هولاند ودروس من السلطة
لذيذة للغاية تلك المذكرات التي يكتبها الزعماء بعد تركهم لمناصبهم، وهي لذة نجدها فيما يكتبه الزعماء الجانب الذين تتاح لهم الفرصة بعد مغادرة الرئاسة وقبل الموت أو السجن، ولذلك بادرت لقراءة كتاب عنوانه: دروس السلطة، من تأليف الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، وترجمة حسين عمر، الذي صدرت طبعته الأولى عن دار المدى عام (2020م)، وهي مكونة من (366) صفحة.
تحتوي هذه المذكرات على مقدمة ثمّ ثمانية عشر عنوانًا متقاربة الطول وبعدها الخاتمة فكلمة شكر، وتمتاز بأنها سيرة رئاسية صريحة وعذبة ومقتصرة على خمس سنوات قضاها المؤلف رئيسًا لفرنسا، إضافة إلى ما بثّ في داخلها من دروس، واعترافات بالمسؤولية عن الخطأ قبل الصواب، وإقرار بالخطأ، والفشل، والخيبة، والتردد، والتسرع، وسوء الظنّ، والشعور بالمرارة أو الندم، هذا غير ما أبداه ظلالها من أفكار ومشاعر سواء تعمدها المؤلف أو كانت من أثر قوة النص وسلطته.
وحتى لا أذهب بعيدًا في وصف السيرة فها هي الدروس التي ذكرها سواء بالتنويه عن كونها درسًا، أو جاءت ضمن السياق، والعهدة عليه، وعددها يتجاوز مئة درس تصبّ في السلطة وإدارة الدولة والتعامل مع الأحداث، والناس، والمآزق، وتحكي شيئًا من خبرة رجل الدولة:
- راكمت الرئاسة لديّ خبرة فريدة.
- وسط جلبة الحدث الصغير لا يتبين المرء الحدث الكبير.
- وسط التدفق المستمر للأحداث قد ينسى المرء التحديات التي هي جوهر حكم الشعوب.
- تهدد الهفوات الإعلامية بعد تطور شبكات التواصل الاجتماعية ممارسة المهام الرئاسية.
- السفر إلى برلين تقليد تفتتح به الولاية الرئاسية الفرنسية.
- تواجه الرئيس مصاعب ترغمه على أن يغترف من أعماقه جميع موارد عقله وشخصيته.
- في أول رحلة رئاسية لي حدث خلل في الطائرة فطلبت من قائدها مواصلة الرحلة فأجابني: سيدي الرئيس كلّ السلطات التي لديك هي خارج هذه الطائرة، وأما هنا فأنا من يقرر!
- يشبه الرئيس الفرنسي الملك المنتخب لسعة ماله من صلاحيات لا يوجد مثلها في أوروبا ولا ينافسه عليها إلّا الرئيس الأمريكي.
- مع أن الرئيس هو المواطن الأول وسيد في بلاده إلّا أنه يخضع للسيد الحقيقي وهو الشعب.
- على الرئيس أن يحافظ على مسافة بينه وبين مواطنيه مع تسهيل الوصول إليه.
- منعت الوزراء في الاجتماعات من الاحتفاظ بهواتفهم لئلا يلتهوا بها.
- صدر خلال ولايتي أربعمئة قانون، وعددها الكبير لا يترجم فاعلية العمل مالم تنفذ.
- مهما اجتهدنا فلا يمكن تجنب التسريبات.
- أحافظ على الصلاحيات الرئاسية لمصلحة الرؤساء الذين سيخلفونني.
- ينتخب الفرنسيون الرئيس حتى يحل مشكلاتهم وليس ليستغرق في أنشطة خارجية.
- أهم معيار لتقييم عملي عند الشعب هو عكس منحنى البطالة.
- يتحمل الرئيس المسؤولية الأخلاقية والسياسية، ويسهر على حياة الأمة مع أن الموت يرافقه يوميًا.
- ليس هناك أجمل بالنسبة إلى رئيس من مشاهدة لحظة لمّ شمل أسر فرق سوء الحظ أفرادها.
