نفحات من أسماء الله الحسنى!
تقدس الله ربنا سبحانه وتعالى، وتقدست أسماؤه الحسنى، وصفاته العلى، المتنزهة عن الشبيه والمثيل، وعن أي نقص أو إلحاد بتعطيل أو إشراك أو نكران، فيا لها من أسماء تجلب الأنس والانشراح مهما أحاط بالنفس من أغلال وأسوار، أو نزلت بالمرء كآبة من إثم أو كَبَد. ولك أن تتأملها حين تناجي مناديًا “الله” أو “ربي”، فتتلاشى بعدها الهموم، ويستحيل الضعف إلى قوة، والعجز إلى قدرة بحول الله. ولقد حثّ ربنا في القرآن الكريم غير مرة على دعائه، والابتهال إليه، سواء دعاء تقديس أو دعاء مسألة، على أن يكون الدعاء بالأسماء الحسنى الثابتة بالكتاب العزيز أو السنة المطهرة.
لأجل هذا اجتهد عدد من علماء الإسلام في كتب التفسير، أو العقيدة، أو في مصنفات مفردة، بحصر هذه الأسماء الحسنى، وبيان معانيها، والإشارة إلى فقه التعبد والدعاء بها، مع بيان أعداد ورودها في القرآن وأحواله مقترنة أو بدون اقتران، والموفق من إذا مرّ بآية من القرآن الكريم، وفيها دعاء أو عطاء أو وعد أو وعيد أو غير ذلك من هذا الباب، فحرص على استخدام الأسماء الحسنى الواردة ضمن تلك الآيات في مناجاته وابتهاله، وإن هذا لمن فقه التدبر، وفقه الدعاء.
ففي آخر ثلاث آيات من سورة الحشر تعريف مهيب بربنا سبحانه وتعالى، فهو الله بما له من أسماء حسنى وصفات عليا، وبعضها مذكور في هذه الآيات التي تملأ النفس باليقين والطمأنينة: ” هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ۚ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)”، وقد سمعت من سأل الله بهن في كروب ومضائق ففتحت له أبواب لم يكن أشد الناس تفاؤلًا يحلم بها.
وتأمل رعاك الله جواب الملائكة الكرام -عليهم السلام- للخليل إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- ولزوجه؛ لتجد أنه جواب أمرهم به الله جلّ في علاه، وألهمهم إياه؛ فلو استعظمت أمرًا حتى بعُد على خيالك، فسله مولاك، واطلبه من ربك “الحكيم العليم”؛ فليس يعجزه شيء سبحانه الذي ختم آيات حوار الملائكة مع الخليل وزوجه بقوله تعالى: ” قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ”. وفيما بعد ابتهل حفيد الخليل يعقوب -عليهم السلام- لربه سائلًا عودة أبنائه الغائبين الثلاثة؛ فإذا غاب لك غائب حتى أيست من عودته؛ فعليك بتكرار دعاء نبي الله يعقوب عليه السلام حين غاب أولاده فدعا ربه: ” عَسَى اللَّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ”.
كما نرى أنه ورد في آية الكرسي وهي أعظم آية في القرآن الكريم خمسة من الأسماء الحسنى لربنا وخالقنا هي: “الله، الحي القيوم، العلي العظيم”؛ فادعوه يا قوم بها والله يتقبل ويستجيب دعاءكم ودعاء المضطر. ومن اللافت كذلك أن اسم الله سبحانه وتعالى “الواحد” يأتي في القرآن مقترنًا مع اسمه “القهار”، فهو سبحانه واحد لكنه ليس قاهرًا فقط؛ بل قهّار، يقهر كل شيء، ويعلو أمره فوق أي شيء، ولا يعجزه شيء مهما كان؛ فاللهم يا واحد يا قهار، سخر لنا الصعاب، واقهر لنا الشدائد الصلاب.
ثمّ إذا انفردت يا عبدالله بمالك الملك في ساعة إجابة، أو وقت خلوة، أو حال فيه لذاذة بالمناجاة، فلك أن تجعل نصيبًا من الدعاء حال التذلل بأن تسأل الله الكريم سبحانه من خزائن رحمة ربك “العزيز الوهاب” حسبما جاء في آية قرآنية كريمة، ولك أن تلاحظ أنه حين عبّر أهل الجنة عن اغتباطهم بإجابة دعائهم في الدنيا، وصفوا الله جل جلاله باسمه “البر” -وهو الموضع الوحيد الذي ورد فيه هذا الاسم في القرآن- وقرنوه مع اسمه “الرحيم”، وما أكثر ما كانوا في دنياهم يدعون ربهم البر الرحيم.
