مواسم ومجتمع

نفط في بيوت أهل عنيزة!

اشتهرت مدينة عنيزة ببراعة أهلها العملية في الزراعة والتجارة، فامتازت نخيل عنيزة بجودة إنتاجها، وبوجود بعض الأنواع المجلوبة من العراق، وبالمزارع القديمة والكبيرة مع حسن تنظيم وكبير عناية. أما شؤون التجارة فيمكن باختصار استعراض قوائم رجال الأعمال والأسر التجارية لنلاحظ أن لعنيزة حضور لافت فيها، ولم يحصروا مقامهم في بلدتهم أو منطقة الوسط فقط، بل إن بعضهم استوطن في غرب المملكة وشرقها وجنوبها وشمالها، ثمّ لم يقصروا همتهم داخل الحدود فلهم مع العقيلات تاريخ محفوظ، وفي البصرة وبغداد والبحرين والكويت ومصر والشام والهند لهم ذكريات وآثار اقتصادية لا تخفى ولا تُخفى.

لذا فليس بعجيب أن تصبح جلّ بيوتات عنيزة ذات مخزون وفير من نفط ثمين نفيس يتسامى على أسعار الأسواق ومؤشراتها وتقلباتها، وهذا النفط ليس بالضرورة أن يكون السائل الأسود بآباره وبراميله وغازه ومشتقاته غالية الأثمان، وإنما هو أمر أعظم، وشأن أكبر، وخبر أوسع من أن يحصر في مقالة محدودة، ولو سألني سائل: ما تبتغي أن تقول وتكتب؛ لفزعت إلى أبي الطيب المتنبي حتى ينجدني بشيء من مختصراته الحكيمة فأجيب حينها بأن ما أبتغي أجلّ من أن يُسمى!

فعلى هامش مقالة كتبتها عن عنيزة فيما مضى، تواصل معي الكاتب النفطي المهندس الشيخ عثمان الخويطر، وأفادني أن مدينة عنيزة أمدّت شركة أرامكو حتى الآن بإثني عشر نائب للرئيس، وهو عدد كبير إذا أخذنا بالاعتبار طبيعة هذا المنصب في شركة كبرى بحجم أرامكو وتأثيرها العالمي. وأفادني الأستاذ المبجل أخيرًا بناء على سؤالي بأن نصف هذا العدد تخرج في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، وسماهم لي فإذا بهم ينتسبون إلى تسع أسر معروفة من أسر عنيزة العريقة.

ثمّ تواصل معي الصديق الكريم البهي د.فهد الخويطر عبر الواتساب على إثر مقالة حديثة نشرتها حول عناز، وأرسل لي رابطًا يحكي عن تجربة فريدة عنونها أصحابها باسم بتروليو عنيزة“. وتقوم فكرة هذه التجربة على إجراء جميل دأب على تعاهده أبناء عنيزة الذين يدرسون في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن بالظهران منذ عقود، إذ يرشد السابق اللاحق، ويخبره عن طريقة الدراسة وأنظمتها وسبل النجاح والتفوق في الجامعة التي لا تصلح لغير مجتهد حريص.

وهذا مسلك حميد بدأ قبل نصف قرن تقريبًا باسم طلعة عنيزة، إذ ينظم أعضاء هذه المجموعة لقاءات دورية لتعريف الطلاب المستجدين القادمين من محافظة عنيزة بالجامعة، مع مساعدتهم على التأقلم مع الحياة الجامعية. ومن فضل الله أن هذا الجهد البديع لم يصب بالتآكل والتلاشي، ولم يقف عند الحدّ الذي ابتدأه الآباء المؤسسون، إذ نهض شباب نشطاء بفكرة سابقيهم متجاوبين مع لغة العصر وروحه التي يتفاعل معها الشباب، فأنشأوا موقعًا إلكترونيًا يهدف إلى توثيق الماضي، والارتباط مع الحاضر، ورسم المستقبل، وضموا إلى الموقع حسابًا على تويتر، واستثمروا تطبيق الواتساب للتراسل الفوري السريع.

أما الهدف المرتجى من ذلك بعد توثيق تجربة الرواد الأوائل وحفظ معروفهم، فهي نفس الأهداف القديمة بصياغات حديثة، ويمكن تلخيصها حسب الموقع بتعريف طلاب الثانوية من أبناء عنيزة بالجامعة الجادة، وإعداد الطلاب المقبولين فيها للتفوق والبروز، وأخيرًا ربط الخريجين بسوق العمل من خلال التهيئة والتمكين والتثقيف، فصنعوا من خلال هذه الفكرة بيئة خاصة تجمع طلبة الجامعة من مجتمع عنيزة الذي ينتمي لبلادنا المقدسة الطاهرة، وما أحسن عاقبة هذه البيئات في التكاتف والتآزر ونقل الخبرة وتقليل الهدر، وما أجدرها بالحذر من الكدر الذي تلقيه الأبالسة أو تنقله الحشرات!

