مَنْ يتبنَّى للأمَّةِ مشروعاتها؟
تتميزُ أمةُ الإسلامِ بتعدادِها الضّخمِ وكثرةِ الشبَّان والأطفالِ خلافاً للأممِ الكافرةِ الهرمة؛ كما تختصّ الأمةُ المحمّدية بتعدُّدِ مجالاتِ خدمةِ الشّريعةِ الإسلاميةِ وكثرةِ ميادينِ البذل والعطاء والجهادِ، إضافةً إلى رغبةِ السّوادِ الأعظمِ من جماهيرِ المسلمين تقديمَ شيءٍ لصالحِ دينهم ومجتمعاتهم وأوطانهم.
وهي رغبةٌ ملحةٌ لدى الكثيرين أيَّاً كان مستوى تدينِهم لعظمِ أثرِ العاطفةِ الدينيةِ على أغلبِ المسلمين، وما أكثرَ ما يترددُ سؤالِ الملهوفين بصيغٍ مختلفةٍ عن كيفيةِ خدمةِ هذا الدين، وإنَّ هذا الشّلالَ المتدفقَ من الطّاقاتِ والقدراتِ لجديرٌ بالاستثمار ضمنَ مشاريعِ الأمةِ الإسلامية حتى لا يضيعَ هباءً، أو نهبَ قُطَّاعِ الطُّرقِ من أهلِ الشّبهِ والشّهوات.
لقدْ قامَ الإمامُ العبقري البخاري بخدمةٍ عظمى حينَ جمعَ الصّحيحَ من حديثَ رسولِ الله- صلى الله عليه وسلم-بعدَ كلمةٍ سمعها من إسحاق بن راهويه؛ وحملَ الشّهيدُ نور الدين رايةَ الدّفاعِ عن بلدان المسلمين حين دهمها المدُّ الصّليبي الحاقد دون أنْ يلتفتَ لكثرةِ الخونة والمرجفين؛ وجمعَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ الجهادَ من أطرافه، بالعلمِ والعمل والصّبر والاحتساب؛ حتى غدتْ مؤلفاتُه ومواقفه مورداً عذباً، ومنهلاً مزدحماً من طلابِ العلمِ والعمل.
وفي هذه العصورِ المتأخرة، نهضَ الإمامُ محمد بن عبد الوهاب بدعوةٍ سلفيةٍ إصلاحية، بعدما رأى الضلالاتِ والشّركياتِ والبدعَ في العالمِ الإسلامي، فكانتْ دعوتُه نبراساً لغيرها، وصارتْ شوكةً في حلوقِ الأعداءِ من الكافرين وأتباعهم المنافقين.
كما استفرغَ الإمامُ الألباني جهدَه لتنقيةِ السّنَّة النّبويةِ المشرَّفةِ مما علقَ بها من الأخبارِ الضّعيفة والموضوعة في مشروعٍ علمي حديثي ضخم، وللإمامِ عبدِ العزيز بنِ بازٍ أثرٌ لا ينكرُ في استنقاذِ الفتوى من التّعصب المذهبي، وردِّها للكتابِ والسّنةِ وإجماعِ الأمة، والروض أنف لما رام خدمة بلاده وأهله وأمته، فأيّ نفع لمجتمع صغير أو كبير سيصب في صالح البلاد والناس والأمة قاطبة، والعكس صحيح.
إنَّ أمةً أنجبتْ هؤلاءِ الأفذاذِ وغيرهم -رحمة الله ورضوانه عليهم- لقادرةٌ على إنجابِ آخرين يحملونَ على عواتقهم همَّ الأمةِ الإسلاميةِ ومشاريعها في مختلف الجوانبِ والتخصصات والاهتمامات وفي كل البلاد والبقاع؛ وَكمْ تركَ الأولُ للآخرِ إذا صدقتْ العزائمُ واستيقظتْ الهمم؛ وهذه المشروعاتُ تحتاجُ عونَ وبذلَ شرائحِ الأمةِ كلِّها دون استثناء.
وأجزمُ أنَّ في عقولِ المسلمين عددًا كبيرًا من الأفكارِ والمشروعاتِ الناجحة؛ وبعضها قدْ يكونُ قائماً ويحتاجُ منَّا الدعمَ المعنويَّ أو المادي، وأكثرُ هذه المشروعات المباركة تحتاجُ إلى جهدٍ جماعيٍّ مؤسسي؛ ولا بدَّ فيها من جهودٍ مشتركةٍ بينَ العلماءِ والحكامِ والأثرياءِ والمفكرين والمؤسساتِ إضافةً إلى أفرادِ المشروعِ والقائمين عليه، ويجبُ أنْ تكونَ هذه المشروعاتُ مخططةً بإحكامٍ وتوقيتٍ مناسبٍ وفريقِ عملٍ متكاملٍ مع أهميةِ التأكيدِ على الصبرِ والمجاهدةِ والتأنَّي في بلوغِ الغايةِ ورؤيةِ الثمرةِ فما لا يدركُ في دنيا الناسِ لا يضيعُ عندَ ربِّ الجنِّةِ والنِّاس.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرياض
الجمعة 06 من شهر رجب الحرام عام 1428