شريعة وقانون عرض كتاب

الوكالة باختصار يكفي!

الوكالة

الوكالة باختصار يكفي!

هذا الكتاب مهم في الفقه والقانون؛ لأن القاضي والمحامي ومن بينهما من العاملين في الرواق العدلي لهم صلة بعمل الوكيل والوكالات، هذا غير أن تكييف عمل المحامي يتقارب كثيرًا مع الوكيل؛ فهما صورتان شبه متماثلتين مع وجود بعض الفروق. عنوان الكتاب هو: ‏شروط الوكالة في الفقه الإسلامي، تأليف: أ.د.زيد بن عبدالكريم الزيد، أستاذ الفقه المقارن، وعميد المعهد العالي للقضاء بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وصدرت الطبعة الأولى منه عن دار إمام الدعوة للنشر والتوزيع عام (1427=2006م)، ويقع في (144) صفحة. أصل الكتاب بحث تكميلي تقدم به الباحث إلى قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء ضمن متطلبات الحصول على درجة الماجستير عام (1404=1984م)، وللعلم فالمؤلف هو أول عميد للمعهد العالي للقضاء من خريجيه.

يتألف الكتاب من المقدمة، والفصل التمهيدي الذي فيه تعريف الوكالة، وحكم عقدها، ودليلها من الكتابة والسنة والإجماع، والحكمة من مشروعيتها، وأنواع الوكالة، وأركان الوكالة، ثم يبدأ الكتاب بالفصل الأول عن الصيغة وشروطها، فالفصل الثاني والثالث حول الموكل وشروطه، والوكيل وشروطه على التوالي. وبحث المؤلف في الفصل الرابع الموكل فيه، واقتصر الفصل الخامس على شروط عامة، ثمّ الخاتمة والمراجع وفهرس الموضوعات والمراجع التي ناهزت ثمانين مرجعًا.

استنبط الفقهاء مشروعية الوكالة من آيات قرآنية وأحاديث نبوية، بعضها وارد في قصة يوسف عليه السلام: “اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ”، وقصة أصحاب الكهف: “فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إلى المدينة”، وأيضًا من ذكر العاملين عليها في آية المستحقين للزكاة في سورة التوبة. وفيها أحاديث مثل توكيل النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابي عروة بن أبي الجعد البارقي -رضي الله عنه- بأن يشتري له شاة، وأعطى الرسول -عليه السلام- عقبة بن عامر -رضي الله عنه- غنمًا يقسمها.

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأصل في الوكالة الجواز، وأن الأصل في عقد الوكالة الجواز؛ أي أنها غير لازمة لطرفيها، وبالتالي يملك كل واحد من الموكل والوكيل التنحي بدون رضا صاحبه، لكن لهذا الحكم استثناءات عند الحنفية في ثلاثة مواضع هي: الوكالة في بيع الرهن، والوكالة بالخصومة لطلب المدعي عند غيبة المدعي عليه، والوكالة بتسليم عين لشخص مع غياب الموكل، وأضاف المالكية استثناء جواز التنحي من الوكالة بعوض على وجه الجعل، بينما قال الشافعية بأنها غير لازمة إلّا إذا ترتب على عزل الوكيل نفسه ضرر على الموكل؛ فإن هذا العقد الجائز ينقلب لازمًا، ويرى الحنابلة أنها من العقود الجائزة فلكل من العاقدين فسخها؛ لأنها من جهة الموكل إذن، ومن جهة الوكيل بذل نفع.

وبعد استعراض هذه الأقوال ذهب المؤلف إلى أن الوكالة إن كانت بغير عوض فهي من عقود التبرعات؛ وبالتالي فهي عقد جائز غير لازم، وإن كانت بعوض فهي من عقود المعاوضات؛ وحينئذ إما أن تكون عقد إجارة، أو عقد جعالة، فإن كان الاتفاق بين الطرفين على معنى الإيجار فهو عقد لازم، وأن كان الاتفاق بينهما بما يدل على الجعالة فهو عقد جائز، وهذا التقسيم من حيث الأصل حسبما كتب الشيخ البروفيسور الزيد، ويعترضه بعض الاستثناءات.

وتكون الوكالة خاصة أو عامة، فالخاصة ما كانت متعلقة بتصرف معين، وهي جائزة، أما العامة فما كانت غير محصورة بتصرف معين، واختلف الفقهاء في حكمها، فذهب بعضهم إلى صحة الوكالة، وذهب جمهور الفقهاء إلى عدم صحة الوكالة العامة لما في ذلك من الغرر العظيم والخطر الكبير، والذي يظهر والله أعلم حسب الباحث أن الوكالة العامة فيها جهالة كبيرة وغرر عظيم ربما يؤدي إلى النزاع، وبالتالي يرجح مؤلفنا قول الجمهور.

ومن أنواع الوكالة الأخرى أنها قد تكون كالة مقيدة أو وكالة مطلقة، فالوكالة المقيدة يرسم فيها الموكل لوكيله طريقة التصرف فيما وكل فيه؛ وبالتالي لا يجوز للوكيل أن يخالف ما قيده به الموكل إلّا إذا كانت المخالفة فيها خير للموكل. وأما المطلقة فهي خالية من كل قيد، وبالتالي فمجال تصرف الوكيل فيها أوسع. وأخيرًا فإن أركان الوكالة أربعة هي: موكل، ووكيل، وموكل فيه، وصيغة، ولبعض المذاهب الفقهية أقوال أخرى، لكنه خلاف لفظي فيما يبدو.

