إذا وصلت إلى ما دون هذا العنوان فترحم معي على أ.د.سامي تيسير سلمان الذي أمضى جزءًا غير قليل من عمله وعلمه وعمره وهو يخدم البلاد وحضارتها وثقافتها بالكتابة والمحاضرة والترجمة والتأليف، والغاية -كما نحسبه- نفع العمل الخيري والمجتمعي وغير الربحي، إلى أن استقر به المقام أخيرًا في حقلين خصيبين هما الأوقاف والشركات العائلية، وله فيهما قدح معلى في عالم العربية، ومن أفكاره النيرة هذه المعلمة التي أكتب عنها باختصار على أمل أن يلتفت إليها الواقفون والمثقفون والأجهزة الرسمية والمجتمعية القريبة من هذا المجال.
أما عنوان هذا الكتاب فهو: موسوعة أعلام الواقفين، تأليف: أحمد بن سليمان أيوب ونخبة من الباحثين، المشرف العام أ.د.سامي تيسير سلمان، صدرت طبعته الأولى عن دار العلم ودار الفلاح وكلاهما للبحث العلمي وتحقيق التراث عام (1443=2021م)، ويقع في مجلدين على ورق نباتي عدد صفحاتهما (1081) صفحة منها (584) صفحة للأول منهما، ويحتفظ مجلس مبادرات د.سامي سلمان والمعهد الدولي للوقف الإسلامي بحقوق الكتاب.
يتكون هذا الكتاب من كلمة شكر ووفاء، ثمّ مقدمة، ويبدأ بعد ذلك في سرد الأعلام بداية من القرن الهجري الأول حتى القرن الرابع عشر، وقد منح الباحث لكل عَلَم رقمين أولهما لترتيبه ضمن أعلام الموسوعة، والثاني لترتيبه في سياق أعلام قرنه الخاص به. وفي الختام ذكر المؤلف عناوين مراجعه التي أفاد منها وليست التي رجع إليها فقط، وعددها (255) مرجعًا ومصدرًا. وفي وسط الكتاب خيط قماشي يعين على التوقف، وهو من الأمور المحببة في الكتب.
يزهو ويتشرف جميع من اجتهد في تأليف هذا الكتاب المعلَمَة، وكذلك جميع الذين أدرجت أسماؤهم فيه من الموقفين والموقفات، أن في مقدمتهم وأمامهم يأتي إمامنا وأسوتنا جميعًا الجناب الكبير الكريم السامي للنبي الخاتم الأكرم عليه الصلاة والسلام، ويأتي بعده الصحابة رضوان الله عليهم فالتابعون ثمّ ترد أسماء الأئمة الكبار والعلماء الربانيين والخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء والتجار الذين هداهم الله للحبوس والأوقاف، وإنه لمن العمل الذي يُرتجى له البقاء والتعمير وعظيم الثواب.
ويحتوي هذا الكتاب على أسماء ألف ومئتي واثني عشر واقفًا وواقفة (1212)، منهم أربعة وستون صحابيًا (64) وست صحابيات جلّهن من نساء بيت النبوة الأطهار، وفيهم مئة واثنان وثمانون امرأة (182)، ويختلف عدد المترجمين بين قرن وآخر، وربما يعود ذلك لأسباب منها مستوى حركة التدوين، ومقدار فشو الأموال، وإقبال الناس على الوقف، وعليه حظي القرن التاسع بأكبر عدد من بين سائر القرون إذ بلغ عدد المحفوظة أسماؤهم مئة وتسعة وأربعون واقفًا (149). ولم تتعرض الموسوعة للقرن الخامس عشر ولربما تفرده في جزء خاص قريبًا كما بشرنا المؤلف.
وقد ذُكر في كلمة وفاء وشكر أن فكرة هذه المعلمة انبثقت في رحاب الحرم المكي الشريف عام (1439) على إثر لقاء بين د.سامي والمؤلف استعرضا فيه موسوعة التطوع الصادرة حديثًا للمؤلف، فاقترح د.سامي عدة مقترحات وأفكار تحوم حول الوقف وخدمته وتعزيز ثقافته وعلومه وتاريخه‘ إضافة إلى همه الآخر عن الشركات العائلية. ومن تلك اللحظات المختلطة ببركة الحرمين وفضل الزمان انطلق المشروع ورسمت خطوطه التي أصبحت منهجًا للعمل، وظلّ د.سلمان يتابعه ويستعجل طباعته إلى قبل أيام من مرضه المفاجئ ووفاته الحزينة، والله يقر عينه بهذا العمل ويسعده به حينما يراه في صحائف أعماله عند مولاه.
أما المقدمة فكتب فيها المؤلف مؤسِّسًا على مكانة فن السير والتراجم والطبقات في حضارتنا الإسلامية الخالدة الوضاءة، ومع كثرة تراجم أصناف الناس لم يتفرغ أحد لجمع الواقفين في كتاب واحد واسع وهو ما انفردت به هذه الموسوعة؛ ولعلها أن تتطور لاحقًا، وتكون باقي الأعمال الأخرى اللاحقة عليها تكميلية أو تجديدية وليست مجرد تكرار. ومن الطبيعي أن يقتضي هذا العمل غوصًا في المكتبة العربية والإسلامية، وتظافر الجهود بين العاملين فيه الذين استحقوا من المؤلف التسمية والإشادة وتعيين عمل كل واحد منهم؛ وحسنًا صنع.
بينما تتلخص أهداف هذا الكتاب المرجعي فيما يلي:
- معرفة أشهر الواقفين في تاريخ الإسلام.
- دراسة اتجاهات الوقف في كل قرن.
- إثراء المكتبة الإسلامية وأصحاب الاهتمام وخدمة علوم الوقف وتاريخه.
- حث الأجهزة المعنية بالأوقاف على نشر دراسات عن أوقاف كل بلد وواقفيه.
لأجل ذلك سعى المؤلف في مصنفه الذي لم يُنسج على منواله من قبل إلى التعريف بالواقفين عبر نبذ مختصرة غير مستقصية حتى لا يخرج حجم الكتاب عن حدّ الاعتدال، ثمّ شرع في التعريج على الوقف ومجاله ومكانه ووثائقه وأخبار الناظرين عليه إلى غير ذلك من درر الفوائد وغرر الفرائد.
إن الوقف يكاد أن يكون منتجًا خالصًا لحضارتنا الإسلامية، والحديث حوله مسألة نحن الأولى به سواء في أحكامه أو تاريخه أو تطوراته أو العناية به وتنميته بالمشروعات الاستثمارية أكيدة الربح أو القريبة من التجارة المضمونة حتى لا يبتلى بالتعطل، وإطالة عمره لينال مزية التعمير بحسن التوثيق والحياطة، مع حفظه بالحراسة من قبل النظار المؤهلين والقضاء القوي المستقل. وجميع هذه المعارف والعلوم الوقفية تنبت في أرضنا وتعتمد على علومنا الشرعية، وتنبثق من تطبيقات مجتمعات المسلمين؛ وبالتالي فنحن لا نهاجر معرفيًا في هذا الميدان، ومن الطبيعي أو المفترض أن تكون أعمالنا فيه تدور بين الأصالة والابتكار، وتغدو للآخرين قدوة ومثالًا.
الرياض- الأربعاء 15 من شهرِ رجب الحرام عام 1443
16 من شهر فبراير عام 2022م