إدارة وتربية

فن إدارة المهام

فن إدارة المهام

حياتنا مجموعة من المهام، سواء في البيت أو العمل، ومع الأصدقاء أو فيما يخص النفس، وفي مجالات الاهتمام ومع الجوار، فالفراغ بلاء ومفسدة ومنقصة إذ يشعر المرء بخواء داخلي، وانعدام النفع، حتى لكأنه من الأعداد التي لا تختلف النتائج بحضورها أو غيابها مثل الصفر مجموعًا أو مطروحًا، وكالواحد مضروبًا أو مقسومًا، وما أبخس الحياة إذا أصبح هذا قدر المرء فيها، وما أوضع قيمة الإنسان الذي لا يجلب منفعة ولا يدفع ضررًا.

إن حقيقة السعادة تكمن في شغل النفس، إذ لا يحضر الشيطان إلّا مع الفراغ، فالأيام المكتظة بالأعمال نعمة وإن بدت ثقيلة أو شبيهة بالنقمة، ومن جرّب الفراغ وطعمه المرير أدركه الحبور بزحمة الأعمال حتى لو لم ينجزها كلها، فلوجودها أثر حاسم في ترتيب ساعات اليوم وضبط تتابع الحياة، وفوق ذلك تذيقك لذة طعم الإنجاز، وحلاوة النهاية والتمام، وتخلصك من أسقام النفس والجسد بالحركة والفكر والحوار والمعايشة.

ولأن المهام تتكاثر على المرء مثل تكاثر الظباء أو الوحوش على خراش، وحتى لا تضيع من الإنسان الفرص أو تختل لديه الأولويات؛ فهذه بعض الأفكار التي تعين على إدارة المهام وإنجازها، ولو وضع الواحد حصاة مع كل مهمة ينجزها لبنى جبلًا ضخمًا لم يكن يخطر على باله ذات يوم أنه يستطيع تشييده، وأي كبير نراه تؤول حقيقته إلى جزئيات صغيرة اجتمعت وتراصت، وستكون دليلًا لمن شاء أن يضبط مهامه ويديرها؛ فيستثمر وقته وعمره:

التقييد أول خطوة:

قيّد جميع مهامك سواء على ورقة أو بواسطة التطبيقات المنتشرة لإدارة المهام، ولا تركن لذاكرتك فهي ليست موضعًا لحفظ ما يمكن حفظه وتذكره بغيرها، وستجد أن ذهنك أصبح أصفى وأقدر على التفكير والتحليل والاسترجاع، وأبعد عن التشويش الذي تحدثه كثرة المحفوظات دون حاجة.

التقسيم ضرورة وحكمة:

بعض المهام ضخمة أو كثيرة التفرعات، وبحكم الضرورة أو بمقتضى الحكمة فإن تقسيمها إلى مهمات صغيرة وجدولتها هو الأنسب والأيسر والأكثر تحفيزًا للأداء والبدء، فمن المحال على الواحد أكل الجمل مرة واحدة، بيد أنه مع التقطيع والتقسيم سيكون سائغًا لذيذًا وفي دائرة الإمكان دون صعوبة.

التوقيت سر التنفيذ:

إذا دونت المهمة فحدد لتنفيذها وقتًا، وإذا لم يكن وقت التنفيذ واضحًا لديك حال التقييد فيمكن العودة له مع مراجعة المهام الدورية وتحديده.

المراجعة أساس النجاح:

يخطئ واحدنا إذا ظن بأن مجرد كتابة المهام كفيل بإنجاح مساعيه، إذ لا بدّ له من الالتزام بنظام مراجعة يومي لمهامه، وذلك من خلال مراجعتها كلّ ساعة أو ساعتين، ومع بداية العمل ونهايته، ومن المناسب أن يتفقد الإنسان مهامه يوميًا عقب أذكار الصباح والمساء، ويطلّ عليها قبيل أذكار النوم.

الفئوية مطلوبة:

تصنيف المهام إلى فئات مفيد للغاية، فهذه مهام شخصية، وأسرية، وعملية، وثقافية، ومجتمعية، ومنها ما تنتظره من الآخرين، أو ما ينتظره الآخرون منك، وفيها العاجل، والمرتبط بحدث مثل السفر والمواسم، وربما يكون أحدها لما يطرأ على الذهن، ولكل منتج التصنيف الذي يرتاح إليه.

اخدم عاداتك الحسنة:

يحرص البعض على بناء عادات حسنة تعينه في مسيرة الحياة ومساراتها، وستكون إدارته الموفقة للمهام خير معين له في ضبط عاداته، وتنفيذها، ومتابعتها، حتى لا ينفلت منه الزمام بما عهد عن النفس من تفلت، وجنوح نحو الراحة.

