قراءة وكتابة

مقالات مختطفة!

مقالات مختطفة!

السرقة جرم وفساد كما نصت عليه غير آية في الذكر الحكيم، وهي بتوافر شروط وانتفاء موانع تستوجب الحد الشرعي بالقطع زجرًا وتأديبًا. ومع أن السرقة تنصرف إلى المال وثمين الأشياء غالبًا إلّا أنه يوجد سرقات بشعة من جنس حجز الكتب دون إعادة بعد استعارتها، وسلخ مؤلفات أو فصول أو مقالات ونسبتها إلى غير منشئها وهو أمر قبيح قلّما ينجو فاعله من الفضيحة المدوية خاصة إن استقصده مناوئوه بالبحث والنبش الذي يجيده غالب الناس.

ولأني كتبت بحمد الله من المقالات والأبحاث المختصرة ما ينيف على الألف، والله يجعلها مباركة نافعة خالدة، ويكفيني أوضارها وأضرارها في الدنيا والآخرة، فمن الطبيعي أن يكون لبعض هذه المقالات قصص وحكايات، وهذا ما سأشرع بتدوينه بين فينة وأخرى، تحفيزًا للكتّاب من جهة، وتسلية لهم من جهة أخرى، خاصة أولئك الذين تشاركوا معي في التدريب على الكتابة عن قرب أو عن بعد، وإن كلّ كاتب ليحتفظ بمثلها عن أعماله الكتابية في الغالب. ومن نافلة القول أن “نسخ” مقالات الآخرين لا يعني بالضرورة أنها بارعة للغاية؛ ولكنها تؤكد على كسل “النساخ” ودنو همتهم فضلًا عن ضمور مصداقيتهم في الغالب.

فمما أذكره أن رسالة وردتني عبر البريد، وكاتبها يدّعي بأني “سرقت” مقالة له، ووضع في رسالته رابطًا لمقالة منشورة باسمه القلمي -أناني وقد صدق في اختياره!- في أحد المنتديات، ومعه رابط آخر في منتدى ثانٍ وناقلها هناك نسبها لي ووضع بريدي الإليكتروني في أسفلها، وكانت هذه الرسالة في آخر زمن المنتديات الذي يؤذن آنذاك بالأفول. فقلت لصاحب الرسالة: يا هذا إن المقالة المعنية منشورة باسمي في مواقع شهيرة جدًا قبل أن “تنسخها” أنت لمنتداك بعشر سنوات! فبُهت ولم يجب، وهي مقالة عن الكتابة ولها قصة سأرويها في موضعها بإذن الله.

وذات يوم وصلتني رسالة من شقيقي سعود-سلمه الله-، فيها رابط لمقالة في مجلة رصينة بعثه إليه أحد السفراء مقترحًا بأن أستفيد من المقالة للكتابة عن الشيخ محمد بن جبير، وحين قرأت تلك المقالة وجدت مشابهة كبيرة بينها وبين مقالة لي عن الشيخ نشرتها قبل تسعة أشهر، وبعد المراجعة تبين لي أن كاتب المجلة “نسخ” مقالتي وغيّر بعض الكلمات والترتيب ثمّ نسبها لنفسه ووقع بعدة أخطاء بسبب سرعة “النسخ” ومجانبة التروي، فتواصلت مع رئيس تحرير المجلة -وبيننا معرفة تويترية- فأبدى اعتذاره وأسفه من هذا الصنيع المستوجب لتوبيخ الكاتب، ولمقالة ابن جبير هذه حكاية تستحق أن تسرد أيضًا.

كما أطلعني صديق على مجلتهم الأسرية وفيها مقال عن النشاط الأسري موقع باسم أحد أبناء عمه، فقلت له: أين قريبك هذا الآن؟ فأخبرني بأنه مبتعث للدراسة خارج المملكة! فقلت له: لعله نسي أن يشير بأن هذه المقالة لي وأنه اختصرها بكلماتها فقط! ومثلما فعل ذلكم الفتى عمد موقع خليجي رزين إلى “نسخ” مقالة لي استعرضت فيها كتابًا عن الاتصال السياسي وتشذيبها تشذيبًا يسيرًا دون إشارة حين النشر، وترك الإشارة لا يزعجني؛ وإنما الدعوى العريضة هي المؤلمة، وما كان يضرهم لو كتبوا كلمة منقول بتصرف فقط.

ومن خلال البحث وجدت مقالة لي عن الإقناع منشورة في موقع مركز تدريب ومنسوبة لمالك المركز؛ فراسلتهم ووعدني صاحب المركز بالتعديل ولا أدري هل فعل أم لا. وأذكر أن أحد القراء تواصل معي عبر تويتر وأنبأني بأن مقالة طويلة لي قد “نقلت” كما هي وأصبحت مقدمة لكتاب حول القراءة دون إشارة، وبعد تحقق تواصلت مع المؤلف الذي تلّطف بالاعتذار الشديد، ووعد بتصحيح الخطأ في طبعة قادمة، وفتح عيني على عدة مقالات “نسخها” آخرون دون نسبة أو تنبيه لكونها منقولة!

في مقابل هذه الوقائع نشر أحد المواقع مقالة شريفة مذيلة باسمي ولم أكتبها، وقد جهدت بعشرات الرسائل البريدية والهاتفية لهم كي يصلحوا هذا الخطأ حتى مللت من إخطارهم ومتابعتهم، ونقلت بعض الصحف أجزاء مما كتبته ونسبته لي مع أني سقته ضمن عرض كتاب وهو من كلام المؤلف وليس من رأيي، وهذا أمر تكرر من غير صحيفة ومن الطبيعي أني لم أطالب بالتصحيح فهم المسؤولون عن نقلهم، والذين صوروا لي تلك المقالات أو التحقيقات يعلمون يقينًا أن كاتبها أو معدها استعجل ولم يراجع عمله ليعرف كيف يصيغ العبارة بطريقة تنفي أيّ التباس.

بعد ذلك يظلّ الأمر المهم أن ندعو دومًا إلى أمانة النقل وضرورة النسبة؛ فهو من بركة العلم، ولا بأس لديّ-وربما لدى آخرين- من النقل الكامل أو المختصر دون نسبة، شريطة الإشارة إلى أنه نقل حرفي أو متصرف فيه، فهذا أليق يمن يتصل بالثقافة والعلم والأدب، لأن السرقة الأدبية والثقافية خالدة، فلم يسلم أناس أبرياء من التهمة في وقع حافر على حافر يستحق العذر وحسن الظنّ، فكيف يسلم مَنْ سلب عصارة أذهان الآخرين وخلاصة تعبهم ثمّ ألصقها باسمه؟! وإن أيّ ملصق سيسقط ولو بعد حين، وسوف يستبين وجه الحقيقة مهما اجتهد أهل الملصقات بتثبيتها وإحكام الدعوى عنها.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

 ahmalassaf@

ليلة الأربعاء 09 من شهرِ محرم عام 1443

18 من شهر أغسطس عام 2021م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)