حمد الحصيني وعمارة الآخرة
توفي الشيخ حمد بن عبدالرحمن بن محمد الحصيني (1345-1441) يوم الأحد الثالث عشر من شهر رجب بعد حياة طويلة ابتدأها من بلدته الجميلة النجيبة أشيقر التي ولد ونشأ فيها، ثمّ عمل منذ صغره بأعمال بعضها شاقة على مثله قليلة الدخل، ومع الإصرار والاستمرار وحسن النية-نحسبه-نال التوفيق من الرزاق الكريم، وفتح له الفتاح الوهاب؛ حتى صار من رجال المال والأعمال.
ولأن الرجل أدرك معنى الحياة ومغزى العيش في الدنيا، فقد جعل المال في يديه خادمًا له دون أن يحتل قلبه وعقله ويصبح سيدًا آمرًا عليه، أو مسيطرًا يحول بينه وبين الوجهة التي يبتغيها، وكم صرفت شهوات المال وغيرها من المحبوبات الناس عن الطريق لرب العالمين، بيد أن أبا عبدالرحمن كرر بقوله وفعله ونصائحه أهمية عمارة الدار الباقية دون نسيان النصيب الحلال من الحياة الدنيا.
لذلك أطلق الشيخ حمد مبادرته المبكرة بافتتاح مكتب خيري مجتمعي ضمن عمله التجاري، ثمّ أفاض على المكتب من عنايته وأغدق عليه من ماله، وصيره مؤسسة خيرية مانحة ذات كيان مستقل، وحتى يضمن لها الاستمرار والاستقرار أشرك فيها عائلته، وخصص لها أوقافًا قديمة وجديدة قبل رحيله بسنوات، وانتقى مجلس نظارتها وإدارتها من بنيه ومن غيرهم، فضمن بذلك الاستدامة، والمشاركة العائلية مع فريق من المختصين والخبراء الذي يزيدون من ضمان مضاء الوقف في طريقه دون عثرات.
ومن سمو نفسه وبعد نظره وكبير إحسانه وبره أن أشرك في أجر هذه الأوقاف والديه، وذريته، وزوجاته، وإخوانه، وأخواته، وأشرك في أجرها كذلك أعضاء مجلس النظارة، وجميع العاملين فيها ووالديهم، وكل من أسهم في خدمة الوقف والمؤسسة بجهد أو نصح أو رأي أو دعوة صالحة، وكل مسؤول في أيّ مؤسسة حكومية أو أهلية قدم دعماً أو تسهيلاً أو أزال عقبة عن هذه الأوقاف رغبة في إنجاحها ورعايتها، وهذا درس في التحفيز والاحتواء أيضًا.
ثمّ كان من بركة هذا العمل أن دعمت مؤسسته الخيرية أكثر من تسعمئة مشروع خيري، وتشاركت مع مؤسسات مانحة أخرى في أربعين مشروعًا، ووقعت على عدد من مذكرات التفاهم مع شركائها في القطاع المانح، وتعاملت مع ألف وأربعمئة مؤسسة خيرية عاملة عن طريق بوابتها الإليكترونية للمنح، وهي من أوائل البوابات الإليكترونية في الحقل الخيري، والإمامة في الخير سبيل لكسب الأجور والحسنات.
بينما شملت أعماله الخيرية كافة أنحاء المملكة، وتنوعت مجالاتها ليعظم أثرها، وله يد طولى في شراء المساكن للفقراء، وترك أرضًا كبيرة اشتراها حين علم أنها غدت مساكن لمساكين فلم يرد خرق سكينتهم، ومن حسن تقديره تكفله بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإسبانية وهي لغة عريضة جغرافيًا ويتحدث بها مئات الملايين، ومما فتح الله به عليه وعلى مؤسسته تنفيذ مشاريع لتطوير العمل الخيري، وتأهيل الأسر الفقيرة لتستغني، وها هي مؤسسته المباركة تخطو بحكمة نحو تحقيق مصالح البلد والمجتمع.
أما صفات الشيخ الراحل فيلخصها أحد مرافقيه الخلص في السفر خلال ثلث قرن بقوله: إن الشيخ الحصيني خفيف المؤونة، طلق المحيا، سريع الاستجابة للخير والصدقة والإنفاق، يحرص على طول القيام في الليل للتهجد، ويظل في مصلاه بعد الفجر حتى تشرق الشمس، وإذا سمع بمصاب للمسلمين بادر للمشاركة قدر استطاعته، وحث غيره من أهل الأموال على فعل ذلك؛ فالدنيا زائلة ولن يبقى للمرء إلّا ما أسلف من معروف.
كما اشتهر بالتحرز في شؤون المال فلا يدخل في مجال تحوم حوله الشبهة، ولذلك امتنع عن أخذ القروض من المصارف حتى التي توصف بأنها إسلامية، وابتعد عن تجارة الأسهم التي يخشى من دخول الربا فيها، واعتذر عن إكمال المشاركة في شركة سياحية قررت استثمار أموالها في أعمال مصرفية مع أن رئيس مجلس إدارتها رجل مهاب.
وحين ظفر بوكالة ساعات شهيرة وأجهزة تلفزيون معروفة راجع نفسه وتخلى عن وكالة أجهزة التلفزيون حذرًا من أن يبوء بإثم ما سيعرض فيها من مخالفات، وقرر ذلك دون تردد مع أن غيره حسده على هذا السبق الذي تقاطر عليه مستثمرون كثر معه وناله دونهم، ولم يلتفت لاختلاف درجات المحذور في المعروض على الشاشات، ومن ترك لله شيئًا فبشراه عاجلة وآجلة.
وله ديوانية مفتوحة يجتمع فيها الفضلاء والمثقفون، ومجلسه لا يمل ببشر محياه، وصدق ترحيبه، وحلو حديثه، وحضور طرفته، وابتعاده عن التعقيد والتضخيم، فضلًا عما وهبه الله من حكمة في القول، وجودة في الرأي، وما أكمل المجالس التي تدور فيها الفوائد، ولا تكثر ضمنها التراتيب، ولا يُسرف خلالها في الموائد، ويقف على رأسها بعيد نظر كثير التواضع لا ينطق بكلمة تُنتقد كالشيخ حمد تمامًا.
هذه صورة عن أثريائنا أهل السماحة والجود والتقوى في المال وما أصعبها من تقوى، وهذه لمحة خاطفة عن رجل عاش بيننا وروحه تنتظر إجابة داعي الله فاستعد لها بصنائع المعروف، ولذلك بادر كرام الناس، ومؤسسات العمل الخيري والمجتمعي لنعيه والثناء عليه والدعاء له، وأنعم وأكرم بالشهود والمشهود له، والله يرفع درجاته في عليين، ويحفظ الخير في عقبه وآله وإنهم لكرام ميامين.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرياض
الثلاثاء 15 من شهرِ رجب عام 1441
10 من شهر مارس عام 2020م
7 Comments
بسم الله الرحمن الرحيم
رحم الله الشيخ حمد بن عبد الرحمن الحصيني لما قدمه من اعمال الخير .وجعل مثواه جنة الفردوس الاعلى . وبارك الله له في ذريته . وكثر من امثاله
وجزاك الله خيرا الكاتب الفاضل احمد حفظه الله ورعاه . لكلماتك التي تكتبهافي مقالاتك عظيم الاثر وحسن التاثير في النفوس جعلها الله العلي القدير في ميزان حسناتك وحسنات والديك . وزادك الله علما ونفعا ورفعة . وفقك الله لما يحب ويرضى
السلام عليكم
رحم الله الوالد الشيخ حمد الحصيني
رحمه واسعة واسكنه المنزله العالية
من الجنه. ونسال الله ان مااصابه من
مرض وألم في أيامه الأخيرة ان تكون
تكفيرا له ورفعه في المنزله
ونشكر الاخ الفاضل احمد العساف
علي ما اظهر من جانب من حياه الوالد
يرحمه الله
رحمه الله واجزل ثوابه وأكثر من امثاله ، ان مجتمعنا ثري بابناؤه وهذه الشخصيات التي تركت اثرها في المجتمع والحياة استحق ان يكون لها شاهد يظهر هذا المجد ويذكر به وان كان غيرهم خلدها تماثيل من احجار فيمكن ان يكون لدينا شواهد حيه سنوية مثلا يروي الأحفاد مجد آبائهم وتكون رمز في تواصل الأجيال ، تحياتي
اللهم أبدله دارا خيرا من داره واهلا خيرا من اهله وادخله الجنة وأعذه من عذاب القبر
اللهم اجزه عن الاحسان إحسانا وعن الإساءة عفوا وغفرانا
اللهم انزله منازل الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا
اللهم إنه في ذمتك املأ قبره بالرضا والنور والفسحه والسرور
الله يرحم الشيخ حمد ويجعل مثواه الجنة
غفر الله لوالدنا الشيخ حمد الحصيني اللهم احشره مع أصحاب اليمين، واجعل تحيّته سلامٌ لك من أصحاب اليمين، اللهمّ بشّره بقولك “كلوا واشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيّام الخالية”. اللهمّ اجعله من الّذين سعدوا في الجنّة،خالدين فيها ما دامت السّموات والأرض. اللهمّ لا نزكّيه عليك، ولكنّا نحسبه أنّه آمن وعمل صالحاً، فاجعل له جنّتين ذواتي أفنان، بحقّ قولك: “ولمن خاف مقام ربّه جنّتان”. اللهمّ شفّع فيه نبيّنا ومصطفاك، واحشره تحت لوائه، واسقه من يده الشّريفة شربةً هنيئةً لا يظمأ بعدها أبدا وأن يغفر لنا ولجميع أمواتنا ويصلح من أحوالنا ويهدينا إلى الصراط المستقيم.
رحمة الله على الشيخ حمد الحصيني واسكنه الفردوس الأعلى من الجنه وأسال الله عز وجل أن يجعل كل ما قدم في موازين أعماله وأن يبارك في ذريته
رحم الله الشيخ حمد الحصيني
وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنه
وأسأل الله عز وجل أن يجعل كل ما قدم في موازين أعماله وأن يبارك في ذريته