قيادة التدريس الاحترافي

قيادة التدريس الاحترافي

لو استمعت إلى زعماء التغيير الإيجابي العظيم في المجتمعات على اختلاف الزمان والمكان والحال، أو قرأت ما كتبوه عن سيرهم وتجاربهم، فلن تخطئ أذنك وعينك مركزية التعليم مع مسائل أخرى في مسيرة التطوير والتحديث، فهنيئًا لإنسان التعليم أيًا كان موضعه في هذه المنظومة الشريفة من أول السلّم إلى وزير التعليم وقادة التوجهات الإستراتيجية فيه.

وما أكمل توازن العناية بأركان العملية التعليمية، وانطلاقها وفق أسس تناسب مكونات المجتمع، وتنطلق من ثوابته الأصيلة؛ فاعتزاز التعليم بعراقته نوع من السيادة لامناص من الحفاظ عليها، ومطلب لحماية الأمن القومي، ودليل على قوة الثقافة والحضارة، وهذا كله لا يتنافى مع الاقتباس الرشيد بعد ضمان نجاحه في البيئة المغروس فيها، ومتابعة نتائج تطبيقاته وإجراء ما يناسب من تعديلات عليها.

ومما سعدت باقتنائه كتاب أنيق خالٍ من الحشو، بهي الطلعة، بهيج المنظر، بديع المحتوى، فتبارك الله أحسن الخالقين. عنوانه: قيادة التدريس الاحترافي “دليل عملي”، تأليف: صالح بن إبراهيم بن سليمان النفيسة وَ محمد بن عبدالله بن عثمان النذير، الذي صدرت عن العبيكان للنشر الطبعة الأولى منه عام (1439=2018م)، ويقع في (246) صفحة تشتمل على مقدمة ثمّ تعريف بفلسفة الكتاب فأربعة فصول يعقبها المراجع وتعريف مختصر بالمؤلفين. وفي أول صفحات الكتاب روابط “مبركدة” لنماذج الكتاب وكذلك لتقييمه من أجل تطوير طبعاته القادمة، يتلوهما صفحة واحدة تخبرنا عن المحتويات.

يهدف كتابنا إلى الارتقاء بالمعلمين مهنيًا وعلميًا وثقافيًا من أجل تحسين العملية التعليمية وتطويرها، وردم أي فجوة محتملة في الأداء، ومن الضرورة بمكان أن تكون هذه العملية التطويرية المهمة مستمرة ونوعية إذ أنها أساس في مشوار المعلم المهني، والمعلم ركن ثابت من أركان العملية التعليمية، يجدر العناية به، ويستحق التطوير الدائم، مع الإكرام والتكريم المستمر، فهم حملة مشاعل سبقهم إليها الأنبياء والمصلحون والعلماء والعظماء.

ولتعدد الأفكار في تطوير الممارسات المهنية للمعلم جاءت فكرة هذا الكتاب للتركيز على نقل المعلم من مجرد تحصيل المعرفة إلى تخيّل شكل المعرفة في إطارها التطبيقي مما يعني إيلاء الجوانب الفكرية المساحة التي تستحقها؛ ولذا حرص مؤلفا الكتاب على جعله دليلًا عمليًا يعتمد على عدد من المدخلات الراسخة والحديثة في هذا الباب، وأجزم أن طعم مهنة التعليم سوف يزداد لذة، وستغدو آثارها أظهر وأعظم بعد اقتفاء الإستراتيجيات الواردة في هذا الكتاب.

علمًا أنها إستراتيجيات تستند إلى نتائج البحث العلمي، مع استخلاص خبرات محلية وعربية وعالمية من مظانها، كي تصبح هذه الإستراتيجيات مباشرة وفعالة لتحقيق التميز والبناء، وهو ما سعى له المؤلفان في كتابهما الذي يدمج عبر نسيج متكامل بين الخبرة والبحث التربوي والوسائل الداعمة؛ حتى يقدّم حزمة طرائق ومجموعة حلول متكاملة لمنظومة التدريس. ويعقد المؤلفان أملًا يوازي جهدهما بأن يثري الكتاب المكتبة التربوية العربية، وسوف تسعدهما أي ملحوظة تصلهم عبر البريد الإليكتروني المدون في نهاية المقدمة.

