يحيى والأمل بمثله يحيا!
أبهر البرنامج الرمضاني سواعد الإخاء متابعيه بتشويقة قصيرة لافتة عن نسخته الثامنة التي ستعرض في شهر رمضان سنة (1441) بإذن الله، إذ يزداد هذا البرنامج الهادف تألقًا وتأثيرًا مع الأيام بفضل الله ثمّ باجتهاد فريقه وعلى رأسهم الإعلامي المربي الدكتور محمد السيد، فكم من خير نشره، وفضيلة أذاعها، ورمز أبرزه، والأجر عند الله.
يظهر في المقطع القصير طفل يتلو القرآن الكريم بأداء متقن وصوت منبعث من الأعماق، وفي نهايته كلمة قصيرة لمن كانت وراء نبوغ الفتى الحافظ يحيى صدقي وهي والدته التي أعلنت أنها ترى في ولدها مشروعًا ينهض بالأمة ويخدمها في الإقراء وغيره، وختمت كلامها ومدامع فلذة قلبها تسيل بينما هي تلهج بالدعاء له ولناشئة المسلمين بالصلاح والتقوى والنفع الكبير.
استوقفني هذا المشهد لاسترجاع عدد من الأفكار وتقليبها، فالأم وزوجها وولدهما وأسرتهما وأمثالهما من المسلمين في كلّ مكان تقريبًا، يعيشون في مجتمعات تعرضت لعدوان الكافرين والمنافقين على الدين ومنظومة القيم والفضائل في محاولة حثيثة لم تقف ولن تكف لإطفاء نور الله، وإخبات جذوة الإيمان في الصدور، ومسخ الفطر بعد تنكيسها، ومع ذلك تثبت الأيام أن هذه الأمة أقوى من كيدهم الخبيث، وأن ثقافة المسلمين تحمل في داخلها بذور التجديد والمقاومة، ولديها قدرة فائقة على إعادة التهيئة والانبثاق مهما نفخ المبطلون في كير الرذائل، أو ساقوا الناس بسياط بغيهم وضباب غيهم.
لذا تظل الأسرة درعًا حصينة في مواجهة الأخطار والتقلبات، ومهما فعل المفسدون وأرجفوا وأجلبوا؛ فللأسرة شأنها حين تغلق على نفسها أبواب سكنها مستقلة عما وراءه؛ وينبي على استقلالية الأسرة عظم شأن التربية والتزكية لبناء جيل يحمل الإيمان في قلبه، والوعي في عقله، والقوة في جوارحه، والفضيلة في أخلاقه، والحماسة في عزيمته، وبمثل هؤلاء تنتصر البلاد والأمم، ويبقى الأمل حيًا.
كما أن العناية بالتعليم ركن أساسي في إصلاح أحوال الناس وشؤونهم، وكم من أمة نجت من التيه المظلم بنور العلم والتعليم وليس أيّ تعليم؛ بل التعليم الذي يوقر ثقافة المجتمع وعراقته، ويرسخ طرائق التفكير، ويفتح الباب للسؤال والتساؤل والحوار، ويصنع مفاتيح مختلفة تتناسب مع المواهب المتعددة، ويستفيد من نجاحات الآخرين المناسبة؛ وليس التعليم المنصرف إلى سلخ الناس من هوياتهم، وتخريج جيل قادر على القراءة عاجز عن الفهم والعمل، عرضة لأي فكرة وإن كانت قبيحة المنظر كريهة المخبر.
وحين يأتي السياق عن التعليم فلا بد من الإشارة إلى عظمة القرآن، فهو خطاب ربنا ومولانا للثقلين كافة، وكتاب مبارك على الفرد والمجموع والدولة والأمة، وإذا نالت بركته الورق الذي يكتب عليه فانتقل من ورق عادي إلى ورق مقدس واجب التكريم والحفظ، ومُنعت الأيدي الفاقدة للطهارة من لمسه؛ فكيف يكون حاله مع القلوب وإصلاحها، والتعليم وثماره، والحياة وسعادتها، والمجتمع وسكينته، والبلاد وقوتها، وويح لأمة القرآن من هجرانه في التلاوة والحفظ والتدبر والعمل، وويل لها ممن يقيم الحروف وينتهك الحدود، أو يحرف المعاني ويؤول المقاصد.
بينما يقودنا سياق التربية إلى أهمية صنع القدوات الكريمة لأبنائنا وناشئة مجتمعاتنا، وإحياء النماذج التي تستأهل أن ترتفع لها الأعناق وتحذو حذوها الأجيال، فما الذي جعل الفتى ذو الإثني عشر ربيعًا يلتفت حوله؛ فلا تبهره أضواء النجومية الخداعة في مجالات الحياة الدنيا، وينصرف بكليته لتتبع القارئ الشيخ محمد أحمد عمران مع أنه متوفى قبل أن يولد يحيى بخمسة عشر عامًا تقريبًا، فسبحان من جعل أهل العلم والمحامد قدوة للناس وإن تباعد العهد بهم، فذلك لسان صدق لهم، وأجر لا ينقطع بإذن الله، وتلكم لعمر الله آية الفلاح الذي يتجاوز النجاح الدنيوي المحدود.
