سير وأعلام

عدنان البار: الحركة والرحيل واقفًا!

عدنان البار: الحركة والرحيل واقفًا!

فُجعت كما فجع غيري قبيل ظهر الأربعاء الثلاثين من شهر ربيع الأول عام (1441) بخبر رحيل الدكتور عدنان بن أحمد بن حسن البار (1377-1441) الذي عاش حياته بين أعمال طبية وتعليمية وإدارية وبحثية وشورية، وأما درة تيجانها فمنجزاته ضمن العمل الخيري والمجتمعي من خلال إنشاء جمعية زمزم الطبية وإدارتها؛ وإن كان عمله كلّه كما نحسبه في الخير وخدمة المجتمع والبلاد ومكة الطاهرة على وجه الخصوص.

ومع أني لم أقابله في حياته البتة إلّا أنه كان بيننا تواصل هاتفي بالمكالمات أو التراسل، فوجدت منه التجاوب السريع، والتعاون الصادق، والموضوعيّة في الحكم والرأي المبني على منهج علمي وقسطاس مستقيم يحميه من زيغ الهوى، أو التجني على أيّ طرف، ولا يعرف الانصاف وينطق به إلّا الكمّل الحكماء وما أندرهم وأخفاهم.

ومن الموافقات أن يجمع اسمه الرباعي الكريم طرفًا من شمائله؛ فالرجل بار بأمته وبلاده ومدينته ومهنته والقطاعات التي عمل فيها، ووهبه الله حسن الظن بمولاه حتى في حوالك الأحداث، وحسن الظن بالناس فلا يقبل الوشايات على عواهنها، وحسن الخطاب والفعال؛ ونال الحمد ممن عرفه وتعامل معه، وكيف لا يكون كذلك وهو المقيم بين دوائر الخير يتقلّب فيها ملهمًا أو مبدعًا أو معلمًا بين فضل وعدل وإحسان، وما أعظم المرء الذي سخره الله مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر.

كما كان إنسانًا واقفًا في الموضع الصحيح؛ فلا يتجاوز الحدود المرعيّة، ولا يتعدى الضوابط النظامية، وهو أنوف من السقوط بجميع أشكاله وحاشاه، وعاش ومضى بعد أن منح لباب جهده وفكره للعمل الوقفي في المجال الصحي الرحب، ونشط لإحياء هذا المفهوم في الواقع، وما أحوج أمتنا أن تستعيد مجدها الحضاري عبر أبواب الوقف الذي أبدعته وأخرجته للناس فطارت به أمم الدنيا، وقعدنا به زمنًا وقد آن لنا أن نقيل عثراته، وننطلق به إلى حيث كانت مراميه السامية في التنمية، والاستدامة، وحفظ المقاصد الشرعية قاطبة.

بينما اشتهر في العمل الخيري بشعارات نطق بها وفعّلها؛ فمنها كلمته الجميلة “معًا للحياة” وهل أسمى للحياة من ماء زمزم الطاهر بجوار الكعبة الشريفة وهو طعام طعم وشفاء سقم، وهي قيام للناس في جلّ شؤونهم، وما أجدرنا بتعظيم البيت فهو بركة وقوة لأهله وجواره، ومن تطبيقات د.البار التي ينقلها عن قدوته الراحل د.عبدالرحمن السميط أن الواجب يقتضي إعطاء العاملين في القطاع الخيري حقّ المثل وفوقه؛ فهذا القطاع رافد خير في الرخاء والشدة.

ومما لفت نظري أن أحاديث الكرام الفضلاء عن راحلنا البهي مليئة بعاطفة متدفقة صادقة بيد أنها تخلو من المواقف التي تخلّد ذكره وتجعله قدوة عمليّة لأبناء أمتنا ونموذجًا يُحتذى به، وليتهم بعد الإفاقة من هول المصاب أن يحفظوا عنه ما يحقق ذلك خاصة وقد عاصروه عن قرب وعرفوه وعملوا معه ورافقوه في حضره وسفره، فالمواقف والآراء والكلمات الخالدة أبقى من المشاعر المرسلة وإن زانها كثير من الصدق وكثير كثير من الحب.

أما المحزن فهو محاولات بعض اللئام إفساد وسمه الذي ملأ تويتر من خلال تغريدات التسول والطرائف الباردة والإعلانات التجارية والمجون؛ فهل يُعقل أن هناك من حسده على الثناء وعاجل البشرى وقد غدا في عداد الأموات؟ أم ضاقت صدور أقوام برجل متدين غزير العلم كثير العمل والمفاخر بعد أن نشر الله له القبول وحسن الأحدوثة بين فئات متنوعة من الناس يُراد لها ألّا تعرف معروفًا أو تنكر منكرًا؟

ألا رحمة الله عليك أبا أحمد يوم رحلت وصلي عليك في الحرم المكي، ورحمته عليك في برزخك إلى أن يقوم الناس لرب العالمين، والعزاء لبيتك وأسرتك ومحبيك وطلابك، وأما مسيرتك فهي طاقة إشعاع باقية تسعى عبر مدرسة مستمرة أركانها النية الصادقة، والتخطيط الرشيد، والنفع وخدمة المجتمع، والعمل ذو الأثر الدائم، بفضل الله وتأييده ثمّ بعزيمة رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه؛ فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر بيد أنه يعمل بحراكه ووقوفه ووقفه مادام في الحياة فسحة وإن تقاصرت، وإمكان ولو من منافذ إبرة.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

ليلة السبت 03 من شهرِ ربيع الآخر عام 1441

30 من شهر نوفمبر عام 2019م  

 

Please follow and like us:

4 Comments

  1. ما شاء الله على الرغم من انك لم تقابله لكن عنواك مقالتك يعكس واقعه الحقيقي وكأنك معاشره

    رحم الله الدكتور عدنان واسكنه فسيح جناته

  2. صدقت فيما قلت اخي احمد العساف فالاستاذ الدكتور عدنان البار هو زميلي اثناء دراسة الطب في الكلية ثم زميلي في دراسة الزمالة في طب الاسرة والمجتمع وزميلي كأستاذ بجامعة الملك فيصل وزميلي في ادارة الجمعية السعودية لطب الاسرةً. نعم الرجل ويستحق ان يصدر كتاب عن سيرته وسنعمل علي ذلك باْذن الله . اللهم ارزقه الفردوس الاعلي .
    د نبيل ياسين القرشي

  3. ومما لم يذكر تشجيعه للنساء على المشاركة في تنمية المجتمع فقد كان رحمه الله من المؤسسين لجمعية الشقائق بجدة والتى رسالتها نحو دور أمثل للمرأة وكان يحثنا على التعلم والتدريب لتحقيق الدور المطلوب بجودة وكفاءة رحمه الله رحمة واسعة وسنواصل المسير لتحقيق الأثر

  4. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    رحم الله الدكتور عدنان البار رحمة واسعة واسكنه جنات الفردس الاعلى. فكما قال العرب قديما {لكل امرئ من اسمه نصيب } اسم على مسمى . اصبت ايها الكاتب الفاضل بكتابتك مااعظم المرء الذي سخره الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر . اللهم سخرنا نحن
    والكتاب والقراء من هولاء اللذين سخرتهم لهذا النوع . فالمرحوم الدكتور عدنان رمز عز وفخر ورفعة له ولااولاده واحفاده وبلده وامته . كثر الله من امثاله وفقك الله لما يحب ويرضى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)