استطلاع عن صناعة الكاتب
*لماذا لا يتعامل مع صناعة الكاتب في دولنا العربية على أنها صناعة مثل دول الغرب؟
صناعة الكاتب عمل قديم في تراثنا الحضاري، ولذلك ألفت فيه كتب طويلة ومختصرة، وكان للكتّاب مكانة بارزة آخذة في الازدياد، وأدل شيء على ذلك أن عددًا كبير من رجال الدولة في التاريخ الإسلامي كانوا كتّابًا، وقد ضمرت هذه الخصيصة الثقافية في عالمنا العربي لأسباب منها:
- التراجع المعرفي الذي أصاب الثقافة العربية وحملتها.
- انصراف جل الناس لشؤونهم المعيشية اليومية.
- انشغال الحكومات بأمور تراها أهم.
- شدة المشكلات التي تصاحب مهنة الكتابة وعمل الكاتب، والمصير المخيف لبعضهم.
- انخفاض مستوى الحرية جعل من العسير على بعض الحكومات أن تتبنى صناعة كتّاب دون أن تتأكد من مناسبة مضمون إنتاجهم لها مئة في المئة.
*وكيف يمكن صناعة الكاتب؟
صناعة الكاتب ليست عملًا حكوميًا، بمعنى أنه ليس من الدقة تحميل الحكومات وحدها مهمة صناعة الكاتب، وبالتالي فصناعة الكاتب عمل يمكن أن يؤديه الفرد، أو مجموعة من الناس، أو مؤسسات المجتمع، أو أجهزة الحكومة، أو جزء من هؤلاء يجتمعون عليه، وهو الأفضل فيما يبدو لي.
وأتصور أن المجتمع العربي لديه جاهزية وينتظر من يبدأ، فكثيرًا ما يرد السؤال عن الكتابة، وصناعتها، والبرامج التدريبية حولها، وغير ذلك، وأجد لهفة من جيل الشباب والفتيات، وإقبالًا على برامج تعليم الكتابة من خلال مشاركتي في إدارة بعضها، أو التدريب على بعض مكوناتها.
*وما هي مقومات هذه الصناعة ومقومات من يقع عليه الاختبار من الكُتاب؟
صناعة الكتابة والكاتب عمل مهاري بدرجة رئيسة، وشرط نجاحه خلوه من أي حمولة فكرية، ولا يعنى هذا انتفاء القيم منه، فالصدق، والعدل، والموضوعية، وغيرها من أخلاق حميدة مطلوبة من الكاتب ومن غيره، وإنما تصاب هذه الصناعة بمقتل حين تنوء بحمل فكري ثقيل، والأصل تعليم الناس الطريق، وكل أحد مسؤول عن كيفية سلوكه.
وتقوم صناعة الكاتب على محورين أساسيين هما:
المحور الأول: التدريب على التفكير، والقراءة، والبحث، والكتابة.
المحور الثاني: التطبيق العملي مع التقييم والتحسين المستمر.
ويكاد أن يكون المحور الأول نادرًا إلا من تجارب قليلة في الرياض والكويت وجدة حسب إطلاعي، وقد يوجد غيرها بيد أنها تظل في مربع الندرة، ففرنسا على صغر حجمها يوجد فيها مئات البرامج التدريبية على الكتابة، وفي عالمنا العربي الفسيح نحتاج إلى تتبع شاق كي نجد هذه البرامج.
وأما المحور الثاني فمخدوم في قسمه الأول بسبب انفتاح الانترنت، وكثرة منصات النشر، ومفقود في قسمه الثاني بدرجة كبيرة بسبب انحسار النقد الهادف، وغفلة بعض الكتاب عن تطوير أنفسهم، وهذا القسم تؤديه أندية الكتّاب وروابطهم لو كانت موجودة وفاعلة.
*وما السبيل إلى نجاحها؟
ستنجح صناعة الكاتب حين تراعي عدة أمور:
- الالتزام بالمهنية في العمل بعيدًا عن أي إطار.
- الشمولية في الجوانب النظرية.
- إتاحة التدريب العملي مع التقويم والتطوير.
- أن يمتلك المشارك في برامج صناعة الكاتب أدوات وتقنيات وليس معلومات فقط.
- المساندة المعنوية والمادية والنظامية.
- تعاون مؤسسات حكومية ومجتمعية لإنجاحها.
- تسهيل النشر في المنصات الأكثر جاذبية ومتابعة.
*وهل يمكن أن تقوم وزارة الثقافة في قابل الأيام بالعمل على هذه الصناعة؟
أتمنى أن يكون هذا العمل من صلب اهتمامات وزارة الثقافة، وهيئة الثقافة، فلا معنى للثقافة ألصق من القراءة والكتابة، ولا أنفع للبلاد والمجتمعات، من انتشار القراءة الواعية، والكتابة المسؤولة، والله يعين المسؤولين فيها على ما كلفوا به، وفي الختام أود شكركم على طرح هذا الموضوع، وإثارة مسألة صناعة الكاتب في مجلة أحوال المعرفة، التي تصدر عن مكتبة الملك عبد العزيز العامة، وهي مكتبة جديرة بالمشاركة الفاعلة في هذه الصناعة.
أحمد بن عبد المحسن العسّاف -الرياض
الثلاثاء 26 من شوال 1439
10 من يوليو 2018م
*أجراه الأستاذ محمود الديب، ونشر في مجلة أحوال المعرفة التي تصدر عن مكتبة الملك عبدالعزيز العامة، العدد 92، السنة الثالثة والعشرون، محرم 1440=سبتمبر 2018م