أما حديث الأسرة فيعود بنا إلى مركزية أثرها في مجتمعات المسلمين، وضرورة حياطتها من السوء المتناسل الذي يزحف إليها برًا وبحرًا وجوًا، ولا يكون ذلك إلّا بهدم مشروع التغريب ونقض أساساته، وتشييد عمل يمتاز بالأصالة والمشروعية والتجديد والتأثير والخلود وسهولة التطبيق والتعميم؛ فلربما ضاقت به أرض وطارده شياطين الأنس؛ بيد أنه سيجد له مواضع طيبة، خصيبة التربة، وفيرة الماء، عليلة الأجواء، ذات شمس وضياء، وحينها فقط تشرق الأرض بنور ربها، وينكبت الأفاكون فمن عادة الثعابين أن تموت دون أن تنفث جميع سمومها، ودون أن تصطاد فرائس كثيرة.
ولا مناص من الوقوف بإجلال أمام المرأة المسلمة التي تسامت على إفك المردة الشهوانيين، ولم تصدق دعاويهم المزوقة، ولم تنجرف مع ضلالاتهم الإقليمية والدولية، وظلت مستعصمة بكتاب ربها، مستمسكة بمنهج دينها، تذود عن نفسها وعرضها ومجتمعها، وتدفع بما أوتيت من قوة معنوية وساوسهم، مطرقة عن كل قبيح وقبيحة، معلقة بصرها وبصيرتها بمحمد عليه الصلاة والسلام، وبنساء بيته خديجة وعائشة وحفصة وفاطمة رضوان الله عليهن جميعًا، ونعم الأنموذج الطاهر المرحوم المبارك، فالأم هي حجر الزاوية الذي إن سقط تهاوى البنيان بدءًا من البيت وانتهاء بحاضر المجتمع ومستقبله.
وإنا لننتظر مع جمهرة المشتاقين بلهفة إطلالة هذا النموذج الميمون عبر الشاشة الرمضانية في شهر سمته الأخص ارتباطه بالقرآن الكريم، ونسأل الله التوفيق للبرنامج وطاقمه وضيوفه، وليحيى وأسرته، والله يحقق أمنيته بالحفظ والإقراء ونيل شهادة الهندسة المعمارية، لتكون إبداعاته منطلقة من ثقافة المسلمين ووحي دينهم المبني على الصلة والتراحم، بعيدًا عن التعاقدية الوحشية الناشزة عن أمر الله ووحيه.
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض
الأحد 13 من شهرِ ربيع الآخر عام 1441
10 من شهر نوفمبر عام 2019م
3 Comments
مقال جميل ونافع وهادف أ. أحمد
ولعل أمه -جزاها الله خيرا – تلحقه بكليات القرآن الكريم في الجامعة الإسلامية بالمدينة أو بجامعة الإمام محمد بالرياض أو بجامعة الأزهر الشريف بالقاهرة أو بغيرها من الجامعات ؛ ليتعلم القراءات ويدرسها دراسة أكاديمية.
ذكرتني أستاذ أحمد بكلام المفسرين عندما كنت أبحث في النظرية السياقية في القرآن الكريم عن سر مخاطبة الله لنبيه الكريم بقوله : ( إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) والقول الثقيل هو القرآن الكريم ، ثم قال بعدها -جل جلاله- مصورا حال الجبال يوم القيامة : ( يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا ) فوجدتهم يقولون :
الذي يتحمل هذه الأمانة الثقيلة وهي الذكر الحكيم لا يرجف قلبه يوم ترجف الأرض والجبال ، إذ القرآن الكريم والدين العظيم يثبتان القلب ويجعلانه أرسخ من الجبال التي تصير كثيبا مهيلا بالرجفة .
اللهم ثبيتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا والآخرة ، ولا تزغ قلوبنا عن دينك.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وفقك الله لما يحبه ويرضاه
لايوجد ابلغ من ان اردد قصيدة الشاعر حافظ ابراهيم في قصيدة العلم والاخلاق
الام مدرسةاذا اعددتها اعددت شعبا طيب الاعراق
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كم هو شرف عظيم عندما تربي أبناءك على نهج القرآن والسنة. تعيش اسعد الناس وتموت وانت في قلب الجنة .
القرآن الكريم سراج منير ينير لك الدارين