قراءة وكتابة

مطاردات لذيذة خلف الكتب (9)!

مطاردات لذيذة خلف الكتب (9)!

عجيب أمر بعض ما يكتبه المرء؛ إن في سببه أو في تفاعل الناس معه، فبعد أن كتبت المقال الثامن من هذه السلسلة وجد من الإقبال أزيد مما توقعته، ووردني تعليق قارئة من ليبيا على الجزء الثامن تستحثني فيه على تدوين التاسع، والحمدلله أن جعل في أقطار العرب والمسلمين جمع يتنامى عدده يبحثون عن الكتب وشؤونها، والقراءة وفنونها، والله ينفع بهم جميعًا، مع الدعاء الخالص للدكتورة آمنة لأنها سبب أصيل دفعني لكتابة هذا المقال.

ولا ريب عندي بأن العاشر في الطريق؛ ذلك أن حركة البحث عن الكتب لا تقف، وطرقها لأبوابي من المؤلفين والناشرين والمحبين -بمنة من الله وفضل- لا يكف، والله يجعلها مباركة في نفسها وآثارها ومصيرها، ويهب من الوقت والمعافاة والبركة والتوفيق ما يمكن من القراءة ونفع النفس والآخرين. وإلى أن يتيسر وقت لبناء الطابق العاشر من هذه المنظومة إليكم خبر التاسع منها.

مجلس الوزراء في عدة كتب:

شرعت مرة بتقييد الفوائد التي أجدها فيما يخصّ مجلس الوزراء الموقر، وصنعت لأجل ذلك ملفًا على برنامج الإكسل بأوراق عمل عديدة، حتى غدا أشبه بالمنجم لي فيما يخص هذا الموضوع. ولأجل ذلك بحثت عن الكتب التي تعتني بالمجلس وأعضائه، فوجدت ثلاثة كتب، ولكل واحد منها حكاية.

الأول عنوانه: الوزارات والوزراء في المملكة العربية السعودية: الأحكام والطبيعة القانونية: دراسة قانونية وتاريخية، تأليف: د.عمر الخولي، وقد وجدت نسخة منه بعد استقصاء متعب لدى مكتبة بالرياض، واستطاع الزميل سلمان الدواس الوصول إليه بين أكوام الكتب بمستودع المكتبة عقب ظهر يوم رمضاني قبل ثلاث سنوات تقريبًا.

أما الثاني فعنوانه: رؤساء ونواب وأعضاء مجلس الوزراء السعودي من 02/07/1373 الموافق 16/03/1954م إلى 28/12/1424 الموافق 08/02/2005م، إعداد الدار العربية للعلاقات العامة والخدمات، وعلمت عنه حينما سألت وزيرًا سابقًا عن معلومة تخصّ أحد قدامى أعضاء المجلس فأجابني وأحالني لهذا المرجع، فبحثت عنه في مكتبات تجارية، ورسمية، وفي مكتبات أجهزة حكومية معنية، ولم أتمكن من الوصول إليه مع شكر جميع الذين تعاونوا معي وعذر سواهم. وبعد سؤال وجدت رقم هاتف المشرف على إصدار هذا الكتاب؛ فتواصلت معه من فوري، واجتهد لتأمين نسخة من الكتاب الذي نفدت طبعته الأولى، وأرسلها من جدة، والشكر لا يوفي الأستاذ إدريس الناصر حقه، وأجره على الله.

والكتاب الثالث عنوانه: الوزير السعودي 1349-1441، تأليف م.فيصل بن محمد الجندبي الزهراني، الذي تلطف بإهدائي نسخة منه إبان زيارته لمجلسنا الأسبوعي، ثمّ أهدى نسخة منه لغالب الذين حضروا في المجلس ذلكم اليوم البهيج.

هل أحببت فتاة كاتبة؟:

يحيطني الصديق القريب للنفس خالد المدني بين فينة وأخرى بما يقتنيه من كتب يقع في خلده أنها تهمني، وخلده صائب دومًا، ومن ضمنها هذا الكتاب الباهر في محتواه وعنوانه، وبعد سؤال لم أعثر عليه محليًا، وتكلفة الشراء عبر المواقع ترتفع مع أجرة البريد. ولذا سألت الأستاذ أحمد الخلف فوعد بتدبير نسخة عبر مكتبته الصغيرة حجمًا الكبيرة مضمونًا، وهو ماكان قبيل العيد، والكتاب المقصود عنوانه: إذا وقعت في حب كاتبة، وهو عبارة عن مجموعة مقالات من ترجمة أماليا داود، ومراجعة وليد الشايجي، وتدقيق رفعت فرج.

كتب لافتة العناوين ومجانًا!:

في جلسة أُنس أسبوعية، كان يشاركنا رجل لطيف المعشر، حلو الحديث، ومع أن علاقته معي هي الأبعد قياسًا لآخرين من الحاضرين؛ إلّا أنه انتحى بي جانبًا ذات مرة وقال: عندي لك مجموعة من الكتب، وحين أتى بها وجدتها بعناوين لافتة، وبعضها سبق لي رؤيتها ونويت شرائها ولو بعد حين، ومالا أعرفه منها سيعجبني قطعًا لو شاهدته معروضًا، وقد تكرر هذا الأمر من صاحبنا عدة مرات، وأخبرني في أحدها عن سر هذه الكتب الجميلة والغالية والمنتقاة بعناية فائقة، وخلاصة الأمر أن رجلًا يهدي لذي منصب كبير نسخة من هذه الكتب، ثمّ يجلب منها نسخة أخرى لصاحبنا نظرًا لقربه من ذلكم المسؤول، وأنا الذي أظفر بها في النهاية! طبعًا للقصة خاتمة مفادها أن الكتب انقطعت عني؛ لأنها انقطعت عن صاحبنا، وانقطعت عن المسؤول الذي غادر منصبه!