وقد حظي مشروع بتروليو عنيزة بتأييد من محافظ عنيزة الأستاذ عبدالرحمن بن إبراهيم السليم الذي أطلق الموقع الرسمي للمشروع خلال الأيام الفائتة، ولعلّ الموقع أن يغدو سببًا في السعي لتوثيق جميع ما يخصّ عنيزة وأهلها وأعمالها وتاريخها وأماكنها، ولو كان توثيقًا إلكترونيًا، وأتصور بأن لجنة الأهالي سوف تلتفت لهذه الناحية بما عُرف عنها من همة وعلاقات متشعبة وبعد نظر، ففي عنيزة علماء ومعلمون وأكاديميون وأثرياء ووزراء ومهنيون وأصحاب أعمال خيرية ومجتمعية وفكرية، ولهم الحقّ بحفظ أسمائهم وتخليد طرف من سيرهم ونبذ عن مسيرهم، هذا غير ما سيعود على المدينة من خير إن في الاقتداء أو جميل الثناء.

وبعد جولة في هذا الموقع اللذيذ على اختصاره تبين لي أن عدد أبناء عنيزة الذين تخرجوا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن منذ عام (1969م) حتى سنة (2020م) الذين استطاع الفتية القائمون على الموقع إحصاءهم قد بلغ مئة وسبعة وثمانين خريجًا ينتمون إلى خمس وثمانين أسرة من أسر عنيزة النابهة، وبالنظر يستبين أن أكبر عدد من المتخرجين كان تسعة خريجين تكرر في عامين دراسيين هما (1996م) و (2008م)، وأتمنى أن يطلع أهل عنيزة على الموقع، ويحدثوا معلوماته بالتعاون مع مديري المشروع والموقع؛ فهم لطفاء متعاونون.

كما يبلغ عدد الطلاب الذين يدرسون في الجامعة ولما يتخرجوا بعدُ وهم منتظمون منذ عام (2014م) حتى عام (2021م) أربعين طالبًا يعودون إلى اثنتين وثلاثين أسرة عنيزاوية، وأكثر سنة فيها طلبة يدرسون هي عام (2017م) بإثني عشر طالبًا، ومن هؤلاء الدارسين وبعض حديثي العهد بالتخرج يكتمل عقد المشرفين على هذا المشروع والمجلس النافع في الحال والمآل على الأرض وافتراضيًا، وهم: فارس الواصل، وإبراهيم السلامة، وفهد الشملان، ومحمد السعيد، وعمر الوهابي، وناصر الصائغ، وأنس السلوم، ولهم ولأمثالهم تؤدى التحية، ويجزل الشكر.

وتشهد الأسماء المحصورة لأصحابها بالنجاح الوظيفي، فمن ضمن القائمة نائبا وزيرين، وعدد من وكلاء الوزارات ومديري العموم وأساتذة الجامعات ورواد المشاريع الصناعية والتجارية والمصرفية والهندسية والتقنية والتدريبية، وجمع من العاملين في قطاعات حكومية مالية وتعليمية وصناعية، وفي مجالات النقل والتعدين والطاقة وغيرها، ولهم ظهور في مؤسسات مهمة قديمة النشأة أو حديثة التكوين، ولن أغرب إذا ما توسمت للطلاب الدارسين حاليًا وحديثي التخرج بمستقبل مهني كبير بحول الله وتوفيقه أسوة بمن سبقهم من أهل البلد من رجال الدولة وكبار المؤثرين بعلمهم وعملهم.

إن مثل هذه المشاريع لجديرة بالاحتفاء ولو كانت لأهل قرية نائية هنا أو هناك؛ فلسنا نتعصب لبلدة بعينها، وليس بيني وبين عنيزة وأهلها نسب أو مصاهرة أو مصلحة أتقدم بين يديها، والغاية الوحيدة التأكيد على عراقة إنسان هذه البلاد، وسمو أخلاقه، وجديته وحيويته، وأنه يستلهم تلكم الصفات والقيم من مبادئ دينه الحنيف القويم، ومن خصال عروبته الأصيلة، ومن إرث أجداده الصيد الميامين، وإن قومًا هذا شأنهم وتلك مواريثهم لقوم يحومون حول السداد والرشاد، ويقتربون من إصابة المراد ونيل المأمول، ولن تضيع منهم البوصلة بإذن الله، ولن تنفرط عقارب الساعة بين أيديهم دون فائدة عاجلة أو آجلة لهم ولمن حولهم.

 

ahmalassaf@

الرياض- الأحد 20 من شهرِ محرم عام 1443

29 من شهر أغسطس عام 2021م

Please follow and like us:

8 Comments

  1. السلام عليكم
    اخي الكريم أحب أن أضيف أن الابن الجيب فارس الواصل يقوم سنوياً بزيارة مدرسته ثانوية الشبيلي لتعريف طلاب الصف الثالث بالجامعة
    فله كل الشكر

  2. بالنسبة لطلعة عنيزة
    اول َمن بدأها دفعتنا ١٣٩٢ هجرية وكانت بتشجيع الدكتور غازي القصيبي رحمه الله بعد أن القى محاضرة في النادي العربي اجتمعنا به نريد زيادة معلومات عن الجامعة فأقترح علينا أن يرتب لنا زيارة لفروع جامعة الرياض وكان وقتها عميدا لكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية فتبرع النادي العربي بالحافلة وانا تبرعت بالشاحنة والسكن وشجعنا مدير الثانوية المرحوم سليمان الكريدا بيومين دراسيين
    وكانت بداية ناجحة لرحلات عدة سنوات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)