يتحدث الفصل الأول من الكتاب عن الصيغة وشروطها المنحصرة في أن تكون معبرة عن إرادة الموكل، وأن تكون مصادفة لمحلها. والفصل الثاني بعنوان: الموكل وشروطه وهي: العقل، والبلوغ، وأن تكون له سلطة مباشرة في التصرف الذي يوكل فيه، وألّا يكون محجورًا عليه، والحرية، والإسلام، والأصل أن من جاز فعله جاز توكيله شريطة كون التصرف مما تدخله النيابة، وهذه الشروط تتكرر في الفصل الثالث عن الوكيل وشروطه، ولخصّ الجمهور صحة الوكيل بمن يعقل العقد ويقصده، وبمن يصح له مباشرة التصرف الموكل فيه لنفسه، وفيه استثناءات كرجل يتوكل عن أخته في قبول زواجها وهو لا يجوز له ذلك، ومثل امرأة تكون وكيلة في طلاق غيرها، ولا يجوز لها مباشرة طلاقها لنفسها.

لذلك لا تقبل وكالة ولا توكيل مجنون، أو معتوه لا يدرك، أو سكران، ولا تقبل وكالة صبي قبل التمييز، وتقبل في مرحلة التمييز بإذن الولي. ويجب أن يكون للموكل سلطة مباشرة مثل ولاية الأب شريطة أن تكون لمصلحة المولى عليه، وولاية الوكيل المأذون له بالتصرف على تفصيل في هذه المسألة، ووكالة الوصي وهو مثل الوكيل المأذون له بالتصرف، كما يجب ألّا يكون محجورًا عليه لمرض موت مراعاة لمصلحة الورثة، أو لفلس مراعاة لحقوق الدائنين، أو محجورًا عليه لسفه فيمنع بناء على ذلك من أيّ وكالة مالية. ومن الشروط الحرية لكنها قيدت فيما أذن له فيه، ولم يشترط الفقهاء أن يكون الموكل أو الوكيل مسلمًا، وإن اختلفوا في حكم وكالة المرتد.

ثمّ يأخذنا الكتاب إلى الفصل الرابع عن الموكل فيه، ويشمل التوكيل في العبادات؛ فالقلبية منها لا يجوز التوكيل فيها، ومثلها البدنية المحضة، وأما العبادات البدنية المالية مثل الحج والعمرة فيجوز التوكيل فيها، ومثلها العبادات المالية كتفريق الزكاة أو قبضها. وقد أجمع الفقهاء على صحة التوكيل في سائر المعاملات وهو مما تمس الحاجة إليه، ويجوز التوكيل في النكاح والطلاق والخلع، ولا يصح في الإيلاء واللعان؛ لأنهما أيمان لا تدخلها النيابة، ولا يصح في الظهار؛ لأنه منكر لا يجوز.

كما يصح التوكيل في تحصيل المباحات، ويجوز بإطلاق التوكيل في الخصومة من دون اشتراط رضى الخصم، ويترجح لدى المؤلف جواز التوكيل في إثبات الحدود والقصاص وفي استيفائها سواء مع حضرة الموكل أو غيبته. واختصّ الفصل الخامس لدراسة شروط عامة أولها الرضا بالوكالة، وهذا شرط فالإكراه بغير حق مخلٌّ بالتوكيل، وفيه عيب من عيوب الإرادة، أما الإكراه بحق بناء على حكم قضائي أو حكم حاكم فجائز مادام إكراهًا بحق. وكذلك يشترط العلم بالوكيل وتعيينه، وعلم الوكيل بأنه موكل، وبما وكل به، وبمن وكله، والحمدلله أن الوكالة الآن صارت ميسرة يمكن إنجازها عن بُعد نتيجة لنجاح وزارة العدل في التيسير على المستفيدين من خدماتها.

ويمكن لمن رام الاستزادة الرجوع لنظام المرافعات الشرعية، ونظام الإثبات؛ ففيهما إضافات مهمة للوكيل والمحامي، ومنها “وإذا لم يحضر الموكل فلا يصح من الوكيل الإقرار بالحق المدعى به، أو التنازل، أو الصلح، أو قبول اليمين، أو توجيهها، أو ردها، أو ترك الخصومة، أو التنازل عن الحكم – كليًّا أو جزئيًّا – أو عن طريق من طرق الطعن فيه، أو رفع الحجر، أو ترك الرهن مع بقاء الدين، أو الادعاء بالتزوير أو رد القاضي أو اختيار الخبير أو رده ما لم يكن مفوضًا تفويضًا خاصًّا بذلك في الوكالة”.

هذا باختصار جميع ما يحيط بموضوع الوكالة مما يحتاجه أصحاب العلاقة، والباحثون عن المعرفة، ومن ينشد الثقافة العامة، وهذا الكتاب المختصر، الواضح، المرجّح، المستند على الأدلة، يؤدي هذه الأغراض جميعها، وذلك من حسنات التأليف التي لا نستغربها من أ.د.الزيد صاحب التآليف الكثيرة، إضافة لسنوات طوال من التدريس الجامعي، وعمادة الكليات والمعاهد، والإشراف على الرسائل العلمية أو مناقشتها، وبعد ذلك الممارسة الحقوقية في كتابة الدعاوى والمرافعات، وتقديم الاستشارات، وعقد البرامج التدريبية عن الصياغة والتحكيم وغيرها من الشؤون القانونية.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الخميس 13 من شهرِ رجب عام 1445

25 من شهر يناير عام 2024م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)