دليل للكتابة التاريخية بترجمة سعودية
هذا الكتاب مهم ونافع، وفيه أشياء عملية مركزة عن القراءة، والكتابة، وما يحيط بهما من أعمال معرفية وذهنية ماتعة للغاية، وقد نالتها المؤلفة بالقراءة، والتجربة، والتعليم، وهذا الثلاثي كفيل بالإنضاج والتكثيف، وهما مرام يقصد بلوغه، ومطالب عالية لمن جد واجتهد. عنوان هذا الكتاب: دليل الكتابة التاريخية، تأليف: ماري لين رامبولا، ترجمة: د.تركي بن فهد آل سعود، ود.محمد بن عبدالله الفريح، وهو الكتاب الرابع والعشرون من سلسلة كتاب الدارة، وهي سلسلة تصدر عن دارة الملك عبدالعزيز بالرياض، وقد صدرت هذه الطبعة عام (1434) وتقع في (229) صفحة، والأصل مطبوع في الولايات المتحدة الأمريكية.
يتكون الكتاب من تقديم، ومقدمة الترجمة، ثم مقدمة المؤلفة، وبعدها مدخل ثمّ عدة فصول عن استخدام المصادر والمراجع، وتناول التكاليف النموذجية لمواد التاريخ، واتباع أعراف الكتابة التاريخية، وكتابة البحث، والانتحال ما هو وكيف نتجنبه، والاقتباس وتوثيق المصادر والمراجع. وواضح من هذه العناوين ما تحويه من أهمية لصناعة المؤرخ، إضافة لصعوبة اختصارها، وضرورة الرجوع إليه لمن شاء الكتابة التاريخية؛ فهو كتاب موجه بدرجة رئيسة لطلبة أقسام التاريخ في الجامعات، ومن الطبيعي أن يستفيد منه كل كاتب في التاريخ أو في غيره؛ فالعلوم تتشابك في كثير من مناهجها البحثية، وربما في موضوعاتها على اختلاف الزوايا.
يقدم هذا الكتاب العملي الواضح المختصر تجارب ونصائح للباحثين في تخصص التاريخ، ويحوي إرشادًا منظمًا ومنهجيًا للدارسين في مجال التاريخ كما كتبت الدارة في تقديمها. ونظرًا لخلو المكتبة العربية من مثيل له نافع لطلبة التخصص، بادر المترجم الأول د.تركي آل سعود إلى ترجمة عدة فصول منه، ثمّ أكمل بقيتها المترجم الثاني د.محمد الفريح، كي يفيدا طلبتهما في جامعة الملك سعود وغيرهم. ومن نصحهما أن حرصا على ترجمة الطبعة السابعة من الكتاب ليغنم الجميع ما فيها من زيادات، وقد حرصا على مواءمة الكتاب مع الطبيعة العربية في اللغة والتأليف والمراجع. والكتاب بحقٍّ كما قالت المؤلفة مفيد للمحاضر والطالب، ويشمل جميع أعراف الكتابة التاريخية.
أما الفوائد النفيسة المقتبسة من الكتاب فأغزر من أن تحصر؛ فكله فائدة إثرها فائدة، ولا مناص لطالب التاريخ من الرجوع إليه الكرّة تلو المرة، ومع ذلك فلا بأس من الإشارة لبعض ماورد فيه، وربما أني أختصر بعض الجمل، أو أجري تعديلًا يسيرًا عليها، فمنها:
- أسئلة المؤرخين مثل أسئلة المحققين، وبعضها مصمم لاستخراج الحقائق.
- الأسئلة المركبة أنفع من الأسئلة المباشرة، وبعضها أصبح أساسًا لدراسات تاريخية ممتعة جدًا.
- مطلوب من المؤرخين أن يحللوا العلاقة بين الحقائق التاريخية لفهم مجريات الأحداث.
- يحرص المؤرخون على اجتناب تبني العلاقة المباشرة بين المسبب وأثره لتفسير الأحداث، ويحاولون كشف الأسباب المعقدة وراءها.
