعية الرصينة وظهورها إلى الحيز الخارجي لتكون قابلة للتطبيق العملي من المخاطبين بها.
- تعد الصياغة التشريعية حلقة وصل بين منشئها والأفكار التي يسعى لتضمينها في النصوص، وبين المنشئ والمخاطبين بحكمها، وهي أداة للتواصل بين النصوص التشريعية ذاتها للربط بين نصٍّ وآخر.
- الصياغة هي الوسيلة التي تمكن من إظهار اللغة القانونية بألفاظها ومصطلحاتها ومعانيها.
- تقاس الصياغة التشريعية بجودة اللغة القانونية عند الكتابة والترجمة.
- تعين الصياغة التشريعية على تماسك النصوص كافة شكلًا ومضمونًا، وتساعد في تحقيق التجانس بين النصوص.
- ترفع الصياغة التشريعية الجيدة أي تناقض أو تعارض، وتقود للتوحيد بين النصوص بما يؤول إلى التكامل، ويحول دون التضاد.
- إذا كتبت النصوص التشريعية بناء على نمط في الصياغة تتبعه الدولة؛ فسوف يصبح لها طابع خاص يعبر عن إمكانات العاملين في التشريع والصياغة، وتمنحها خصوصية تميزهم عن غيرهم.
- الاقتباس من القوانين الأخرى ليس نقصًا بل يزيد من متانة القانون مع مراعاة الخصوصية في الصياغة بما يعبر عن واقع المجتمع المستهدف بالتشريع.
- فكرة الاستقرار القانوني هي الهدف الأساسي عند صياغة النصوص التشريعية؛ فالقانون أداة رئيسة لتنظيم العلاقات بين أفراد المجتمع، ويجب أن يكون محققًا للاستقرار والانضباط في المراكز القانونية، والصياغة السليمة سبب وثيق الصلة بتحقيق هذا المطلب.
- للصياغة التشريعية عيوب منها: الخطأ، والتعارض، والنقص، والغموض.
- تظهر الأخطاء في النصوص التشريعية على هيئة أخطاء مادية وأخرى قانونية، بسبب ضعف المراجعة، والتسرع في التشريع، والترجمة الخاطئة.
- يظهر التعارض بين النصوص التشريعية عند تطبيق القوانين؛ إذ يجد القاضي نصين لا يتفق أحدهما مع الآخر.
- قد يكون التعارض بين نصوص لتشريعات مختلفة، وربما وجد التعارض في النص الواحد، وهذا النوع الأخير محرج ويدل على ضعف العمل التشريعي.
- يمكن معالجة التعارض بالكشف عن أن كل نصٍّ يواجه فرضًا مختلفًا، أو أن أحد النصين استثناء من الآخر، أو بينهما عموم وخصوص، وإطلاق وتقييد، وإذا لم يتيسر إزالة التعارض فلا مناص من حسمه نهائيًا.
- يقصد بالنقص التشريعي غياب أي نصٍّ يعالج النزاع المعروض أمام القاضي، أو وجود نصوص تشريعية لا تعالج جميع مفردات الواقعة؛ فيضطر القاضي للرجوع إلى مصادر القانون الأخرى.
- يقع الغموض إذا استخدم المشرع مجموعة من الألفاظ التي تحمل أكثر من معنى واحد، أو استخدم مفردات لغوية بطريقة غير صحيحة لا تؤدي المعنى الحقيقي المراد.
- يبدو الغموض في صياغة النصوص بعدة صور منها:
- عندما يصاغ النص بطريقة تدل على معناه دلالة ظاهرة لكن يوجد داخله عدة فروض ربما تثير نوعًا من اللبس.
- عندما تضطرب الصياغة بغياب التماسك بين عبارات النص والقصد منه.
- استخدام ألفاظ مجملة تنطوي على أحوال مختلفة ولا سبيل لتفسيرها إلّا بالرجوع لمن أصدرها.
- من المعايير الثابتة للصياغة التشريعية أيًا كانت جامدة أم مرنة: معيار العمومية، ومعيار التجريد، ومعيار الجمع بين العمومية والتجريد.
- يراد بالعمومية توجيه الخطاب في القاعدة القانونية إلى الأشخاص بصفاتهم لا بذواتهم، ومعالجة الوقائع بشروطها لا بأسمائها، وتغدو القاعدة عامة في سريانها المكاني والموضوعي والشخصي حسب الصفات والشروط الواردة فيها.
- يؤدي معيار العمومية إلى المساواة، ونفي التحيز، ويحمي النصوص من الدخول في تفريعات فردية وتفصيلات وتقسيمات قد لا تكون شائعة.
- معيار التجريد معيار يطبق على مجموعة من الوقائع أو الأشخاص الذين يوجدون في أحوال واحدة مشتركة دون مراعاة لتفاوت ما يحتف ببعض الوقائع والأشخاص من خصوصية أو جزئيات.
- الفرق بين العمومية والتجريد هو أن التجريد يصاحب القاعدة القانونية عند صياغتها، في حين أن العمومية هي الطريقة التي تتم بها صياغة القاعدة، فالتجريد سبب للعمومية.
- يتطلب التجريد في الصياغة القانونية النظر إلى الأبعاد الإنسانية في القاعدة القانونية لأنها قاعدة اجتماعية، ولا مناص من مراعاة الأحوال العامة المشتركة.
