سياحة في مقالات الطناحي
قرأت مقالات العلامة الطناحي أربع مرات وهي سابقة لم أفعلها مع كتاب آخر فيما أظن، وكتبت عن المقالات المجموعة في مجلدين مقالة قصيرة، ثمّ كتبت عن الطناحي مقالة مستعرضًا فيها الكتاب الذي أصدره نجله د.محمد بعد رحيل والده بعام واحد، وجمع فيه ما كُتب عنه مما يستحقه ويستأهله. وقلت في المقالة الثانية بأني سوف أستخلص بعض الفوائد من مقالات الطناحي، فوردتني رسالة من قارئ عزيز أديب مقترحًا فيها العنوان أعلاه، وقد وهبني العنوان مع أشياء أخرى لا زلت أنتظرها منه!
وعليه فدونكم هذه الفوائد من الجزء الأول فقط من مقالات العلامة الدكتور محمود الطناحي، وسيتبعها بحول الله فوائد الجزء الثاني. وأشير إلى أن هذه المقتطفات لا تغني البتة عن الاستمتاع بقراءة الكتاب الأصل، واقتناص الفوائد الأخرى منه؛ فقد تركت أضعاف أضعاف ما قطفت حتى لا يطول المقال. كما يمكن نقل هذه الكلمات ونسبتها للطناحي مباشرة باستثناء ما رواه عن غيره؛ لأنها مكتوبة كما هي إلى حدٍّ دقيق دقيق، وهي:
- إننا حين نعلّم ونخرج أبناءنا الطلبة إنما نقرأ معهم العلم مرة أخرى.
- ستظلّ نصوص التراث العربي في حاجة إلى عين بصيرة بمجرى السياق عليمة بمواقع الكلام.
- التلقي كان سمة عصور ازدهار العلم وآفة زماننا أنك قلّ أن تجد من تستفتيه أو تتلقى عنه.
- يؤثر عن عبدالرحمن الداخل الكثير من البر بالعلماء، وكذلك سار بنوه من بعده، دعمًا لقواعد الملك، واستكمالًا لمظاهر الخلافة.
- جامع القرويين هو مفخرة البلاد المغربية على الإطلاق.
- عاشت طبقة من علماء المغرب تجربة الحماية الفرنسية بكل مرارتها، فلم تخدع عن لغتها وتراثها، وظلّت حفية به حريصة عليه مستزيدة منه.
- يُقال: من تختم بالعقيق وقرأ لأبي عمرو وتفقه للشافعي وحفظ قصيدة ابن زريق فقد استكمل الظرف.
- عدّة المحقق هي الكتب في كلّ فن.
- قد يبذل المحقق الجاد جهدًا مضنيًا لا يظهر في حاشية أو تعليق.
- تصحيح الكتب كان ولا يزال المدرسة الأصيلة لتخريج العلماء.
- الكتاب القديم هو وعاء العلم ومستودع التراث.
- إن أساتذتنا الذين كتبوا في الدراسات اللغوية والنحوية الحديثة وشرّقت كتبهم وغرّبت، ينتمون جميعًا إلى جيل الحفظة: حفظة القرآن والمتون والحواشي والمصطلحات.
- لا سبيل لنا إذا أردنا صلاح الحال وإصلاح الألسنة إلّا إحياء جيل المتون والحفظة.
- قال عبدالرحمن بن مهدي: لا يكون إمامًا في العلم من أخذ بالشاذ من العلم، ولا يكون إمامًا في العلم من روى كل ما سمع، ولا يكون إمامًا في العلم من روى عن كل أحد، والحفظ الإتقان.
- يقول ابن خلدون: لا بد من كثرة الحفظ لمن يروم تعلّم اللسان العربي، وعلى قدر جودة المحفوظ وطبقته في جنسه وكثرته من قلته تكون جودة الملكة الحاصلة عنه للحافظ.
