خيانة ذات قرون
يمر بنا في كثير من قراءات التاريخ السياسي أخبار حروب، ولجان، ومؤتمرات، ومعاهدات، يكون المسلمون طرفًا فيها، أو موضوعًا لها، والطرف الآخر من النصارى أو اليهود، ويمكن أن نخلص من فحص هذه القراءات إلى أربعة ملامح لا تكاد أن تتخلف، وهي:
أولًا: اتفقت دول الغرب علنًا أو سرًا ضدّ أمتنا وإن أظهروا حيادًا أو عونًا لنا، ولا تنخرم هذه الملاحظة إلّا إذا كان لفريق منهم مصلحة كبيرة ضدّ أحد المعتدين، أو نزاع مرير معه، فيكون تدخله لمصالحه الخالصة، وبمجرد حصول مبتغاه يتغيّر موقفه؛ لأن مؤازرتنا ليست هدفًا أصليًا عنده.
ثانيًا: لم تخرج أمتنا بأيّ فائدة ذات قيمة من اللجان المجتمعة، أو المؤتمرات المنعقدة، التي تدرس في ظاهرها مظلمة واقعة، وحقيقتها تأخير للوقت، وتخدير للمشاعر، وترتيب لما يلي من مراحل، ومن المؤلم أن أيّ قرار لصالحنا لا ينفذ، أو يرى وجه الحياة وهو مشوّه، بينما يشرعون فيما يضرنا سراعًا كأن وراءهم من يؤزهم إليه أزًا.
ثالثًا: لا توجد معاهدة أو اتفاقية بين المسلمين والغرب راجحة المصلحة لأمتنا، بل يتضح الغبن فيها لدرجة العجب ممن وقعها وهي لا تمنحه إلّا سرابًا، وتسلب منه النفيس معنويًا وماديًا، وثالثة الأثافي أنهم إذا تحققوا من ضرر المعاهدة عليهم يعاملونها -بنصّ تصريحاتهم- مثل مناديل المراحيض!
رابعًا: إذا كانت المعاهدة سرية تُخجل من شارك فيها فما أعجل إعلانهم لها كي يزيدوا خلافاتنا، ويحرجوا من أبرمها، ويفضحوا حليفهم.
ولربما يسأل المرء عن سبب هذا الهوان، والنتائج السلبية التي آلت إليها جولات التفاوض، والمعاهدات، والحروب، ويمكن نسبة هذا الخذلان إلى:
- تقديم المصلحة الفردية.
- تشتت المسلمين وتفرقهم.
- فرط الثقة بالغرب، وتصديق تصريحات فضفاضة وحمالة أوجه.
- تغييب رأي الأمة.
- العجز عن تفعيل مكامن القوة والعوامل التي يمكن الضغط بها.
- انفصال كثير من شؤون الحكم والعلاقات الدولية عن فقه السياسة الشرعية.
- الرضا المريب بالضعف دون محاولة تغييره، أو استثمار الأحداث لكسب المواقع وصناعة المستقبل.
ومع ذلك كله؛ فلسنا نيأس من صلاح الأحوال، ومسيرها نحو الأمر الرشيد، والتصرفات ذات الكياسة والحصافة، فعقل العربي، وحكمة المسلم، كفيلة بمنحه القدرة بعد توفيق الله وعونه على تحقيق آمال أمته، وتخليصها من آلامها، وبتر أيادي المجرمين من المنافقين والكافرين.
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
الثلاثاء 05 من شهر رمضان 1441
28 من شهر أبريل 2020 م