سياسة واقتصاد عرض كتاب

البرازيل: القوة الصاعدة في أمريكا اللاتينية

البرازيل: القوة الصاعدة في أمريكا اللاتينية

صدر هذا الكتاب عن الدار العربية للعلوم ناشرون ومركز الجزيرة للدراسات، وشارك في إعداده أحد عشر باحثاً؛ تحت إشراف قسم البحوث والدراسات في الجزيرة، ونُشرت طبعته الأولى عام 1431(2010م)، ويقع في (198) صفحة، ويتكون من تمهيد ومقدمة، ثم أربعة أبواب فخلاصة عامة، ثم تعريف بالباحثين، ويتكون غلاف الكتاب الأمامي من ألوان علم االبرازيل.

وفي التمهيد كتب د.رفيق عبد السلام –رئيس قسم البحوث والدراسات- كلمة مختصرة؛ أشار فيها إلى بروز البرازيل كقوة صاعدة في عالم اللاقطبية مع ما يعتورها من مشكلات تسعى حكوماتها جاهدة  للخلاص منها؛ حتى صارت ثامن اقتصاد عالمي، وأحد أعضاء مجموعة العشرين، وتمنى في خاتمة تمهيده أن يسد هذا الكتاب النقص المعرفي في العالم العربي عن البرازيل، وأن يكون حافزاً للعرب كي يتداركوا التخبط الذي يعيشونه.

وقال أ.محمد العاطي – محرر الكتاب- في المقدمة إن البرازيل حققت تقدماً مذهلاً؛ جعل ناتجها المحلي يمثل ثلث ناتج قارة أمريكا الجنوبية، وبحوزة خزينتها سادس أكبر احتياطي في العالم من العملات الأجنبية، وتحتل المرتبة الرابعة عالمياً في مؤشر الثقة بالاستثمار الأجنبي المباشر. والسؤال الذي يتبادر للذهن: كيف حققت البرازيل ذلك؟ والجواب عنه كما يقول المحرر ضمن أبواب الكتاب المتنوعة، وعسى أن يحث هذا السؤال القارئ ليسأل: ما الذي يمنع دولنا من اقتباس التجربة البرازيلية؟

يحمل الباب الأول عنوان: الدولة والمجتمع، وافتتحه د.عاطف عبد الحميد-وهو أستاذ جامعي مصري، ومترجم، وله عناية بالأقليات المسلمة- بمدخل تعريفي عن ملامح دولة تصنع المستقبل، ونقل الباحث عن البرازيليين تسمية بلادهم” أرض المستقبل”، فهي دولة شابة تشغل نصف مساحة أمريكا الجنوبية (8,5مليون كم2)، وتحتل خامس أكبر دولة في العالم من حيث المساحة، ويمتد ساحلها البحري على المحيط الأطلسي بطول (7500كم)، ولديها حدود مع جميع دول القارة باستثناء الإكوادور وشيلي، ويصب في حوض نهر الأمازون (1000) رافد، ويحوي خُمس المياه العذبة في العالم، وتمتد غابات الأمازون على ضفاف هذا الحوض وهي تمثل (30%) من مساحة غابات العالم، و(40%) من مساحة البرازيل، وبعض أعماقها لم يكتشف بعد. وتُعرف البرازيل بأنها أرض المياه، ويوجد بها أربعة ملايين نوع حيوي ما بين نبات وحيوان، لكن التنمية عدو البيئة كما يقال؛ ومع ذلك فالبرازيل لا تزال بالنسبة للعالم رئة هواء، وسلة غذاء، وحوض ماء.

وتعود تسميتها إلى كلمة من أصل برتغالي-أسباني لنوع شجر أحمر الجذوع يسمى “براسيل”، ويعيدها آخرون إلى جزر أسطورية في المحيط الأطلسي عرفت باسم “برازيل” وتعني أرض العظمة والقوة والجمال، ويذهب فريق ثالث إلى كلمة “بريس” وتعني المبارك، وبالتالي فهي أرض مباركة، وهذه التسمية مرتبطة بالصراع الصليبي مع العالم الإسلامي حيث كان البعد الديني حاضراً في حركة الكشوف الجغرافية غير البريئة-وهذا الأمر يستحق البحث والدراسة-، وقد أطلقت البرتغال على أرض البرازيل”جزيرة الصليب الحق” ثم “أرض الصليب المقدس”، وذلك بعد وصول البحار ألفارس كابرال إلى أرض البرازيل عام (1500م)، وظلت تحت احتلال البرتغال لأكثر من ثلاثة قرون، وقد استخدم البرتغاليون شتى الطرق لإفناء أهلها؛ حتى أنهم جلبوا معهم الأمراض وفي مقدمتها الجدري! وقد استنزف الاحتلال الذهب البرازيلي الذي يعود له الفضل الكبير في رفد الثورة الصناعية في أوروبا.