- الماضي لا يتغير؛ لكن أسئلة المؤرخين واهتماماتهم هي التي تتغير.
- ينظر المؤرخون إلى المصادر نظرة مختلفة كلما طرحوا أسئلة جديدة.
- علم التاريخ علم حيوي وفعال، وأفضل طريقة لدخوله أن يطرح المؤرخ أكبر عدد يستطيعه من الأسئلة حول موضوعه.
- ابتكر الأسئلة في الموضوعات التاريخية، وابحث عن الإجابات عنها في المصادر.
- إن قراءة التاريخ وكتابته يقوداننا قبل أي شيء آخر إلى اكتشاف هويتنا.
- البحث عن إجابات عن الأسئلة التاريخية يتطلب الاطلاع على مجموعة كبيرة ومختلفة من المصادر.
- يأخذ التاريخ غالبًا دارسيه إلى جميع فروع التخصصات ذات الصلة به مثل الأدب، والفنون، والآثار، والسياسة، والاقتصاد.
- المصادر هي مواد مقدمة من مشاركين مباشرة في الحدث، أو موضوع الدراسة، والمراجع كتبها مؤلفون لم يشاركوا في الحدث، وكلاهما مفيد لكن المصادر هي الأساس قدر الإمكان، ولا ينبغي الاكتفاء بالمراجع أيًا كانت قيمتها، والتصنيف إلى مصدر أو مرجع يعتمد على نوع البحث والسؤال.
- يتعامل طالب التاريخ مع أنواع أخرى من المراجع مثل الموسوعات، والقواميس، والكتب الدراسية، والوثائق، وهذا النوع لا يحتوي على تحليل.
- لو كانت المصادر تخبرنا بالحقيقة دائمًا لأصبح عمل المؤرخ أسهل بكثير لكنه يصير مملًا، لكن المصادر مثل الشهود على الوقائع يكذبون غالبًا.
- أحد التحديات التي يواجهها المؤرخون هو تقييم موثوقية مصادرهم وفائدتها.
- حتى يحصل المؤرخ على فائدة كبيرة من قراءة المراجع عليه أن يدرس مجموعة من التفسيرات للأحداث والموضوعات.
- كما أن شهود العيان يرون أشياء مختلفة، ويتذكرونها بطرق مختلفة؛ فكذلك المؤرخ يقيّم ويحلل وينقد مثلما يفعل المحقق البارع.
- من الأسئلة المفيدة لتقييم المصدر: من المؤلف؟ ومتى كتبه ولمن؟ وماهي غاياته من التأليف؟ وهل كتب بتمويل وممن؟ وماهي ادعاءات المصدر وانحيازاته؟ وغيرها، علمًا أن الكتاب غني بالأسئلة المعينة لفحص كل نوع من المصادر والمراجع المكتوبة والمسموعة والمرئية.
- من أساليب تقييم المصادر المقارنة بينها، ومعرفة اتجاهات المؤلف.
- يقرأ المؤرخون مصادرهم بدقة لكشف دلائل تناقض المصدر مع نفسه.
- انتبه إلى أن كل نص محقق أو محرر يعكس إلى حدٍّ ما اهتمامات المحقق أو المترجم وخبراتهما، ولمقدمة المحقق أو المحرر أهمية توضيحية عن النص، وعن مقاصدهما.
- من المهم قراءة المراجع قراءة ناقدة وتحليلية مثلما نفعل مع المصادر، فالمراجع تعين على معرفة كيف فسر المؤرخون مصادر زمن موضوع الدراسة.
- انتبه لتاريخ النشر في المصادر والمراجع حتى تفهم السياق السياسي، والاجتماعي، والثقافي، وقت نشر المصدر أو المرجع.
- كلما اكتسبت الخبرة في البحث التاريخي سيكون بمقدورك تحديد المراجع القديمة التي لا تزال مفيدة.
- احذر من بعض أنواع الجزم التي تضاد المنطق، وهي أشبه بالتعميم الطائش.
- ضع في حسبانك هذا السؤال: هل العلاقات بين المسببات والآثار الموصوفة منطقية؟ وتيقظ للمغالطات المنطقية.