وربما تشير هذه الآية “بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ وَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ” إلى فضل الدعاء بقولنا يا “بديع السموات والأرض”، ثم نطلب من ربنا ونرجوه، فإنه إذا قضى أمرًا قال له “كن فيكون”، وما أهون الأمر عليه إذ يحدث بأمر من حرفين فقط بلا معقب ولا مانع ولا راد ولا تراتيب تعوق أو تمنع. وفي القرآن الكريم سبع آيات تخبر بوضوح أن أمر الله قريب سريع يسير عليه، فهو سبحانه يريد ثم يأمر بقوله “كن” فيكون مباشرة، ولذلك فيا عباد الله لا تستعظموا الطلب أيًا كان، أو تستبعدوا أيّ احتمال غير محال، ودون اعتداء في الدعاء، والله يلهمنا وإياكم المناجاة ولا يحرمنا الإجابة.
وإذا سألت الله أن يكفيك همًا، أو عدوًا، أو حالًا، أو مآلًا، فابتهل باسميه “السميع العليم”؛ فبهما يستعاذ من الشيطان وحزبه، وبهما يُرجى من الله القبول اقتداء بأبوينا إبراهيم وإسماعيل -عليهما الصلاة والسلام-: ” رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ”. ومن الفقه أن نتعبّد لله بالدعاء باسميه “الواسع” و“العليم”، مع سؤال الله المغفرة والفضل، والاستعاذة من الفقر والفحشاء، ومن الحكمة في الدعاء بعد بذل الأسباب ابتغاء الرزق من خالقنا “الغني الحميد”، “الرازق الرزاق”، فإنه “المعطي الكريم الوهاب”، وهو “خير الرازقين”، وإنه “الرزاق ذو القوة المتين”.
وكلنا نطلب من ربنا كشف الضر، وإصابتنا بفضله وخيره، وما أنفع الدعاء لاستجلاب ذلك تعبّدًا لله باسميه “الغفور الرحيم”؛ ليغفر الله لنا تقصيرنا وأخطاءنا، ويرحم ضعفنا وحاجتنا. ومن منا لا يبحث عن المودة في بيته ومع أهله وخاصته، وله حينذاك أن يدعو الله “القدير الغفور الرحيم” بتحقيقها، فهو القائل جلّ وعز: ” عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً ۚ وَاللَّهُ قَدِيرٌ ۚ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”، ولا تغفلن أيها المؤمن عن نشدان الصفح والتوبة من وليّ نعمتك ومالك أمرك اقتداء بالخليل وابنه الذبيح إسماعيل -عليهما السلام- حين قالا: “وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ”.
إن الأمر المهم ليس الاكتفاء بهذه الأمثلة، وإنما استحضار القلب حين تلاوة القرآن الكريم، والتبصر بمواضع الأسماء الحسنى فيه، وسوف يجد المتدبر من الدلائل الواضحة ما يفتح الله تعالى به عليه في الدعاء والسؤال والتعظيم. ومن هذا الباب أن يعتني المسلم بكتب التفسير، أو كتب الأسماء الحسنى، ويقرأ أيسرها عليه، فما أعظم ربنا الكريم الوهاب، وما أعظم أسمائه الحسنى التي يوفق للدعاء بها الصالحون والتائبون والقانتون، فاللهم إنا نستغيث بك، ونستعين ونستهدي ونستنجد، ونسألك باسمك الأعظم أن تتقبل منا، وتوفقنا لما تحب، وأن تستجيب الدعاء والنداء، فأنت يا مولانا نعم المجيب، وتجيب المضطر وتكشف السوء، فاللهم يا ربنا يا ربنا يا ربنا يا ربنا يا ربنا استجب.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
ليلة الاثنين 22 من شهرِ ذي الحجة عام 1444
10 من شهر يوليو عام 2023م
One Comment
هذا الموضوع مهم جدا ، بارك الله فيك ونفع بك