إدارة وتربية سير وأعلام

أربعة شباب وأربع رسائل!

أربعة شباب وأربع رسائل!

خبر مقضٍّ حزين توارد على هاتفي منذ بواكير الصباح، ومضمونه الموجع أن أربعة من الشباب الصالحين انتقلوا إلى الرفيق الأعلى، وسوف يُصلى عليهم اليوم، وهم: الحسام الفاضل، وعبدالعزيز التويجري، وريان القاسم، وعمار الربيعان، وجاء رحيلهم الفاجع بعد حادث سير لم يمهلهم، وقضاء الله نافذ لا مرد له؛ فاللهم ارحمهم، واربط على قلوب آلهم وذويهم، وعوضهم عما فقدوه خيرًا وأعظم أجرًا.

وقد اجتمعت لهؤلاء الشباب اليافعين من المحاسن ما يغبطون على مثلها، إذ أحسب أنهم ممن يصدق عليهم وصف الشاب الناشئ في طاعة الله، وهذا الشاب واحد من سبعة يظلّهم الله تحت ظلّ عرشه يوم لا ظلّ إلّا ظله، ولعلهم نالوا من الصفات الأخرى ما يجعلهم من هؤلاء السبعة بأكثر من طريق بفضل من الله وجود؛ فهم متحابون في الله التقوا عليه في حلقات القرآن ومحاضن التربية؛ ثمّ افترقوا على هاتيك المحبة السامية وهم في رحلة بريئة يحتسبون عند الله أجرها، وهذا من ثمار الصحبة الصالحة ويا حسرة من يزهد فيها، وما أسعدهم بدعاء الباقين من الرفقة. ولعلّهم ممن تعلّق قلبه بالمساجد خير بقاع الدنيا، ولم تنصرف منهم القلوب إلى مفاتن متوافرة متناثرة جعلت الشيخ الكبير يتصابى، والمكتهل الرشيد يفتقد رزانته.

كما أنهم من أهل القرآن الذين صرموا أعمارهم القصيرة في رحاب كتاب الله العزيز، تلاوة وحفظًا ومشاركة في حلقاته المباركة المتوارثة من أول تدارس ثنائي بين نبينا محمد صلى الله وعليه وسلم والروح الأمين جبريل عليه السلام، وستبقى هذه الحلق قائمة إلى قيام الساعة، وأقسم لكم غير حانث ولا مفنّد بأن للقرآن الكريم بركة عظيمة جعلت أوراق المصحف مقدسة لا يمسها غير طاهر متطهر، وطردت آياته الشياطين، وكانت هدى للمتقين، وشفاء لصدور المؤمنين، ويوم القيامة يقرأ صاحب القرآن ويرتقي فأيّ فوز وأيّ مكسب؟!

ثمّ إن وصف الشهيد ليتسع حتى يشمل غير المجاهدين المقاتلين في سبيل الله كما صح بذلك الخبر عن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، وللشيخ الإمام عبدالعزيز بن باز قول خلاصته أن من يموت في حادث سير فهو شهيد إن شاء الله؛ لأنه في حكم صاحب الهدم، طبقًا لما أورده الشيخ د.عبدالعزيز الشايع في حسابه العلمي التربوي النافع جدًا على منصة تويتر، وإنه لحساب جدير بأن يقتبس من أنواره المتصلة بالوحي الشريف قرآنًا وسنة.

وأكاد أن أجزم بأن السؤال عن حال هؤلاء الفتية ربما يكشف لنا المزيد من المآثر والمناقب الباهرة، ولعلّها مدونة في صحائفهم بأيدي ملائكة كرام سفرة، ويعلمها ربنا الذي يتقبل الصالحات وينميها، وكفى بهذا القبول مطلبًا ومرادًا؛ فكم من خير فعلوه، ومنكر رفضوه، ومستغيث أنجدوه، وخفايا الصالحات في السجلات عند ربّ البريات محفوظات في كتاب لايغادر صغيرة ولا كبيرة. وعسى أن يكون الذكر الحسن المجتمع لهم، والتفاعل مع رحيلهم المباغت، مئنة على القبول، وشهادة من الخلق بالحقّ، وأثر مودة قذفها الله في القلوب لهم دون أن نراهم أو نعرفهم، وبلا سيل من الدعاية والتلميع.