- ادرس كيف يتعامل أي مؤلف مع الأدلة المضادة لحجته.
- فرّق بين المراجع ذات الشعبية بين القراء وبين المراجع العلمية التي كتبها متخصصون.
- إذا كان المصدر على الانترنت فقط فلابد من الحذر المضاعف عند تقييمه.
- تتطلب مواد التاريخ قراءات كثيرة متنوعة؛ فالقراءة هي الواجب الذي ستواجهه باستمرار.
- القراءة والكتابة عمليتان متصلتان، وعندما تشرع في الكتابة ستبرز لك أسئلة جديدة.
- إن قراءة كتاب في التاريخ ليست للمتعة؛ فليس كافيًا أن تقرأ وإنما لابد أن تقرأ ببطء سطرًا بعد سطر آملًا في جودة الاستيعاب.
- حتى تبلغ أقصى قدراتك في عملك التاريخي لابد أن تصبح قارئًا فاعلًا؛ فتدخل في حوار مع النص، وتطرح الأسئلة، وتدون الملاحظات، وتربط ما قرأته مع معلوماتك السابقة.
- إن القراءة المتأنية والناقدة أساس للمشاركة الفاعلة والبارعة في النقاشات أثناء الدرس، أو لكتابة بحث ناجح.
- عندما تقرأ ساءل النص باستمرار؛ فطرح الأسئلة الخاصة بالنص تساعدك على أن تقرأ باهتمام وفطنة، وبنمط ثقافي رفيع.
- إذا كتبت ملخصًا اجعل الكلمات والعبارات منك أنت.
- في تعاملك مع المصادر والمراجع عدَّ نفسك محققًا يستجوب شاهدًا غير متعاون.
- ضع في حسبانك أن تحليل المصادر ليس اختصارًا لها.
- تتطلب القراءة الفاعلة أن تبقي أطروحة المؤلف نصب عينيك.
- لأن عمل المؤرخ منغمس في سياق اجتماعي وثقافي معين، فإن التفسير والمنهج التاريخيين يتغيران مع مرور الزمن.
- يجب أن تراجع ما دونته من ملحوظات عن الكتب باستمرار.
- أثناء الكتابة احتفظ بتركيزك على موضوعك، واحترم أشخاصه حتى لو خالفتهم، ولا تعمم، ولا تتحامل، واحذر من تقديم تفسيرات لا توائم إطارها التاريخي.
- أثناء الكتابة التاريخية كن واعيًا لميولك الشخصية كي لا تقود طريقة تفسيرك للماضي.
- الأطروحة هي عرض يوضح ما توصلت إليه في بحثك، وتبنى على تحليل نقدي، وتفسير للمادة العلمية من مصادرها.
- تذكر أن القضايا التاريخية قلما تكون واضحة المعالم.
- لن تضعف بحثك إذا اعترفت بوجود أدلة معارضة، بل على العكس فأنت تقويه.
- من المقبول جدًا أن تخالف تفسيرات الآخرين.
- ستكون مقالتك التاريخية أقوى إن فهمت النقاشات المعارضة ورددت عليها بإنصاف وموضوعية.
- إذا اكتشفت معلومات لا تدعم أطروحتك فلا تكتمها بل أخبر عنها.
- كن متقبلًا لكون استنتاجاتك الأولية بحاجة إلى تعديل.
- أحد أكبر الأخطاء في أي واجب كتابي هو ألّا تتيح لنفسك وقتًا كافيًا لتعديل عملك وتنقيحه.
- حتى تبدأ بتنقيح بحثك تحتاج إلى قراءته نقديًا كما لو كان عملًا لشخص آخر.
- تأكد وأنت تكتب بحثك وتنقحه أن عملك يظهر بوضوح أنك استخدمت عادات التفكير الجيد.
- تجنب الكلمات المحملة بالدلالة مثل متخلف ومتحضر، وحاول فهم أناس الماضي وفق بيئاتهم وليس بمقاييس الحاضر ومعاييره.