استقلت البرازيل عام (1822م)، وخاضت حرباً ضد البرتغال حتى08 مارس (1827م)؛ وهو تاريخ استسلام آخر جندي برتغالي، وحكمها الإمبراطور بيدرو الثاني فترة طويلة (1831-1889م)، لكن قراره بإلغاء الرق عام (1888م) كان وبالاً عليه؛ حيث اتحد المتضررون من القرار مع قادة الجيش ونفذوا انقلاباً عسكرياً ناجحاً أنهى الملكية وأعلن قيام الجمهورية عام (1889م).

وبذلك عاشت البرازيل مرحلة عصيبة تراجعت فيها الحريات، وازداد عدد السجون والمعتقلين، وعانت البلاد من حروب أهلية وأزمات اقتصادية؛ ولم تبدأ الأمور بالانفراج إلا في عام (1974م). وبعد مائة عام ثقيلة من سيطرة العسكر عادت مؤسسة الحكم إلى المدنيين عام (1985م)، وخلال (29)عاماً تعاقب على الرئاسة (06) زعماء حتى عام (2014م)، أبرزهم كاردوسو ثم سلفه لولا دا سيلفا.

وتبدو البرازيل أرضا للمتناقضات؛ فمع وفرة الموارد إلا أن الفقر منتشر، وترى ناطحات السحاب وتحتها عشش الفقراء، وعلى أكناف المدن المتقدمة تتناثر أحياء الصفيح. ويعيش على أرض البرازيل أعراق مختلفة، تقاتلت زمناً طويلاً في صراعات دامية، ثم هاهي الآن تحيا في وئام، وتحتكم بهدوء إلى صناديق الاقتراع. ويلخص عالم الأنثروبولوجيا البرازيلي روبيرتو دا ماتا واقع بلاده بقوله المفعم بالتفاؤل: ” البرازيل تمسك بكل ما أوتيت من قوة بتلابيب ماضيها، لكنها تفعل ذلك وهي مندفعة بشغف نحو المستقبل”.

وأما الموارد الاقتصادية للبرازيل، فهي في المرتبة السادسة عالمياً من حيث عدد القوى العاملة (95) مليون عامل، (20%) منهم يعملون في قطاع الزراعة، و(14%) في قطاع الصناعة، و(66%) في قطاع الخدمات. وقد تناقص معدل البطالة إلى(7%)، وتراجع معدل التضخم إلى(4%).

وحباها الله بمميزات كثيرة، حيث تبلغ مساحة أرضها الصالحة للزراعة (50) مليون هكتار، والصالحة للرعي (180) مليون هكتار، وتحتل المرتبة السابعة عالمياً في إنتاج محاصيل الحبوب بكمية قدرها (65) مليون طن سنوياً، وهي الثالثة في إنتاج الذرة، والثامنة في إنتاج الأرز، والأولى في زراعة الفاصوليا، والرابعة في القطن.

والبرازيل ثاني أكبر مالك للماشية في العالم بعد الهند، حيث تملك (200) مليون رأس تعادل (13%) من إجمالي ثروة العالم من الماشية، وتنتج سنوياً (15) مليون طن من اللحوم، و(22) مليون طن من الألبان وبالتالي فهي سادس منتج للألبان عالمياً؛ ويحق لها ذلك فالأمواه البرازيلية وفيرة جداً.

وهي ثاني منتج للنفط في القارة بعد فنزويلا، وثامن مستهلك عالمي للنفط، ومنذ عام (2008م) اكتفت بانتاجها النفطي عن الاستيراد؛ علماً أنها تتقدم دول العالم في إنتاج الوقود الحيوي(الإيثانول) من قصب السكر، ويعظم قدر هذا الانتاج حين نعلم أن مزارع قصب السكر المستخدمة في إنتاج الوقود الحيوي تمثل (01%) فقط من الأراضي الزراعية، وثلثا هذه النسبة تعود لأراض مستصلحة حديثاً وليست أراض زراعية أساسية.