ومما لا يترك في هذا الموضع بحكم الضرورة بعد عزاء والديهم، وأسرهم الكريمة، ومن ارتبط بهم بسبب أو نسب، وعقب سؤال الله لهم السلوى والصبر، وللراحلين عالي الدرجات، أن نثني على تربية تلك البيوت بمن فيها من آباء وأمهات وإخوة وأخوات ومن سواهم، فبمثل هذه التربية نحافظ على أنفسنا، ونقيها ونقي أهلنا نارًا وقودها الناس والحجارة، وبمثل هذه التربية نضمن حسن العهد من الذرية لنا أحياء وأمواتًا، وبمثلها نعذر إلى الله ثمّ إلى المجتمع والتاريخ، ونبقي على عراقة أسرنا.

وبعد فيا أيها الفتية الفرسان، والإخوة الأتقياء، يامن صبروا على الطاعة وعن المعصية وعلى السخرية، يامن غادروا الدنيا الفانية في زمن غيث وماء من السماء منهمر، وهل أطهر وأكرم من ماء المطر وهو ماء طهور مبارك حديث عهد بربه؟! ولعلّ أرواحكم السجيحة أن تصعد لمولاها بعد أن توارى أجسادكم تحت التراب، وما هو بعزيز على الله أن يقبل منكم أحسن الذي عملتم، ويتقبل صبركم عن المعاصي والآثام وأنتم في مرحلة اضطرام وتوقد، والفتن قد ظهرت أمامكم بلا عناء ولا تطلّب حتى بدت أرجلها وليس رؤوسها فقط، والله يثبتكم بالقول الثابت، ويلهمكم الحجة المنجية.

إيهٍ يا حسام: قد حسمت الأمر لصالحك بإذن الله! ومن بدت فضائله نجا.

إيهٍ يا عبدالعزيز: إنما العز في طاعة الرحمن ومراضيه! وما أربح التجارة مع الله.

إيهٍ يا ريان: إن في الجنة باب الريان ومعه أبواب أخرى تنتظر! وحوض أبي القاسم ينتظر.

إيه يا عمار: لقد علمت علم اليقين أن العمار في الآخرة وليس الدنيا! فالآخرة ربيع مزهر.

اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم، واخلف على أهاليهم وحلقاتهم ومجتمعهم وعلينا بخير.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

السبت 07 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1444

31 من شهر ديسمبر عام 2022م

Please follow and like us:

22 Comments

  1. اللهم ارحمهم واغفر لهم وثبتهم عند السؤال واجمعهم مع الصديقين والشهداء هم وكل أموات المسلمين

  2. سلام عليكم ورحمة الله..
    وطيب الله مساءك بالرضا عن الله وبه.
    أخي الأستاذ الكريم أحمد:
    قرأت ما سطرته أناملك في فقد هؤلاء الشبيبة، وبان لي بين السطور حزن عميق، وإحساس مرهف تحمله تجاههم، إلا أنك تواريه بتجلد المؤمن، ومصابرة الموقن، فما أروعك!

    ولعلي أبثك ما وجدته من مشاعر حزن كثيف دهمتني منذ علمت بوفاتهم، وأنا لا أعرفهم، فلعله هاجس الأخوة الإيمانية، في مثال الجسد الواحد، وجاء مقالك مسلياً، مذكراً، وأحسب طائف الحزن الذي ألم بي باعثه ما قيل عنهم من فضل واستقامة، فضرب لنا الواحد منهم في حسن سيرته وقصر عمره أصدق المثل في زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى أمثال هذه الناشئة، وكأنما عناهم شوقي بقوله في رثائه شاباً لم يمتع بعمره:

    حَييتَ فكنتَ فخار الحياة
    ومتَ فكنت فخار السيرْ
    عجيبٌ رداك وأعجب منهُ
    حياتك في طولها والقصر!
    حياتك كانت عظات لنا
    وموتك بالأمس إحدى العبر
    سقتك الدموع فإن لم يَدُمنَ
    كعادتهن سقاك المطر

    شكر الله لك ما كتبت، وغفر لهؤلاء، وجعل ما استقبلوا خيراً مما فقدوا، ونسأله أن ينزلهم دار الكرامة الأبدية، وأن يسبغ على أهليهم من سلوانه وثوابه وحسن خلفه ما هو أهل له، فهو المؤمل في كل خطب، وإليه المفزع في كل نازل، وكفى به.
    محبك/ عثمان بن عبدالعزيز العسكر.