التشاركية حل أحيانًا:

تتيح بعض تطبيقات إدارة المهام التشارك مع الأسرة أو الأصدقاء أو فريق العمل، وهذا مفيد في المهام المشتركة، والرحلات، وغيرها، والشيء بالشيء يذكر، فثمت تطبيقات تعين على إدارة فرق العمل، وفيها المختصر محدود العدد، ومنها الواسع ذو الامتداد، ولكل أحد من تطبيقاته ما أحب واعتاد عليه.

العد التنازلي:

من مكملات إدارة المهام الاستعانة بتطبيقات العد التنازلي، وهي مفيدة في حساب المدة المتبقية على المناسبات، وتجديد الأوراق الرسمية، والمواعيد النهائية، وربما يغني عنها تطبيق إدارة المهام إذا استخدم باحترافية.

التقويم لعمل قويم:

أيضًا تعد تطبيقات التقويم ضرورية في حياة الإنسان المنجز، وتختص بالمواعيد الثابتة التي صارت جزءًا من اليوم أو الأسبوع أو الشهر أو السنة، فتضبط مع باقي التطبيقات عيش الإنسان وعمله ووقته.

التفويض نتيجة لازمة:

إذا كتبت جميع مهامك، فسوف تلاحظ أنها كثيرة، وبعضها قابل للتفويض الفوري، وفيها ما يمكن تفويضه بعد التدريب عليه، فاستعن بالله واستمتع بالتفويض على بينة ونور، وسوف تسعد وتُسعِد، ولا تنقطع عن هذه السياسة حتى تصبح كلمة التفويض على رأس لسانك.

الرفض مكرمة:

ما أجمل كلمة “لا” إذا جاءت في موضعها وسياقها المناسب، فلا توافق على أي مهمة، ولا تتكفل بعمل يزاحم الأساسيات عندك، أو يربك جدولك، أو ليس من اهتمامك، أو لا تجد له وقتًا وطاقة، وتذكر أن الماء- وهو الماء- قد يؤذي صاحبه إذا أسرف في الشرب منه.

أشير إلى أن عملية ضبط المهام ورقيًا أو عبر التطبيقات ترجع لتفضيل كلّ شخص، على أن في استخدام التقنية مزايا عديدة هي التذكير حسب جدولتك لوقت التنبيه، وأن الأجهزة الذكية ترافقنا دومًا ولن تُنسى أو تضيف حملًا زائدًا كالورقة، وفرصة ضياعها أو تلفها أقل، ويمكن أخذ نسخ احتياطية منها، ويمكن مشاركتها مع الآخرين، وربطها مع تطبيقات أخرى، وفائدة نفيسة أخيرة هي توثيق بعض التواريخ والأحداث للعودة إليها حين الحاجة، وفي كلّ خير، والشكر لمن سأل وناقش، وكانت الثمرة هذه الفقرة.

وبعد أن تصبح عريقًا في هذا الشأن، سوف تكتشف كم ضاع من الوقت وأُنهكت الذاكرة من قبل، وستجد أنه ليس ألذ من قولك عن مهمة أنها تمت وأنجزت، وستغدو كثرة المهام لديك غير مخيفة ولا مقلقة، فزيادتها دافع للعمل والنشاط وتفويض الآخرين وفي ذلك منافع لازمة ومتعدية، ولسوف تشعر بالحيوية والنجاح إذا رأيت قائمة المهام المنجزة وهي منسدلة انسدال الشعر الكثيف على الوجه الجميل، على أمل أن يكون نجاحك مجلبة للسعادة في الدنيا، والفلاح في الآخرة، وهذه غاية من يسأل مولاه أن تكون صلاته ونسكه ومحياه ومماته لله رب العالمين.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض

ahmalassaf@

الاثنين 28 من شهرِ رجب عام 1441

23 من شهر مارس عام 2020م 

Please follow and like us:

4 Comments

  1. السلام عليكم ،،،
    منذ ان بدأت بتدوين المهام وتنظيمها حسب الاولوية قبل اكثر من عامين وكذلك مزاحمة العادات السيئة او أقول السلبية بدأت الانجازات تتوالى تلقائياً ولله الحمد ، وأحياناً منجزات لم اخطط لها ، فجزاك الله خيراً اولاً وآخراً ياأبا مالك .

  2. ماشاءالله مواضيع قيمة وغنية بالفائدة…
    اضف الى ذلك انتقاء لما يناسب الأوضاع الحالية…
    نفع الله بكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)