- كتابة البحث نشاط مركب، لا يسير في نمط خطي تتابعي خطوة بخطوة، فالبحث الحقيقي يتطلب تفاعلًا مستمرًا بين التفكير والقراءة والكتابة.
- عليك أن تسأل سؤالًا تاريخيًا ذا معنى يستدعي تحليلًا وتفسيرًا، ويستثير بعض النقاش.
- تقودك قراءة المراجع إلى مصادر مهمة وذات علاقة.
- يجب أن تعكس مراجعك توازنًا في المواد العلمية.
- بينما تمثل الكتب مصادر ثمينة، إلّا أنه يجب ألّا تقصر بحثك عليها.
- عندما تبدأ في جمع المصادر، أبقِ سؤالك البحثي حاضرًا في ذهنك دومًا.
- إن سمحت لنفسك أن تنشغل بسحر المادة العلمية التي لا علاقة لها بسؤالك البحثي فسوف يفقد بحثك تركيزه، وتجد صعوبة في تسليمه بوقته المحدد.
- احتفظ بمواضع اقتباساتك؛ فلا شيء أكث إحباطًا من اكتشافك أنك تفتقد رقم الصفحة لاقتباس مباشر تريد أن تستخدمه.
- الاستعداد لتعديل أطروحة مبدئية ما، استجابة لعملية البحث، هي السمة المميزة للمؤرخ الجيد.
- يمكنك في البحث التاريخي أن تخوض تجربة متعة التفسير والاكتشاف الأصيل.
- يُعدُّ الانتحال، باختصار، اعتداءً أكاديميًا خطيرًا جدًا.
- أنت ملزم بالاعتراف بإسهامات الآخرين وأفكارهم فيما توصلت إليه.
- يفترض البعض بالخطأ أن الاقتباسات المباشرة هي الاقتباسات الوحيدة التي يشار إليها.
- عليك أن تذكر مصادرك عندما تستخدم تفسيرات آخرين، وأن تفصح عن المصدر في أي وقت تستخدم معلومات مأخوذة منه.
- لإعادة صياغة حقيقية عليك أن تغلق المصدر وتلخص بكلماتك أنت، ثم عد لمصدرك للمقارنة وللتأكد من انتفاء الخلل والنقص.
- تُعدُّ الاقتباسات جزءًا مهمًا من الكتابة التاريخية، وتشعر قراء بحثك بعلمك عن الوضع الحالي للبحوث في موضوعك.
- لا تقتبس إذا كان بإمكانك أن تعيد الصياغة.
- اقتبس فقط إذا كانت كلمات النص جديرة بالتذكر، وعباراتها بليغة أخاذة.
- استخدم الاقتباس الطويل إذا كان لديك سبب يجبرك على ذلك.
- تجنب الإغراء بحشو قائمتك بالمراجع، وضع فيها ما استخدمته فعلًا.
- في الدليل فوائد جمة عن القراءة، الكتابة، المقارنة، المراجعة، التحرير، تحديد الأسئلة، البحث في الأرشيف والمجلات والانترنت، فن كتابة الملحوظات، التلخيص، اليوميات البحثية، الانتحال للحذر منه، الاقتباس، الصياغة، مهارات البحث والتفكير، والمخطط التمهيدي.
إن التاريخ ليس جمع معلومات مهمة حدثت في زمن مضى فقط، ولكنه كما تقول المؤلفة أكبر من ذلك، فهدف المؤرخ ليس جمع حقائق عن الماضي فقط، وإنما أن ينفذ ببصيرته إلى الأفكار، ويكتشف الخبرات البشرية الغنية، ويعرف كيف أصبحنا على ما نحن عليه، وينجح في النظر لعالمنا بعيون مختلفة تعين على فهمه وفهم الآخرين، كي يتمكن هو وغيره من توقع المستقبل؛ ذلك أن علم التاريخ علم مركب، ودراسته دائمًا منشطة ومثيرة للاهتمام.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الجمعة 05 من شهرِ ربيع الآخر عام 1445
20 من شهر أكتوبر عام 2023م