- تستوجب تقنيات الصياغة التشريعية إضفاء صفتي العمومية والتجريد على القواعد القانونية لأنها لا تتوجه إلى فرد بعينه، بل إلى أوضاع عامه تنظمها.
- لا غنى عن وجود صفتي العمومية والتجريد في الصياغة لأنهما يصبغان على القاعدة القانونية صفة السيادة التي تتنافى مع سنِّ قانون يستفيد منه شخص واحد معين بذاته.
- تعطي الصياغة الجامدة حلًا ثابتًا لا يتغير، ولا تترك مجالًا للسلطة التقديرية، وهي صياغة تتجرد من أيّ اعتبار شخصي، ولها طابع موضوعي لا يقبل الاجتهاد ولا التقدير.
- ترد الصياغة الجامدة بعدة أساليب منها:
- المعيار الكمي من خلال التعبير بالأرقام.
- معيار الحصر من خلال التعبير بالشروط: وهذا المعيار يكون قابلًا للقياس عليه أحيانًا؛ فيجمع بالنسبة للقاضي بين عنصري التقييد والتقدير.
- معيار التقسيمات من خلال الحلول المتعددة.
- معيار الشكل: قد يكون الشكل لانعقاد التصرف مثل عقد البيع، وقد يكون لإثبات التصرف، وقد يكون هدفه إعلام الغير.
- تتميز الصياغة المرنة بتركها المجال مفتوحًا لاستجابة القاعدة للواقع وأحواله ومتغيراته.
- تساير الصياغة المرنة التطورات المجتمعية وأي تغيير لم يتوقعه الصائغ.
- تتجلى مهارة الصائغ باختيار المناسب من أنواع الصياغة لكل قاعدة.
- تجئ الصياغة المرنة بأساليب ومعايير منها:
- معيار الأمثلة: ضرب المثال لتحديد الفرض مع إفساح المجال للقاضي كي يجتهد ويقيس.
- معيار الأحوال واتجاهات القاعدة القانونية: تمنح الصياغة للقاضي سلطة التقدير بناء على وجود أحوال معينة.
- معيار التكميل أو التعديل: يعطى القاضي صلاحية تعديل النصوص التشريعية وتكميلها في نطاق ضيق جدًا ومحدد في بعض النصوص التي تحتمل أكثر من توجه.
- معيار تعدد الخيارات: يمنح القاضي عدة خيارات ليأخذ الأصلح منها.
- يستخدم المعيار المنطقي في الصياغة التشريعية حتى تخرج القاعدة القانونية بطريقة عملية وصحيحة تحقق الغاية المرجوة منها.
- من وسائل المعيار المنطقي: القرائن القانونية، والحيل القانونية.
- القرائن هي تحويل الشك في شأن إلى يقين وصياغة القاعدة القانونية على هذا الأساس، أو استخلاص أمر مجهول من امر معلوم على أساس غلبة تحقق الأمر الأول إذا تحقق الأمر الثاني.
- لا تؤسس القرينة القانونية على حقيقة ثابتة مستقرة، وإنما تنتزع من احتمال يغلب وقوعه.
- تتميز الصياغة بناء على القرائن القانونية بأنها صياغة غير مباشرة في الإثبات، ويمكن إثبات عكسها بتحقق الاحتمال الغالب.
- يلجأ المنظم إلى هذا النوع لقطع الشك بما يوافق المألوف والغالب؛ فيصوغ تشريعات بناء على القرائن التي يحتمل وجودها، مثل تحديد سنّ الرشد بعمر فيه قرينة على كمال الإرادة ونضوج العقل.
- تنقسم القرائن القانونية إلى نوعين: قرائن قاطعة لا يجوز إثبات عكسها، وغير قاطعة يجوز إثبات عكسها، وهو الأصل الذي تقوم عليه القرائن.
- تتحقق الحيل القانونية أو الصياغة الافتراضية بإيجاد وضع يخالف الحقيقة لترتيب آثار قانونية لا يمكن الوصول إليها إلّا عن طريق هذه المخالفة، فهي افتراض أمر مخالف للحقيقة والواقع من أجل تغيير أحكام القانون دون تغيير نصوصه.
- يلجأ المنظم إلى هذا النوع من الصياغة عندما يريد أن يلحق في الحكم شيئًا بشيء آخر مناقض له مثل إلحاق العقار بالتخصيص بالعقار الأصلي.
- يجب على المشرع أن يكون حذرًا وألّا يتوسع في مجال الصياغة الافتراضية، ويقتصر في استخدامها عند الضرورة فقط؛ تحقيقًا لغاية لا تتحقق إلّا بهذا الأسلوب الافتراضي.
والحقيقة أن هذا البحث على اختصاره سعى إلى بناء منهج وفلسفة ومنح أدوات وتقنيات أكثر من إعطاء معلومات فقط، وهذا أمر ضروري في التعليم النافع، ويبني الذهنية المميزة والناقدة التي على أساس تكون الحماية للعلم وأهله من مطلق الاجتهاد الذي قد يتسبب في الخلل بخطأ الفهم أو سوء التقدير، وليت أن هذا البحث يتوسع في بابه، وليته سلم من الأخطاء النحوية التي لا تنبغي في مثله، ولا تقبل من الباحثين في شأن حيوي عام مؤثر، للكلمة فيه قدر رفيع، وللنحو فيه خطر جسيم.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الأحد 23 من شهرِ رجب عام 1445
04 من شهر فبراير عام 2024م