كتب إدارية:

احتجت لعدة كتب إدارية حول الإنتاجية، وتفاجأت بنفاد نسخها محليًا، وحاولت شراءها من إحدى دول الخليج دون فائدة، فطلبتها من متجر كتب شهير خارج المملكة، لكن سعرها المرتفع قياسًا لثمنها الذي أعرفه حال دون إتمام الشراء إضافة إلى تكلفة البريد الباهظة. وقد يسر الله هذه الكتب عن طريق أحد المشاركين معي في برامج التدريب على الكتابة، وأرسلها لي مع سائق حافلة قادم من الأردن العزيز، والطريف أني حين اتصلت به هاتفيًا قال لي: أأنت صاحب الزيت! فقلت له: بل الكتب! وحينها أخبرني أنه وضعها في مطعم وتكفل الزميل محمد الذيفاني مأجورًا بإحضارها من ذلك المطعم القريب من طريقه.

كل هذا سيمضي:

بعد وفاة أمي رحمها الله قرأت عدة كتب تدور حول الفراق والوفاة، ووقعت على مقاطع من هذه الرواية وعنوانها: وهذا أيضًا سوف يمضي، تأليف: ميلينا بُوسكيتس، ترجمة: نهى أبو عرقوب، فراقت لي جدًا، وتأثرت منها. وبعد السؤال تبين أنه لا بد من الشراء الإليكتروني وما يتبعه من ثقل التكلفة البريدية لأنه نافد من مكتباتنا، ففزعت مرة أخرى إلى الكتبي الأستاذ أحمد الخلف، الذي تمكن من إحضار نسخة وحفظها لي.

لعمركم إن مطاردة الكتب لها لذة تفوق -عندي على الأقل- ملاحقة الغزالان الجافلة الشاردة في الصحاري وما سواها، ومن افتتن بالصيد فغاية مرامه أن يجعل صيده في قدر ينسى خبره بعد أيام أو ساعات من فنائه حتى كأنه لم يكن، وأما الغزلان من الكتب فمثلها لا يُنسى، ولا يبلى، وأثرها دائم يتجدد، والحديث معها وعنها عجاب مطرب لا تنقضي متعته، ولا يخفت أنسه.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرّياض

ahmalassaf@

الاثنين 27 من شهرِ ذي القعدة الحرام عام 1443

27 من شهر يونيو عام 2022م

Please follow and like us:

One Comment

  1. رحلة ممتعه، ومقالة ننتظر مابعدها، ترسم الابتسامة على حافة طرف الشفاه، مع الدعاء الخالص للدكتورة آمنة لأنها سبب أصيل دفعك لكتابة هذا المقال، شكرا دائماً وابداً لمن يدفعك لكتابة مقالاتك المميزة!!
    اما رحلتي في البحث عن الكتاب النادر فهي لا تختلف عن رحلة صيد غزلانك الجافلة الشاردة تلك-كتبك-، لإني ابحث فلا أجد، وأريد بشدة فلا أستطيع، اشتاق لملامسة وجه الصفحات فأعجز تماماً، تمر الأيام ويسقط المطر ، تتأوه الريح وتولد الشمس وتغيب، ولا أحد يعلم الحكاية، فصولها كلها حب يُحاك بين صفحات الكتاب الذي ابحث عنه، احساسٌ لا يضاهيه شعور، حُرمت من حق امتلاكه لكنه يظل موجودٌ بداخلي، أحببت تلك الرحلة من أعماقي إلى شغاف الروح، اوافقك تماماً بأن مطاردة الكتب العصّية هي مطاردة لذيذة تغذي القلب والعقل، والحديث معها وعنها عجاب مطرب لا تنقضي متعته، ولا يخفت أنسه، بل لا أبالغ في القول انها رحلة مُتعبة ، انتظار وصول الكتاب بالوقت المحدد او عدم وصوله تشبه موعداً غرامياً يُخلف أحدهم موعده، بينما الآخر يحترق شوقًا، طوال الليل تكون نصف مستيقظ على أمل مرور يدين سريعتين عبر النافذة تهدهد توترك، تخفف من شوقك ومن ضجر الانتظار، على أمل أن تحظى بكلمة منه تضمّ بعثرتك، لكن لم يكن! حتى كتابك الصعب كذلك قد يصل متأخرًا وربما لا يصل، بينما يمضي ليلك كله في التفكير فيه، فينتابك بعدها شعور بالضجر، لتستيقظ في الصباح فتجد سماء الصيف متكدرة وتسأل نفسك من يعيد إليها زرقتها !
    رحلتينا تشبهاننا، نبحث عن شيء لا يليق الا برواء الروح، من يقع في غرام الكتب، لن يستلذ الا معها، ولن يجد متعة مع من سواها!
    شكرا على هذه المقالة التي جعلتني اكتب رغم الاجهاد والانشغال!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)