- إنه لواجب علينا إذا أردنا الخير لهذا الجيل أن نحيي فيهم مهارات الحفظ، ونقدم لهم قواعد العربية من خلال النصوص التراثية الموثقة.
- تكون النصوص التراثية وسيلة ضبط وإتقان، إذا اعتنينا بها قراءة وحفظًا.
- للهند تاريخ قديم في نشر الكتاب العربي.
- أكبر الآفات عندنا اليوم أننا نتعامل مع كتبنا تعامل المراجع، على قدر الحاجة فقط.
- إن الوفاء لتراثنا والكشف عنه ومعرفته يقتضي نفضه كله ومفاتشته كله، كما يصنع الورثة الذين يبذلون أقصى الوسع والطاقة لمعرفة ما دقّ وجلّ من تركة مورثهم حتى لا تفوتهم منه فائتة.
- ينبغي أن ننظر إلى المكتبة العربية نظرتنا إلى الكتاب الواحد.
- ربما أن الفقه وأصوله من أكثر علومنا غبنًا في ميدان التحقيق والنشر.
- علم التاريخ أكثر علم صنف فيه من بين علومنا الأخرى.
- اللغة هي المدخل الحقيقي لمعرفة علومنا كلها وتاريخنا كله، والاستهانة بها والتفريط في قواعدها ورسومها إنما هي استهانة وتفريط بمعارفنا وعلومنا كلها.
- كان الأدب ولا يزال خير سبيل لإيصال المعرفة، وسرعة انصبابها إلى السمع، واستيلائها على النفس.
- لا ينبغي أن يكون التيسير والتسهيل سببًا إلى طمس المعالم وهدم الحدود.
- إن البر بتراث الآباء والأجداد، واحترام التاريخ، يقتضينا أن نأخذ بأيدي أبنائنا إلى ذلك الموروث، نخوض بهم لججه، ونسلك معهم دروبه، ونفتح لهم مقفله، وهكذا تتواصل أجيال المعرفة.
- اللغة ينبغي أن تلتمس من كتب العربية كلها.
- الكتب وحدها لا تصنع عالمًا.
- قال ابن القيم: ولمثل هذه الفوائد التي لا تكاد توجد في الكتب يحتاج إلى مجالسة الشيوخ والعلماء.
- لا نستطيع في هذا الزمان أن نجد فرقًا حاسمًا بين العامة والخاصة، فقد اختلط المرعى بالهمل.
- أردت التنبيه إلى خطورة إخضاع رموزنا التراثية وقضايانا الفكرية لتوجيه العامة وسلطانها الغالب.
- لو كان لي من الأمر شيء لأتيت بشيخ من علماء القراءات في كل قسم من أقسام اللغة العربية بجامعاتنا ليعمل على تدريب الطلبة على الأداء الصحيح والنطق السليم، بجانب معامل الأصوات الحديثة.
- الكاتب العظيم -فوق إمتاعه- يستخرج من قارئه أشياء حبيسة.
- الأصل في علومنا الرواية والمشافهة والتوقيف.
- اللغة هي الباب الأول في ثقافات الأمم، وإهمالها أو التفريط فيها، أو السخرية منها هدم لتاريخ الأمم، ومحو لها من الوجود.
- الاستطراد سمة من سمات التأليف عند كثير من علمائنا ومؤرخينا.
- قال الجاحظ: إنما يؤتى الناس من ترك التثبت وقلة المحاسبة.
- مدار الأمر في تلاوة القرآن على التدبر واستحضار المعاني، وتأمل الإشارات وتبين الدلالات.
- قال يونس بن حبيب: ليس لعيي مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء، ولو حك بيافوخه أعنان السماء.
- مجالسة الثقلاء حمى الروح كما قال بختشيوع بن جبريل للخليفة المأمون.