- يضطر الرئيس الجديد للالتزام بقرارات سلفه فما بالكم حينما يكون قد شجعه عليها وهو مستشار له.
- لا ينبغي للرئيس أن يغمر نفسه بكلّ ملف يحال إليه حتى لا تصرف نظره عما هو أساسي.
- إذا رغب الرئيس في التدخل بكلّ شيء، فلا يمكنه التأثير على أيّ شيء.
- الأثر الذي يتركه أيّ عمل هو ما يحدد عمقه.
- بوتين رجل ممتلئ بالعضلات والأسرار ويقول بصوت وديع الكلمات الأكثر فظاظة.
- يتفاخر بوتين بطول بقائه في منصبه ولذلك ينظر إلى غيره بمزيج من الاستعلاء والفضول.
- يرى بوتين نفسه من حماة النصرانية في مواجهة الإسلام “المتشدد”، ويتهم أوروبا بالتهاون في مواجهة الإسلام.
- لا يمكن التنبؤ بما سيفعله الرئيس الأمريكي ترامب الذي لا يهمه سوى المال.
- الزعماء الذين يحكمون بطريقة غير ديمقراطية وبدون أمد لا يأبهون كثيرًا للاعتبارات الأخلاقية، ولا يخضعون لضغط الرأي العام.
- التسويات التي تتم أثناء الأزمات الحادة ضرورية ولكنها لا تحلّ المسائل الموضوعية.
- فرنسا دولة حليفة للولايات المتحدة وليست تابعة لها.
- العمل في مواجهة الأخطار مشروع واجب والتقاعس عن ذلك إثم.
- تعلمت من الرحلات واللقاءات بالقادة أن التاريخ والجغرافيا يتطلبان الدبلوماسية.
- الود وحسن الضيافة والتفاهم أمور مفيدة في الدبلوماسية.
- من الخطيئة أن يؤمن المرء بمزاياه الشخصية أكثر من توازنات القوة، فالعجرفة ليست بعيدة عن السذاجة.
- موقف فرنسا على المسرح الدولي مميز لأنها لا تتكلم باسمها فقط وإنما باسم فكرة، ولأنها تمتلك وسائل استقلالها، وعليها أن تحافظ عليها مهما كلفها ذلك من ثمن.
- الاستخبارات هو جهازنا الذي يمثل سلاحنا الرئيسي.
- يتطلب حرمان أيّ أحد من حريته حكمًا قضائيًا.
- في فرنسا هناك من يرغبون في تعريض الوضع للخطر بالخلط بين الإسلام والتطرف الإسلامي.
- في بعض الأحيان يكسب الوزراء الاحترام من لفتات يسيرة وليس من تصريحات صاخبة.
- نوعية العلاقات بين الشرطة والسكان هي أحد شروط احترام القانون والحياة المجتمعية المشتركة.
- الثقة بالدولة والقانون والعدل لا تقدر بثمن لأنها مفتاح كل شيء.
- حينما تصبح الثقة موضع شك دون سبب وجيه تهتز عموم ديمقراطيتنا وتترنح.
- يجب على المرء أن يجنب الآخرين حزنه وغضبه فهذا مبدأ أخلاقي.
- السياسة هي مسألة خدمة بقدر ماهي مسألة طموح.
- عندما تكون البلاد بحاجة إلى بذل جهد فسوف تُنتقد كل نزوة غير مناسبة.
- كنت مخطئًا بترك التفاعل مع الأصداء إذ يجب ألّا نترك شيئًا دونما ردّ.
- شملت الانتقادات الإعلامية كلّ شيء وكانت تغضبني أول الأمر ثمّ صارت تثير لديّ ابتسامة ساخرة فقط.
- رفضنا أن نفرض على الشعب الفرنسي تجرع مرارة التقشف.
- رفضت إجراء أيّ تغيير مكلف في قصر الإليزيه فالرئيس ساكن مؤقت مثل المستأجر.
- حينما يصبح المرء رئيسًا تتجمد العلاقات وتصبح التحركات أكثر حذرًا وتحفظًا.