أما فلسفة الكتاب فتقوم على تبني ستة عشر إستراتيجية تدريسية، تندرج كلّ أربع منها في نمط من أنماط تعلّم الطلاب، وهذه الأنماط هي مكونات الفصول الأربعة كما سيأتي، ويجمعها كلمة “نمتع” فخير التعليم ما أفاد وأمتع. وتمثّل هذه الإستراتيجيات خلاصات علمية وعملية، وتكوّن حزمة تغني عن غيرها باشتمالها عليها وزيادة، مع الإجابة على أسئلة من قبيل: لماذا يحتاج المعلم إلى هذه الإستراتيجيات؟ وماهي الفروق بينها وما أوجه الشبه؟ وكيف يستوعب التدريس الاحترافي جميع العناصر التعليمية؟ وكيف يختار المعلم الإستراتيجية المناسبة لمادته وطلابه حتى يقطف أكثر من ثمرة؟

كما سيوضح الكتاب عن كل إستراتيجية تعريفها، وأهدافها، ومواضع استخدامها، والنمط الموجهة له، والمهارات المناسبة للمحتوى المعرفي، وخطوات تقديمها، مع أمثلة متنوعة لدروس طبقت في أكثر من تخصص شرعي ورياضي وعلمي. ومن بديع هذا التأليف تصميم لوحة قيادة التدريس الاحترافي لكل إستراتيجية، وتقسيم كل لوحة إلى خمسة قطاعات لتغدو مثل بوصلة تقود التدريس نحو الوجهة المثلى بطريقة إرشادية بصرية باهرة قد لا ينساها المعلّم حتى لو كانت عن ناظريه بعيدة.

فإذا دخلنا إلى فصول الكتاب وجدناها ذات ألوان زاهية تخطف البصر دون إزعاج العين، وتجعل القارئ يطيل إليها النظر ويعمل فيها الفكر. وأولها أخضر اللون، عنوانه إستراتيجيات نمط الإتقان التي جاءت في (58) صفحة وهي أطول الفصول وموضوعاتها عن المحاضرة التفاعلية، والصعوبة المتدرجة، والتعليم المباشر، والألعاب. وثاني فصل لونه بنفسجي مكون من (41) صفحة عن إستراتيجيات نمط الفهم وهي القراءة من أجل المعنى، واللغز، والمقارنة والمقابلة، والمفاهيم.

ثمّ يأتي الفصل الثالث ذو اللون الأحمر بعنوان: إستراتيجيات نمط الإبداع ويقع في (52) صفحة تدور حول التعبير الاستعاري، والتعلّم الاستقرائي، وصانع الأنماط، وعين العقل. أما الفصل الرابع بلونه الأزرق وصفحاته البالغة (41) صفحة فهو عن إستراتيجيات نمط المشاركة التي تتحدث عن الأحجية المركبة، والتعلّم التبادلي، ودائرة الجماعة، وصنع القرار، وهو آخر الفصول. ويخاطب هذا الكتاب بالدرجة الأولى التربويين، وواضعي السياسات، وقادة التعليم، والباحثين، والمعلمين على وجه الخصوص والمدربين المحترفين، وربما يفيد الأبوين البارين بنسلهما.

وفي نهاية الكتاب أورد المؤلفان د.النفيسة وأ.د.النذير مراجعهما العربية وعددها سبعة وعشرون مرجعًا، ثم مراجعهما الأجنبية وعددها ثلاثون مرجعًا. وعقب ذلك اقتسما صفحة واحدة فقط لسيرتهما الذاتية مع أنه يمكنهما كتابتها في عشرات الصفحات، وهي سيرة تصف رجلين عالمين عاملين مبادرين مؤسسين متعددي المواهب والجوائز، ولذا فليس بغريب أن ينال كتابهما جائزتين إحداهما من جامعة الملك سعود، والأخرى في معرض الرياض الدولي للكتاب.

إن العناية بمسألة التعليم مهما صرف عليها ولأجلها فليست بكثيرة، ذلك أن قلوب الأجيال وعقولهم، وحاضر البلاد ومستقبلها، وشؤون عامة وعليا عديدة ترتبط ارتباطًا وثيقًا لا ينفك بالتعليم الذي ينبغي أن يلتفت للروح والعقل والجسد، ويعتني بالمعارف والمهارات، ويمزج التعليم بالتربية، ويخرج أجيالًا تملك القدرة على التفكير المستقل والتعبير السليم وفق أسسه وضمن أطره التي تجعلهم نافعين مؤثرين متعاونين، أولي قوة وقدرة وقيادة مع زكاة وخلق وبراعة.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الثلاثاء 17 من شهرِ ذي الحجة عام 1442

27 من شهر يوليو عام 2021م