    1. مؤرخنا وأديبنا العزيز الشيخ عثمان العسكر: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ثم شكر لكم هذا التعليق الثري الذي فيه العظة والسلوان، والله يرعاكم.

  3. لافض فوك اخي عبدالمحسن وغفر الله لهؤلاء الشبيبة وعوضهم في شبابهم خيرا واحسن عزاء اهلهم ووالديهم
    سمعت خبرهم بالامس وانا لا اعرفهم فاحزنني الخبر وشعرت بالم المصاب وعمق الجرح ومرارة الفقد ولكن عزاءنا وعزاء اهلهم انهم قدموا على رب رحيم وهم في خير وعلى خير وقدموا الى خير
    وماعند الله خير وابقى

  4. اللهم اغفر لهم وارحمهم وعافهم واعف عنهم وأكرم نزلهم واغسلهم با الماء والثلج والبرد ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم جازهم با الحسنات احسنا وبا السبات عفوا وغفرنا. اللهم آمين يارب رب العالمين.

  5. رحمهم الله
    أكتب كلامي هذا
    والعَبْرةُ تخنقني
    والدمع يسبقني
    فكلام طويل يختلج في صدري
    واحرف لا تدري بمذا تُسَطِّر
    فأحسن الله عزائنا بهم
    فإن كنت راثياً فارثِ الرجال الأربعه وإلا فلا

    فوالله لا أعرف أحداً منهم إلا بالإسم والذكر العطِر الذين قرأته
    الذي يغبطهم عليه القاصي قبل الداني
    فوالله إن شعوري بفقدهم
    وكأنهم أصحابي بل إخواني
    شعورٌ غريب أصدقك القول ،

    تأثرت بهم وبرحيلهم
    أحسبهم والله حسيبهم ولا أزكيهم على الله
    ختموا حياتهم بالصحبة الصالحة
    والمحبة في الله
    يصدق فيهم قول النبي ﷺ
    أجتمعا عليه وتفرقا عليه
    يعني المحبة في الله
    ونحسبهم بأن الله أحبهم و اصطفاهم لجواره بأن ابعدهم من دنس الدنيا وفتنها وشهواتها ومضلاتها وضلالاتها
    وختموا حياتهم بخير الشهادات
    شهادة ” أن لا إله إلا الله »
    فأي إصطفاء أعظم من هذا ؟
    وبعدها إنتشار خبرهم كالنار في الهشيم
    وذكر الناس العاطر لهم فتلك البشرى المعجله للمؤمن
    ما شهد رجلين لميت بخير إلا وجبت له الجنه
    وانتم شهداء الله في أرضه
    وتلك دعوة إبراهيم عليه السلام
    ( واجعل لي لسان صدق في الآخرين )
    والله ما أرى ذلك
    إلا لخبيئة بينهم وبين الله تعالى
    أسأل الله أن يلحقنا بهم غير خزايا ولا مفتونين

    كفى بالموت واعظاً
    والموت خير واعظ

    فلا نغتر نحن الشباب
    بطول الأمل
    ولنا فيهم خير دليل
    فوالله إنا نطرد منها طرداً
    فلنعد لربنا ونتأهب بالزاد ليوم المعاد

    فهذه خير موعظة لنا
    ودرس لنا فلا يدري أحدهم متى تأتيه منيته
    لعلها اليوم أو غدا
    فهم السابقون ونحن اللاحقون

    { وَتُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ جَمِیعًا أَیُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ }
    [سُورَةُ النُّورِ: ٣١]

    تب وازدد من الصالحات
    قبل أن يفوت الأوان

  6. جزاك الله خيرا أباعبدالمحسن
    ورحم الله الشباب وعوض أهلهم خيرا
    أحدهم زميل ابني في الدراسة ويثني عليه كثيرا
    أسأل الله أن يجمعنا في عليين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)