- ينتخب الشعب الرئيس وليس الزوجين أو الأسرة، وبالتالي ليس لهم في الدستور أيّ مزية.
- جعل السلام من السياسة الأوروبية مملة.
- في أزمة الهجرة ضحت أوروبا بمصداقيتها وبصورتها وبسمعتها وبقيمها.
- في أيّ عملية تفاوض يصل المرء لغاياته بالصبر ومعرفة استخدام الوقت وقبول الجراح وتجنب القطيعة.
- إذا بقي أطراف العملية التفاوضية دون أن ينفضوا فهذا مؤشر جيد.
- لا يكفي امتلاك الحق لإقناع الآخرين به.
- القرار هو الحياة اليومية للرئيس.
- معنى المسؤولية أن يتحمل الرئيس أعباء ما تركه سلفه، ويعمل دونما كلل لأجل خلفه.
- لكي تكون هناك وظائف دائمة يجب أن تكون هناك شركات سليمة.
- لكي نوزع الإيرادات يجب أن ننتج.
- يجب ألّا تكون لدى الرئيس حالات مزاجية.
- من أجل ممارسة السلطة يوحد المرء قناعاته مع خدمة المصلحة العامة.
- يأتي الوضوح في بعض الأحيان متأخرًا.
- الكلام السياسي يراد له أن يكون كثيفًا ورسميًا وحاسمًا.
- قوة النبرة وأسلوب الخطيب وجدوى الموضوع تصنع أفضلية حاسمة للمتحدث.
- الكلام الرئاسي يجب أن يكون نادرًا.
- عندما يتحدث رئيس الدولة نادرًا يصنع انتظارًا لدى الناس يضمن له إصغاءً أفضل.
- نظّر أحد مستشاري الرئاسة لإستراتيجية الصمت الرئاسي المخصص لإثارة الغياب وبالتالي الاهتمام.
- يحتاج المواطن إلى توضيحات مهما ألزم الرئيس نفسه بحمية إعلامية.
- على المسؤول عن سير عمل الدولة أن يجيب بانتظام على الانتقادات أو على الاعتراضات.
- أولي اهتمامًا للكلمات ولأصناف الجماهير وراعيت ذلك خلال ثلاثمئة خطاب ألقيتها في خمس سنوات هذا غير كلمات الزيارات والتصريحات الإعلامية.
- لا يجري الحديث عن خطاباتي إلّا إذا سارت على نحو سيء.
- يضمن مبدأ التدرج والإصرار التقدم أكثر من مبدأ “تغيير كل شيء” الذي يختلط سريعًا مع “تقريبًا لا شيء”.
- أصبح الخطاب عبر تويتر قصيرًا وواسع النطاق.
- التطور الهائل في الإعلام أنهى المناسبات الكبرى وجماهير نشرة الثامنة وسبق الصفحة الأولى وعناوينها المثيرة.
- ليس بوسع الرئيس أن ينأى بنفسه عن الأحداث والتعليق عليها.
- التحدث عن كل شيء عقبة جديدة يصادفها الخطاب الرئاسي.
- يمكن أن تزيل الجمل المرتجلة كلّ فوائد زيارة حساسة.
- إدارة الوقت هو سلاح الرئيس الأساسي للنجاح ويجب عليه معرفة أنسب وقت للتحرك إلى الأمام أو للتوقف.
- تميل السلطة عمومًا إلى الانغلاق على الذات وينبغي الخروج من هذه الدائرة.
- للتواريخ التي كانت جزءًا من أمتنا وللشخصيات العظيمة في تاريخنا أهمية كبرى.
- لا تكفي حسن النية في حسم المعضلات الإنسانية.
- في مواجهة أسئلة معقدة نادرًا ما يكون الجواب سهلًا.
- كلمتا الإصلاح، ومكافحة الفساد، هما الأكثر استخدامًا.
- يجب أن تتمتع المدرسة ونطاقها بالحصانة.
- حق العفو الممنوح للرئيس يصحح في أحوال استثنائية قرارات قضائية.