- لعتنا معينة على البيان والفصاحة بهذه القوانين الرحبة الواسعة من الحقيقة والمجاز، والسماحة في تبادل وظائف الأبنية، ووظائف الإفراد والتثنية والجمع، والتساهل في التعبير عن الأزمنة إذا اقترن بالفعل ما يدل على زمانه، ووقوع بعض حروف الجر مكان بعض، وتذكير ما حقه التأنيث، وتأنيث ما حقه التذكير، والحمل على المعنى، والحمل على اللفظ، وحرية التعامل مع الضمائر غيبة وحضورًا فيما يعرف بالالتفات، والتعويل على القرائن والسياق في تخليص الكلام من كثير من الفضول والزوائد، وهو باب الحذف الذي جعله ابن جني من باب شجاعة العربية.
- الغموض بلية مستحدثة اندفع فيه كثير من الأدباء، وليس هو الغموض الذي يحرك النفس لتستخرج بحسن التأمل خبيء الكلام ومطوي المشاعر، ولكنه الغموض المظلم الذي يكد العقل، ويكون مجلبة للغم والكآبة، غموض العجز والحيرة.
- إن كثيرًا مما يكتب الآن ليس له صلة بالعربية إلا صورة الحروف والأبنية من الأسماء والأفعال.
- أحس أحيانًا أن هؤلاء الذين يكتبون أدبًا عربيًا لم يمروا بالقرآن ولا بالبيان النبوي، ولا بكلام العرب، فإن ثروتهم اللفظية محدودة جدًا، وتصرفهم في وجوه الكلام قصير الخطو، منقطع النَّفَس، ولذلك تأتي معانيهم هزيلة خفيفة.
- ضيق الألفاظ يؤدي إلى ضيق المعاني.
- حسن البيان قيمة جمالية، والقيم الجمالية باقية ثابتة.
- أسباب ضعف البيان تعود إلى: ذهاب الكبار بالموت أو بالملل أو بالمصانعة، وقلة المحصول اللغوي، وتسويغ العجز باصطناع نظريات تمهد له، والسخرية من جمال البيان والإزراء بقائله بعد العجز عن الإتيان بمثله، والكسل والإخلاد إلى الراحة.
- الأديب لكي يكتب أدبًا عاليًا جميلًا لا بد أن يكون على صلة لا تنقطع بالقراءة.
- الإبداع لا بد له من مدد، والمدد ليس له إلّا طريق واحد، هو القراءة الرشيدة المستمرة، ثم التأمل.
- من أشنع الخطأ وأغلظه: الخلط بين المحسنات اللفظية وتحسين العبارة.
- الرثاء كل الرثاء لشباب هذه الأيام الذين يخدعون عن تاريخهم وعن لعتهم فيما يقرأون وفيما يسمعون.
- إذا اجتمع للكلمة شرف الكاتب وشرف المكتوب إليه كانت ذخيرة تحفظ وتصان.
- الكاتب الجاد يفتح أمام قارئه أبوابًا من النظر، ويستخرج منه ألوانًا من الفكر كانت دفينة لولا إثارة هذا الكاتب الجاد.
- الكاتب العظيم لا يحفل كثيرًا بموافقة أو مخالفة.
اللهم ارحم الطناحي ومن سبقه ولحقه وسار على منوالهم من العلماء الذين ما خفضوا رؤوسهم لغريب أو غربي أو مستغرب، ورابطوا عند ذخائر علوم الأمة وكنوز التراث بعزة وأنفة وتقديم وتوقير، تاركين الصغار والذلة لمن ارتضاها من الأتباع الذين طمرهم النسيان أو اقترن ذكرهم بمعرة الخذلان والانكسار. والله يحيي فينا أمثال أولئك العظماء الذين صانوا إرث أمتهم وميراث علمائها وأدبائها، فنحن كما قال الإمام الغساني أمة تفتخر بالأنساب والإسناد والإعراب، وسنبقى كذلك تاركين الهوان لمن قبل به ولم يحرك ساكنًا.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الاثنين 30 من شهرِ جمادى الأولى عام 1443
03 من شهر يناير عام 2022م