أدعية نبوية خاصة!
دعاء الرب العظيم القدير -سبحانه وتعالى- عبادة عظيمة يحبها خالقنا ورازقنا وولي نعمتنا كلها، ولا تنقص إجابتها من ملك الرحمن شيئًا ولو استجاب للخلق قاطبة. وللدعاء أحكام وآداب وسنن، وله أوقات وأحوال وأمكنة، ولهذه المسائل أبواب ومحاضرات يمكن العودة إليها؛ فما أكرم الرب العظيم – تقدست أسماؤه- الذي يحب الدعاء، بل ويحب من دعاه متضرعًا حتى ألح عليه وكرر ولم يستعجل.
وفي القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة أدعية كثيرة جمعها بعد التتبع غير واحد من العلماء القدامى والمعاصرين في كتب مختصرة يمكن الرجوع إليها لمن شاء الدعاء بجوامع الكلم، مع استحضار القلب حين الدعاء؛ لأن القراءة قد تصبح مظنة التشتت أحيانًا، والله لا يقبل الدعاء من قلبٍ لاهٍ لا يعي صاحبه ما يجري على لسانه. وفي أدعية الأنبياء القرآنية أسوة، وفي تضرعهم باسم الرب قدوة، وفي الأسماء الحسنى الواقعة في خواتيم الآيات باب من فتوح الدعاء وفيوضه التي ينبغي العناية بها، ولعلي أن أوفق لمقال توضيحي حولها.
ومما ورد في السنة النبوية المطهرة أدعية خصّ بها النبي عليه الصلاة والسلام المقربين منه بناء على طلبهم أو سؤالهم، وهي وإن اختلفت في ألفاظها إلّا أن معانيها داخلة في مجموع الأدعية النبوية لعامة الناس، وفوق ذلك فهي معلنة للناس كافة لوجوب البلاغ، فقد كان رسولنا وإمامنا مؤديًا للأمانة، ناصحًا للأمة، وصدق الرب الجليل -عز وجل- حين وصفه بأنه حريص علينا، ورؤوف رحيم بنا، فاللهم صلِّ وسلِّم عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه إلى قيام الساعة.
فمن تلك الأدعية الصحيحة أنه أجاب زوجه الصديقة وأحب الناس إليه عائشة بنت أبي بكر-رضي الله عنهما- حينما سألته-صلى الله عليه وسلم-، عن دعاء تدعو به في ليلة القدر قائلة: يا رَسولَ اللهِ، إنْ وافَقتُ لَيلةَ القَدرِ بِمَ أدعو؟ فقال: “قولي: اللَّهمَّ إنَّكَ عَفوٌّ تُحِبُّ العَفوَ فاعْفُ عَنِّي”. وفي حديث آخر طويل دون تحديد وقتٍ بعينه، أوصاها النبي الكريم -عليه الصلاة والسلام- قائلًا: “يا عائشة، عليكِ بجوامع الدعاء: اللَّهمَّ إنِّي أسألكَ من الخيرِ كلِّه عاجلِه وآجلِه، ما علمتُ منه وما لَم أعلم، وأعوذُ بكَ من الشرِّ كلِّه عاجلِه وآجلِه، ما علمتُ منه وما لَم أعلم، اللَّهمَّ إنِّي أسألكَ مِن خيرِ ما سألكَ منه محمدٌ عبدُك ونبيُّك، وأعوذ بك من شرِّ ما عاذ منه عبدُك ونبيُّك، اللَّهمَّ إنِّي أسألكَ الجنَّةَ وما قرَّب إليها من قول وعمل، وأعوذ بك من النارِ وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، وأسألكَ ما قضيتَ لي من قضاءٍ أن تجعلَ عاقبتَه رشداً “.