- لا يمكن ممارسة حق العفو إلّا بمنتهى الحذر حتى لا يوجد إشكالات جديدة من خلال تحدي القضاء.
- على الرئيس أن يكون متعاطفًا فالتعاطف ليس ضعفًا ولا نقيضًا للسلطة بل نتيجة طبيعية لها.
- يقع على عاتق رئيس الدولة الالتزام بالحقيقة.
- يجب على الرئيس تهدئة الأوضاع.
- في عالم السياسة من غير العقلاني ألّا تؤخذ اللاعقلانية بالحسبان.
- الفشل أفضل من التهرب.
- العمل على تطوير الأذهان عبر إثارة جدل أفضل من تجميدها عبر الصمت.
- الواجب الأول للرئيس أن يضمن استقلال السلطة القضائية وأن يدعها تعمل بحرية.
- ثبتت لديّ قاعدة إقالة أيّ وزير متورط في قضية.
- لا يجب ألّا يتغلب افتراض البراءة على مبدأ الحذر السياسي.
- يجب على الرئيس أن يحسم القرارات دون تردد لأنه لا يجوز أن يكون متهمًا بمحاباة أحد.
- ينبغي على قانون الشفافية أن يحول دون تفجر فضائح شريطة أن يخضع له بصرامة جميع الفاعلين.
- واجب المعاقبة في صلب المسؤولية الرئاسية.
- تسخر الحياة السياسية أحيانًا من المشاعر الأكثر رسوخًا والحجج الأكثر نضجًا.
- اختلفت ردود الفعل بين الرجال والنساء الذين أردت توزيرهم؛ فالنساء يسألن بصدق إن كنّ مؤهلات للمنصب، بينما يطلب الرجال بثقة توسيع صلاحياتهم.
- أيّ شخصيات بنت مسيرتها المشرفة بعيدًا عن السياسة تنطفئ تدريجيًا كلما غامرت في هذه المسيرة.
- إن اختيار الرجل المناسب في الوقت المناسب وفي المكان المناسب هو شرط نجاح أي سياسة.
- لا يمكن لرئيس أن ينجح بمفرده، ولكنه إذا كان محاطًا بفريق سيئ فإن فشله مؤكد.
- السياسة هي أولًا فن التجميع حول فكرة.
- الانشقاق والانفصال أمور من الطبيعي حدوثها في السياسة.
- ليس للصداقة مكانها في عمليات الانفصال، ويجب ألّا تكون الصداقات سببًا مفسرًا للتعيينات.
- لا أسعى لقراءة الدوافع الخلفية خلف الأفكار وتكفيني الأفكار نفسها.
- الوقائع تعيد الأكثر تهورًا إلى رشدهم.
- لم تترك تجربتي في عالم السياسة أيّ مكان للبراءة وسلامة النية.
- يخضع الرئيس لجرعة عالية من الانتقادات اللاذعة والسخرية الوقحة.
- كثرة انتقاد الرئيس تتيح له الاستمتاع بالمجاملات فندرة المجاملات هي التي تصنع قيمتها.
- خدمة الدول واجب وليس رأس مال نراكمه.
وفي الكتاب قصص طريفة، ووقائع مع زعماء لفرنسا أو غيرها، وفيه ظواهر طاغية مثل الحجاب والوجود الإسلامي، وكذلك البطالة والاقتصاد والصناعة، والجريمة والهجرة واللجوء، والشذوذ الجنسي مع قوانينها التي يفخر بها، وبالمناسب فقد عرج على ثلاث نساء عشن معه وأنجب من بعضهن، دون أن تكون أيّ واحدة منهن زوجة له بعقد رسمي، كما تحدث عن مدرسة الإدارة، والذين عملوا معه، وجعل قسمًا خاصًا للحديث عن وزيره وخلفه ماكرون، وطلب من القارئ أن يخمن في نهاية قراءة سرده رأيه في هذا الرجل الذي جاء بعده ولم يكن ماكرًا فقط.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
السبت 17 من شهرِ جمادى الآخرة عام 1442
30 من شهر يناير عام 2021م
Please follow and like us:
