مختصر تاريخ دولة آل رشيد
عنوان هذا الكتاب: إمارة آل رشيد في حائل، وهو من تأليف محمد عبدالله الزعارير، وصدرت الطبعة الأولى منه عام (1997م) عن بيسان للنشر والتوزيع، ويقع في (263) صفحة، وعلى غلافه صورة قديمة لرجال واقفين أمام قصر؛ ولم تُشرح الصورة للقارئ كالعادة المتبعة، وسألت عنها نجل الناشر فلم يعرف أصلها، وقد أهدى الباحث كتابه لوالديه وإخوانه وأخواته، ثم كتب شكراً لمن عاونه من الأساتذة والمراجعين.
وقدَّم للرسالة المشرف عليها أ.د.عبدالكريم محمود غرايبة أستاذ التاريخ في الجامعة الأردنية، ووصف الدراسة بأنها محايدة وجيدة الاستنتاج؛ خاصة أن الباحث اعتمد على مصادر نجدية أولية لكتابة تاريخ أسرة آل رشيد الذين بدأوا نشاطهم تابعين لآل سعود في الرياض، وتشاركوا معهم في إتباع المذهب الحنبلي ونصرة مدرسة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وتتبع الزعارير دولتهم حتى زالت بسبب الفتن الداخلية، والخذلان الخارجي.
ولاحظت أن حساب مدد حكم الأمراء خاطئة، وبعض التواريخ غير صحيحة، فضلاً عن إيراد إطلاقات إنشائية كتهديد الوهابية لضمير العالم الإسلامي! ونقل الباحث بعض الحوادث المهمة وأحالها لكتب حديثة نوعاً ما، وكان حرياً به الرجوع إلى مراجع قديمة أو مصادر أكثر أهمية، والأفضل بحث المسألة بعد جمع رواياتها خاصة أن الدراسات العليا تستوجب ظهور شخصية الباحث، ومن المزعج في الكتاب جعل الهوامش بعد نهاية كل فصل؛ فيضطر القارئ لمتابعة فحوى الهامش بعيداً عن موضع الإشارة إليه في الصفحة، ومع ذلك فالكتاب أكمل نقصاً في المكتبة العربية والنجدية على وجه الخصوص.
وقد ذكر المؤلف في مقدمته أن موقف إمارة آل رشيد من الدولة العثمانية، ومن بريطانيا، والحرب العالمية كان مختلفاً عن مواقف باقي زعماء المنطقة، ولذا نشط لدراسة هذه الإمارة التي بزغت في تاريخ نجد الحديث مع بدايات النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وأفاد من وثائق عثمانية منشورة أو غير منشورة، ومن تقارير بريطانية، ومؤلفات نجدية وغير نجدية، مطبوعة ومخطوطة، فضلاً عن كتب الرحالة ومقالات الصحف القديمة، وبحوث المجلات العلمية المحكمة، ومن مراجعه مخطوط لسليمان بن صالح الدخيل (1271-1365)، وهو الكاتب الوحيد الذي ألَّف عن هذه الإمارة وهي لا تزال قائمة، كما أفاد من الوثائق المصرية الخاصة بالجزيرة العربية أيام محمد علي، التي أعدها وحققها أ.د.عبدالرحيم عبدالرحمن عبدالرحيم وصدرت في سبعة أجزاء.
ومن الطبيعي أن يكون الفصل الأول عن الملامح الجغرافية، والاقتصادية، والبشرية لمنطقة جبل شمر، حيث نقل المؤلف عن بعض الباحثين تسمية جبل شمر بشآم نجد-ذكر لي مستثمر في الزراعة أن المنطقة الواقعة بين القصيم وحائل تعد واحدة من ثلاث مناطق سعودية خصبة جداً زراعياً-، وروى عن رحالة زارها عام (1180=1766م) وقال بأن الأُنس قد ضرب بينها وبين الهموم-وصدق فحائل بلد أنيس-، وقد أُحصي فيها ألفا بستان عام (1287=1870م)، وفيها (620700) نخلة، وتوصف قبائل شمر بأنها من أكثر القبائل امتلاكاً لأحسن أنواع الخيل والإبل، ولسوق حائل نشاط ورواج يعود لكونها ملتقى قوافل الحج العراقي والفارسي.
ونقل عن لوريمر-له موسوعة ضخمة عن تاريخ وجغرافية جزيرة العرب طبعها ديوان أمير قطر قبل عقود، وأعادت الدار العربية للموسوعات طباعتها طبعة أنيقة وغالية- أن سكان الجبل من حاضرة وبادية بلغوا (55) ألفاً يعيشون على (112)كلم2. وأما الرحالة موزيل الذي زارها سنة (1333=1914م) فذكر أن حائل تتألف من أربعمائة منزل تقع في أربعة أحياء، ثم أورد المؤلف انبهار الأجانب خاصة فالين-له رحلتان( عام 1845م تقريباً) مطبوعتان في كتاب واحد ماتع عن دار الوراق- بأخلاق شمر في الكرم والشهامة-وإنها لقبيلة ذات شمم وشيم-، وروى عنه أن لباس النساء عباءة سوداء أو بنية مع غطاء أسود للوجه، وأن الأطفال يوقرون الآباء بطريقة استثنائية لافتة.
وساد الأمن في الجبل حتى أن فالين يجزم بأن المسافر يقطع الصحراء آمناً وإن حمل ذهبه فوق رأسه! وكان الجبل آخر الأقاليم النجدية دخولاً تحت راية الدعوة السلفية عام (1205=1790م)، بينما تذكر مصادر أخرى أن خضوع الجبل للدولة السعودية الأولى كان قبل ذلك بأربع سنوات، ومن الطريف أن دوتي وصف آل رشيد بأنهم”نصف وهابيين”-ربما لسماحة أهل حائل حاضرة وبادية قياساً بمحيطهم-، لكن المؤلف عقب على وصفه بظهور شعائر الإسلام في الإمارة مع معاقبة من يخالفها، وختم الزعارير فصله الافتتاحي بإحصائية عن شمر بادية وحاضرة في عهد سعود بن عبد العزيز الرشيد (1326-1338=1908-1919م) إذ بلغوا ثلاثمائة ألف نسمة.
والفصل الثاني عن بروز إمارة آل رشيد، حيث خضعت حائل للحكم السعودي سنة (1201) بعد حملة قادها حجيلان بن حمد أمير القصيم-توالت الحروب بين القصيم وحائل حتى أصبحتا جارتين ضمن المملكة والحمدلله-، وكان من نتائج الحملة السعودية على حائل مقتل زعيم شمر مسلط بن مطلق الجربا، وانتقال الجربا إلى العراق؛ فصارت زعامة الجبل لآل علي أبناء عم آل رشيد، وقد عمل علي بن رشيد-والد عبد الله مؤسس الإمارة- في جمع الزكاة لسعود بن عبدالعزيز بن محمد، وأصبح أخوه جبر كاتباً مقرباً من سعود، وله عنده حظوة ومكانة.
وكان عبد الله بن رشيد مساعداً لفيصل بن تركي في الحملة على الأحساء، وحين قتل الإمام تركي بن عبد الله في آخر يوم من ذي الحجة سنة (1249=1833م) على يد ابن أخته مشاري بن عبد الرحمن بن سعود، كان لعبد الله بن رشيد دور بطولي في تسور القصر والاشتباك مع مشاري ورجاله حتى استعاد فيصل حكم أبيه، ولهذا الموقف أثر في تولية عبد الله بن رشيد على حائل بدلاً من صالح بن عبد المحسن في أوائل سنة (1251=1835م)، وفي مدينة الرياض حالياً شارع يحمل اسم عبد الله بن رشيد.
وبعد عام من تعيين ابن رشيد أميراً زحفت القوات المصرية على نجد مرة أخرى بقيادة خورشيد باشا، واعتقلت فيصل بن تركي ونصبت مكانه خالد بن سعود، وقد كسب ابن رشيد القائد المصري وحظي بتزكيته لدى محمد علي فالباب العالي؛ وأصبحت علاقاته وثيقة بهما خاصة بعد تأمينه الجمال لقوات خورشيد كي تغادر نجداً. وحين نشب النزاع بين خالد بن سعود وعبد الله بن ثنيان وقف ابن رشيد على الحياد بينهما، واستثمر ذلك في تثبيت أركان دولته، والتوسع شرقاً وشمالاً مستفيداً من أخيه عبيد.
وعندما خرج فيصل بن تركي من معتقله في مصر-على خلاف بين المؤرخين في تحليل أسباب فك احتجازه- نزل على ابن رشيد في الجبل عام (1259=1843م)، ومرة أخرى يشارك آل رشيد في جحافل فيصل لاستعادة حكم الرياض، وقد توثقت العلاقة بين البيتين الحاكمين بالمصاهرة بزواج طلال بن عبد الله آل رشيد من ابنة الإمام فيصل بن تركي- لازالت المصاهرة مستمرة بين البيتين-، ومات عبد الله بن رشيد عام (1263=1846م) بعد أن تمكن من تأسيس إمارة ترتبط إسمياً بالرياض، وتحافظ على علاقات حسنة مع العراق والحجاز ومصر.
ثم سرد المؤلف حكام الإمارة التي دامت تسعين عاماً، وحكمها اثنا عشر أميراً، أولهم عبد الله بن رشيد، ثم خلفه ابنه طلال لمدة عشرين عاماً (1263-1283=1847-1866م)، وقد انتحر بعدما أصيب بمرض عقلي، وولي الأمر بعده شقيقه متعب بن عبد الله، ولم يعمر طويلاً إذ قتله أبناء أخيه طلال عام (1285=1869م)، وآل الحكم لبندر بن طلال الذي حكم عاماً واحداً مضطرباً، وانتهى حكمه مع عمره على يد عمه محمد الذي قتله وجميع إخوانه.
وخلال ثلاثين عاماً تقريباً (1286-1315=1873=1897م) سيطر محمد بن عبد الله آل رشيد على حكم الجبل وتوابعه، وقطع الصلة الضعيفة لحائل مع الرياض، واحتل القصيم، وتوسعت الإمارة في عهده توسعاً غير مسبوق ولا ملحوق، إذ صار أميراً على المنطقة الواقعة من وادي السرحان إلى وادي الدواسر، ومن تيماء إلى الخليج، وبلغت دولته أحياناً حوران وصحراء العراق، ومات وعينه ترنو للكويت.
ولأنه بلا عقب فقد أوصى بالإمارة بعده لابن أخيه عبد العزيز بن متعب (1315-1324=1897=1906م)، الذي واجه صعوبات تمثلت في إتساع الإمارة، وقلة الموارد المالية، وتململ الناس من الظلم الواقع عليهم؛ خاصة أن سياسته الداخلية قاسية. وزاد من سوء موقف ابن رشيد التحالف المعادي الذي قاده أمير الكويت مبارك الصباح عام (1318=1901م) المعروف تاريخياً بمعركة الصريف أو الطرفية-صدر عن دار جداول كتاب ضخم حول هذه المعركة-، وفوق ذلك خطأ تقديراته للظهور السعودي من جديد في الرياض على يد الملك عبد العزيز في (شوال 1319=يناير 1902م)، وقد قُتل ابن رشيد الملقب بالجنازة- لشجاعته وإقدامه- في معركة روضة مهنا في (21صفر 1324=14أبريل 1906م)، واتفق المؤرخون على طريقة ومكان قتله؛ ولكنهم اختلفوا في قاتله؛ وكل مؤرخ ينسبه لمعسكره، وهو موضوع لم يلفت نظر الباحث أبداً.
ثم تعاقب على الحكم مباشرة أو تحت وصاية الأخوال من آل سبهان كل من: متعب بن عبد العزيز، ثم سلطان بن حمود بن عبيد، فأخوه سعود، ثم سعود بن عبدالعزيز بن متعب، فعبد الله بن متعب، وجميع هؤلاء قتلوا في غدر داخلي! وانتهت الإمارة في عهد حفيد مؤسسها الذي حكم أربعة أشهر قبل أن يستسلم للسعوديين، ليكون محمد بن طلال بن نايف بن طلال بن عبد الله المؤسس هو خاتمة حكام هذه الإمارة.
وخصص الباحث الفصل الثالث لبسط القول في نظام الحكم في عهد آل رشيد، حيث بلغت أزهى أيامها خلال الفترة (1308-1318)، ودانت لها أغلب البلاد النجدية، وكانت طريقة الحكم فيها متناغمة مع التقاليد العربية، فضلاً عن إتباعها لتعاليم الدعوة الإصلاحية ونشرها وإن كانوا أقل تعصباً من السعوديين كما يشير الرحالة فالين. واتخذت الإمارة راية من حاشية زرقاء عليها سيف وفوقه عبارة لا إله إلا الله، وكان للعصبية القبلية أثر في قوة الإمارة وتوسعها، واشتهر آل رشيد باستخدام الأحباش على أعمال مهمة، ولدى جيش الإمارة أربعة مدافع ألمانية لم يحسن رجال الأمير استخدامها، ولحكام حائل خيل وأبل من أجود الأنواع، ويهدي الأمير سنوياً من خيوله لإسطبلات الحكام الأقوياء في القاهرة وبغداد والحجاز والباب العالي، وباع عدداً كبيراً من هذه الخيول الأصيلة في أسواق بومباي؛ وربما أن سلالاتها النقية توجد حالياً في بريطانيا؛ فاللهم حرر العرب وخيولهم من الغرب وذيولهم!
ولأن حائل تابعة للعثمانيين فقد كانت الدولة العلية تصرف مستحقات سنوية لآل عبد الله وآل عبيد وآل سبهان، وكذلك لأمراء البلدات التابعة، وللجنود والقضاة والأئمة والمؤذنين الذي كان عطاؤهم المالي هو الأقل حتى من أجور الزوكورت-وهم الأعوان المفلسون حسب القاموس العثماني-.
وامتاز آل رشيد بأنهم لا يساومون على تنفيذ أحكام القضاء، وينعقد المجلس مرتين صباحاً ومساء، وقد ذكره فالين ودوتي الذي أسماه المحكمة الشعبية، حيث تعرض القضايا الواردة من القبائل والبلاد التابعة، وكان قاضي الجبل يعين من الرياض، وبعد استقلال الإمارة أصبح التعيين داخلياً؛ ثم تطور الأمر فأصبح آل رشيد يعينون القاضي والأمير في جل البلاد النجدية ومنها الرياض قبل أن يسترجعها آل سعود.
وبحث الفصل الرابع العلاقات مع أقطار الجزيرة العربية، وابتدأها بالحديث عن العلاقات مع القصيم التي ضجر أهلها من التنازع عليها؛ الذي يعود لمكانة المنطقة والخلاف بين قبيلتي عنزة وشمر، فضلاً عن توارث العداوة منذ أول حرب لإخضاع حائل عام (1201=1786م)، وأشهر معركة بين البلدين كانت وقعة المليداء في 13 جمادى الآخرة عام 1308(1890م)؛ وكان الانتصار فيها حليفاً لابن رشيد، وقد اشتهرت تلك السنة بتسمية المواليد أو تلقيبهم ب(محارب)، ويحفظ التاريخ وقوع ثمان معارك مهمة بين ابن سعود وابن رشيد حول القصيم فقط؛ قُتل فيها من الجانبين (3608) رجال، وجرح (2423) رجلاً.
وأسهب المؤلف في استجلاء العلاقات مع الكويت التي كانت مضطربة في أغلب الأوقات، فابن رشيد يبحث عن منفذ بحري، ويوالي العثمانيين، وآل صباح يوالون الإنجليز ليضمنوا دوام حكمهم، وعندما ساد محمد بن رشيد على نجد أغلق مبارك الصباح الميناء عنه، ونجم عن ذلك تأخر الإمدادات والبضائع إلى حائل، ولذا استقطب ابن رشيد يوسف الإبراهيم المعارض لمبارك الصباح والمطالب بدم أبناء أخته-قتل مبارك أخويه وأبناءهم ويوسف هذا خال لهؤلاء الأولاد- وفي المقابل استضاف ابن صباح الأمير عبد الرحمن الفيصل للضغط على حائل.
ومن توتر العلاقات بين البلدين أن محمد بن رشيد أوصى خليفته عبد العزيز المتعب بالحذر من ابن صباح! ولما قوي نفوذ الملك عبدالعزيز في نجد أخذ مبارك الصباح يتأرجح بين القوتين لإحداث توازن بينهما حتى ينشغلا عنه، وقد هتك الله ستر سياسته المتقلبة حين وقعت رسائله لكل طرف بيد الطرف الآخر.
ثم ختم المؤلف هذا الفصل بعلاقات حائل مع قطر، حيث تشتركان في الولاء للعثمانيين، وفي الطمع بالكويت، وكان جاسم يستنصر بابن رشيد على الكويت وساحل عمان، وأحياناً كان يعدِه بالسلاح والمؤن لتحقيق هذا الغرض، واستمرت العلاقات حسنة بين الجانبين إلى أن فترت بعد رفض جاسم التعاون مع ابن رشيد ضد ابن سعود نظراً للعلاقة الوثيقة بين الأسرتين القطرية والسعودية.
والفصل الخامس بعنوان علاقات آل رشيد مع الدولة العثمانية وبريطانيا، حيث بدأت العلاقة مع الباب العالي عن طريق والي مصر، وفي عهد طلال بن عبدالله أمر بالدعاء للخليفة في خطبة الجمعة، وكان محمد بن رشيد يرسل الجياد الأصيلة هدية للسلطان كل سنة مشفوعة بكتاب يقطر تمجيداً وولاء. ومع ذلك فقد خشيت الدولة العثمانية من تمدد نفوذ آل رشيد وخافت من استقلالهم عنها أو ارتباطهم بمعاهدة مع بريطانيا أو فرنسا، ولمنع حدوث ذلك وطدت علاقاتها مع آل رشيد، ومنحت الرواتب حتى لنساء بيت الإمارة، ولم تحل هذه العلاقة وتلك الرواتب دون إنكار محمد بن رشيد على الدولة العثمانية بعض مخالفاتها الشرعية.
وأما علاقة حائل بالأشراف فبدأت حسنة يجمعها العداء للبيت السعودي، ثم تذبذبت مع قوة آل رشيد، وتحولت إلى عداء بعد أن أعلن الشريف ولاءه الكامل لبريطانيا ضد الخلافة، ويعتقد المؤلف أن الرياض والحجاز والكويت والمحمرة كانت مدفوعة من الإنجليز للتعاون على إنهاء حكم ابن رشيد حتى تنقطع الإمدادات للعثمانيين في العراق والشام-ولإمارة حائل علاقة نسب ومصاهرة وتجارة مع العراق-، وكانت هذه الرغبة الإنجليزية مزيجاً من التصريح والتلميح، وفيها اعتراضات شكلية مع رضى خفي، وللرياض مصلحة خاصة في إنهاء حكم آل رشيد؛ ولذا استثمر الملك عبدالعزيز هذا التوجه البريطاني لصالحه؛ إذ لم تكن لحائل علاقة جيدة مع بريطانيا بسبب الكويت، والارتباط مع الدولة العثمانية.
وجعل المؤلف فصله السادس والأخير عن سقوط الإمارة، ويعُّد دخول الملك عبدالعزيز للرياض هو أول نذر السقوط التي لم يأبه لها عبد العزيز المتعب، ومن أسباب السقوط ميل الناس في نجد لآل سعود الأكثر التصاقاً بالدين والدعوة الوهابية، ومنها ارتباط حائل بدولة ضعيفة هي الدولة العثمانية، ورفضها توقيع معاهدة مع الروس، وفشلها في التفاهم مع بريطانيا، وحين انهزمت دولة الخلافة في الحرب العالمية الأولى حلت مكانها خمسة كيانات عربية جديدة في الجزيرة العربية، وأضعفها وأكثرها تضرراً هم آل رشيد في حائل؛ الذين أنهكتهم الجرائم والاغتيالات السياسية داخل الأسرة الحاكمة التي أغتيل تسعة من حكامها الإثني عشر! وأدى ذلك إلى خلخلة النظام المالي والإداري للإمارة التي سيطر عليها العبيد والأميرة فاطمة السبهان.
وأخيراً كتب المؤلف خاتمة بنتيجة بحثه التي تفرقت في فصول الكتاب، وأضاف ملحقاً بشجرة نسب آل رشيد وآل السبهان، ومراسلات ومخطوطات، ثم وضع صوراً غير واضحة لآل الرشيد-يفترض نقلها بأعلى جودة وهو أمر سهل فنياً كما فعل ناشر كتاب ضاري الرشيد عن نجد- ولم يشر المؤلف إلى اقتباس الصور من كتاب مرآة الحرمين، وهو كتاب نادر نفيس يحكي خبر رحلات الحج المصري إبان إزدهار إمارة آل رشيد، ومؤلفه اللواء إبراهيم رفعت، ولي مع هذا الكتاب قصة لطيفة أسردها في موضعها المناسب لاحقاً.
ولا شك أن في أحداث التاريخ بعد قراءتها من وثائق رسمية، ومصادر مستقلة، لعبرة لمن شاء أن يتجنب المزالق التي بادت لأجلها الدول بعد أن سادت، ومن هذه المزالق: الظلم، والعسف، والارتباط بقوى زائلة، وافتقاد عوامل القوة الذاتية، والنزاع داخل مؤسسة الحكم، وخلو تداول السلطة من نظام مجمع عليه؛ فضلاً عن دخول دائرة المنافسة على العرش من ليس أهلاً لها، وعدم الركون إلى عصبية مانعة؛ أو الالتصاق بدعوة دينية جامعة، ولله في خلقه شؤون؛ فكم تعمه بصائر قوم أبصارهم شهلاء كحيلة!
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
الجمعة 06 من شهرِ رمضان المبارك عام 1435
04 يوليو 2014
6 Comments
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أنا من أهل عرعر (١٣٩٢-١٤٢٨) ومن طلاب ابتدائية ابن الأثير،ثم متوسطة سعيد ثم ثانوية عرعر وانتهاء بثانوية الملك فهد..
اطلعت على سيرتك العطرة ، و ذكرتني فيها بأساتذتنا: أحمد خليل ، مالك خليل ، د/خلف رشيد ، جابر الفيفي -رحمهم الله أحياء وأمواتا ..كما قرأت كتاباتك الرائعة ، وأعجبتني أسلوبا و تسلسلا ، والمهنية والموضوعية في نقدك وابداء رأيك في كتاب أو موضوع ..
استمر .. ويشرفني متابعتك هنا و في تويتر ..
وفق الله الجميع
أخوكم/ عايض سعود اللاحقي الشمري
الرياض – وزارة التعليم