أما حين طلبت ابنته والشبيهة به فاطمة -رضي الله عنها- من أبيها النبي -صلى الله عليه وسلم- خادمًا كي يعينها على خدمة زوجها وبيتها، أجابها النبي معلمًا لها ولزوجها وابن عمه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- فقال: “ألا أدلكما على خير مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما أو أويتما إلى فراشكما؛ فسبحا ثلاثًا وثلاثين، وأحمدا ثلاثًا وثلاثين، وكبّرا أربعًا وثلاثين؛ فهو خير لكما من خادم”؛ فيا معشر الرجال والنساء دونكم هذا القول الفصل، والنصيحة الثمينة، وسوف تجدون تأثير هذا الدعاء الكبير والمعين لكم فيما تستقبلون من عمل، فقد لا يستطيع كل أحد على الخادم وكلفته، وما أعظم بركة الدعاء والتقديس.
وعن سبطه الحسن بن علي -رضي الله عنه وعن والديه- قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول هؤلاء الكلمات في الوتر: “اللهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ؛ إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْكَ، وَلَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ”، وهذا الدعاء الجامع لخير الدنيا والآخرة تضج به المحاريب في وتر صلاة التراويح ليالي شهر رمضان المبارك، وهو خير من الأدعية المصنوعة والمسجوعة.
وروي في صحيح البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلم- كان يُعوذ الحسن والحسين -رضي الله عنهما- ويقول: “إن أباكما كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة”، وعند نزول المعوذتين أي سورة الفلق وسورة الناس، أخذ بهما النبي- عليه الصلاة والسلام- وترك ما سواهما، وما أحرانا بتعويذ أنفسنا ومن نحب بهما.
كما جاء أبو الفضل العباس بن عبدالمطلب -رضي الله عنه- إلى ابن أخيه النبي الخاتم فقال له: يا رسول الله عَلِّمْنِي شيئًا أسأله الله تعالى، قال عليه الصلاة والسلام: “سَلُوا اللهَ َالعافية”. ومكث العباس عم النبي أيامًا ثم جاء فقال: يا رسول الله علمني شيئًا أسأله الله تعالى، فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- له: “يا عباس، يا عَم رسول الله، سَلُوا الله العافية في الدنيا والآخرة”؛ فاللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة.
أيضًا سأل الخليفة الأول ورفيق الهجرة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يعلّمه دعاءً يدعو به في الصلاة، فقال صلى الله عليه وسلم له ولأمته من بعده: “قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ”، وكم في هذا الدعاء من افتقار، وطلب للمغفرة والرحمة، وتعبّد لله بالدعاء والابتهال باستعمال بعض الأسماء الحسنى.
كذلك يمكن ضمّ الدعوات التي دعا بها النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابة إلى هذا المعنى؛ فمنها عندما نزل ضيفًا عند عبدالله بن بسر -رضي الله عنه- وطعم عنده، وقال له عبد الله بن بسر ادع الله لنا، فقال: “اللهم بارك لهم فيما رزقتهم واغفر لهم وارحمهم”. ودعا لابن عمه عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- حينما قرَّب له وضوءًا فقال: “اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل”، واقترض من عبد الله بن أبي ربيعة -رضي الله عنه- ثلاثين أو أربعين ألفًا قبيل غزوة حنين، فلما قدم قضاها إياه، ثم قال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: “بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد”.
اللهم يا ربنا ارزقنا الاهتداء بالوحيين الأقدسين، ووفقنا لاتباع النبي الكريم وهديه وطريقته، ويسر لنا النهل المباشر على علم وبصيرة من القرآن والسنة، وتقبل منا الدعاء والمناجاة يا مولانا؛ واقذف في قلوبنا رجاءك، واقطع رجاءنا عمن سواك، حتى لا نرجو أحدًا غيرك. اللهم ما ضعفت عنه قوتنا، وقصر عنه عملنا، ولم تنته إليه رغبتنا، ولم تبلغه مسألتنا، ولم يجر على ألسنتنا مما أعطيت أحدًا من الأولين والآخرين من اليقين فخصنا به يا رب العالمين، آمين.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
ليلة السبت 20 من شهرِ ذي الحجة عام 1444
08 من شهر يوليو عام 2023م
One Comment
جزاك الله خيرا ، بارك الله لك فيما يجود به قلمك كما عودت قراءك ومتابعيك ، من كتابة المقالات القيمة المفيدة ، جعل الله العلي القدير لك الثواب لك ولوالديك ، طبعتها لأقراها يوميا