أنجح طريقتين للاستثمار في الأسهم!
أعمارنا ليست مجموع أيام الدنيا فقط، وأعمالنا ليست التي نفعلها وتنتهي فقط، فالعمر ممتد إلى قيام الساعة لكنه بدون عمل، والعمل مستمر حتى البعث مع غيابنا الحتمي عن مسرح الحياة. وإن السعيد كل السعادة من غرس له سهمًا في باب من أبواب الخير أو أكثر، والموفق كلّ التوفيق من امتنع عن الإسهام في أيّ صنف من أصناف الشر، أو انتزع سهامه التي فيها؛ مهما كان للنزع من ألم وصعوبة، فقلّما يعتني أحد بطمس آثار سالفيه التي لا تسرهم ولا تنفعهم؛ وقد صدق الأوائل حين أوصوا الظفر بالظهر حكًا؛ لأن غيرك لن يجتهد هذا إن بادر من الأصل!
أقول ذلك مستشعرًا ماورد في حديث مرفوع بعدة روايات يرى بعض أهل العلم أنه يتقوى بطرقه، ويرتقي إلى درجة الحسن، ومن ألفاظه التي ورد فيها: “إنَّ اللهَ يُدخِلُ بالسَّهمِ الواحِدِ ثلاثةَ نَفَرٍ الجَنَّةَ: صانِعُه الذي يحتَسِبُ في صَنعتِه الخَيرَ، والذي يُجهِّزُ به في سَبيلِ اللهِ، والذي يرمي به في سَبيلِ اللهِ”، وبنفس المعنى ولكن من الجهة المقابلة ما ورد في الحديث الصحيح:” لعن اللهُ الخمرَ وشاربَها وساقِيَها وبائعَها ومبتاعَها وعاصرَها ومعتَصِرَها وحاملَها والمحمولةَ إليه”، فالأول يحثّ على مشاركة مأجورة، والثاني يردع عن شراكة مأزورة.
كما استرجع أحاديث شريفة لها من المعاني ما يقترب من هذا، منها حديث الرجل الذي أبعد غصن شجرة عن طريق الناس فتقلّب بسببها في الجنة، أو المرأة البغي التي أسقت كلبًا يلهث من العطش فدخلت إلى الجنة، أو الرجل الذي تصدق على غني وسارق وزانية، أو حديث الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار فتضرعوا لله بصالح أعمالهم من الخبيئات، أو ماورد في أحاديث أهوال يوم القيامة إذ يأتي العمل أيًا كان؛ فينقذ صاحبه من النار، ويصرف عنه لفحها ولهيبها، أو حديث دخول النار بسبب قطة منعتها صاحبتها من البحث عن الطعام ولم تتكفل بها، وأكثر هذه الأعمال عظمت بما قام في القلب حين فعلها من إخلاص وصدق ورحمة ورجاء نفع عام.
فيا نفس، ويا أيها القراء، ما أجدرنا بعمل صالح مبرور يبقى، حتى لو كان هذا العمل فكرة يقوم بها غيرنا، أو إنسانًا يُصنع فيجري الله على يديه خيرات حسان ومكارم عظام بما علّم ومكن، ولنا في ذلك يد ولو كانت قصيرة. ومثله إبداء الرأي في مساندة الخير ومشروعاته وأهله، وتبصير الآخرين بمكامن الشرور ومآلاتها، وما أكثر طرق الحسنات ومنافذها ودروبها، وإن الحلال بيّن، والحرام بيّن، والذي ينقصنا العزيمة بعد التوكل؛ فاللهم وفقنا لعزيمة راشدة ماضية، تردي ما في النفوس من تردد وتوهم وخور.
هذا وإن أجر العمل الصالح واضح لا يحتاج إلى بيان، لكن أجر فقه العمل قد لا يفطن له بعضنا، وربما عدّه بعض الناس من المآثم وهو إلى المغانم أقرب، ومن أمثلته امتناع ابن تيمية عن الإنكار على جنود الغزاة المغول السكارى؛ لأن في يقظتهم قتل وفساد، ومن الأمثلة المعاصرة منع مدير جامعة مختصة بالعلوم الشريعة إقامة برنامج قصير في تخريج السنة النبوية؛ كي لا يتجرأ حدثاء الأسنان على أحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وهذا باب من الفقه العميق، والبصيرة بالمقاصد مع صدق النية، ويقتضي تقديم خير الخيرين فهو أولى من ضياعهما معًا، ويلزمنا الصيرورة اضطرارًا إلى أقل الشرين حتى لا يقع الواحد منهما تلو الآخر، وعلى الله قصد السبيل؛ حتى يجتمع الخير مع الخير الأعظم، وينقمع الشر مع الشر الأصغر.
فاللهم يا مولانا ألهمنا إرسال سهامنا الصائبة إلى حيث المرابح والمكاسب والقبول من عندك والمضاعفة، وقونا على هجران ما لا يرضيك أيًا كان، ومحو ما تبقى مغارمه وآثامه وإن أحبه أكثر الناس. واجعلنا مفاتيح خير مغاليق شر، بالسمت، والفعل، والقول، حتى نغدو شركاء للصالحين المصلحين أنفسهم وخياراتهم ومجتمعاتهم، ونصبح من الذين آتاهم الله في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وجعلهم للمتقين إمامًا، وذلكم لعمركم من أرقى مقامات الاصطفاء وأسناها، فما أكبر حظوظ أولئك القوم بالأجور التي تزداد ولا تنقص، وتستمر ولا تنقطع.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الخميس غرة شهر صفر عام 1445
17 من شهر أغسطس عام 2023م
One Comment
سلمت بنانك
نِعَمَ ما كتبت أناملك
وعظتَ وأجملتَ فأحسنتَ الصنيع 💐