وتملك البرازيل ثاني أكبر شركات التعدين في العالم، ولديها حصص وافرة من المواد الخام والمعادن كالحديد والبوكسيت، وتمتلك إحدى أكبر شركات تصنيع الطائرات في العالم. والناتج المحلي للبرازيل يربو على(02) تريليون دولار سنوياً، وأكبر شريك تجاري لها أمريكا ثم الأرجنتين فالصين.

ويقترب عدد سكانها من (200) مليون نسمة، وهي بذلك أكبر دول القارة سكاناً والخامسة عالمياً، ونظراً لمساحتها الشاسعة فإن كثافتها السكانية منخفضة (24 نسمة/كم2)، ويبلغ معدل العمر (72) عاماً. وتتألف من أعراق عدة؛ فالبيض ذوي الأصول الأوروبية يمثلون (54%)، وذوي البشرة البنية من تزاوج عرقين مختلفين تبلغ نسبتهم (39%)، والسود (06%)، والمهاجرين (01%)، ويسكن (84%) من البرازيليين في المدن والتجمعات الحضرية، وهي نسبة مرتفعة عالمياً، ومن لطيف أسماء مدن البرازيل ( قريطبة).

ويدين (90%) من السكان بالنصرانية، وغالبيتهم كاثوليك (75%)، وأما المسلمون فنسبتهم (01%)، والبيئة البرازيلية مشجعة جداً على الدعوة إلى الله، وفي مناسبة كأس العالم القريبة (1435=2014م) فرصة سانحة لذلك؛ فكل أحد يعرض بضاعته مع المونديال، حتى أخس الخلق وأنكسهم فطرة.

واللغة الرسمية هي البرتغالية، ومعدل الجريمة مرتفع حيث بلغت جرائم القتل (50) ألف جريمة سنوية، وترسل العائلات الارستقراطية والثرية أبناءها إلى الجيش، وجيشها هو الأكبر في جنوب أمريكا، وتطبق نظام التجنيد الإجباري لمدة سنة واحدة، ومنذ الثمانينات سمحت للمرأة بالتطوع في الجيش كأول دولة في القارة تفعل ذلك، ومع قوة هذا الجيش إلا أنه لا يواجه أي تهديد خارجي فعلي، وليت شعري أي شيء يقال عن دول مهددة من كل جهة تقريباً وجيشها غير مؤهل لحمايتها!

ونظراً لكون الجيش غير مشغول بأعمال قتالية فقد شارك في دعم البنية الأساسية؛ بمد شبكات الطرق والجسور، وتدشين مؤسسات صحية وتعليمية. وتبرع البرازيل في التصنيع العسكري، وكانت المصدر الأول لأسلحة العراق في الحرب مع إيران، وتباع الأسلحة البرازيلية في أربعين دولة من دول العالم الثالث.

وهي جمهورية فيدرالية يحكمها رئيس لمدة أربع سنوات ويساعده نائب، ويجوز انتخاب الرئيس مرتين فقط، وتتألف الهيئة التشريعية من مجلسين، الأول للشيوخ ويضم (81) مقعداً مقسمة بين الولايات بالتساوي فلكل ولاية ثلاثة مقاعد، وينتخبون لمدة ثماني سنوات؛ بحيث يجدد ثلثهم بعد مضي نصف المدة، ويجدد الثلثان بعد مضي المدة كاملة، والمجلس الثاني للنواب ويضم (513) نائباً، ينتخبون لمدة أربع سنوات، ولكل ولاية وزن خاص حسب عدد السكان وناتجها الاقتصادي. وعلى مستوى القضاء فأعلى هيئة قضائية هي المحكمة الفيدرالية العليا التي تتألف من (11) قاضياً بمرتبة وزير؛ يعينهم الرئيس مدى الحياة؛ بشرط مصادقة مجلس الشيوخ.

ويتألف علم البرازيل من خلفية خضراء ترمز للبيئة الزراعية الخصبة، داخلها ماسة صفراء ترمز للثروات المعدنية، وداخل الماسة كرة زرقاء كدلالة على وفرة الماء، وتضم الكرة (27) نجمة ترمز لولايات البرازيل، وعلى الكرة وشاح أبيض مكتوب عليه: دولة القانون والرخاء، والعلم معتمد منذ نوفمبر(1889م).

وبعد المدخل التعريفي الشامل كتب د.أنطونيو دا روتشا-أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة ساوباولو- عن النظام السياسي في البرازيل؛ حيث نقل عن موسيقار قوله: ليس بوسع المبتدئين فهم البرازيل! ثم تحدث عن النظام الفيدرالي حيث تتمتع (26) ولاية برازيلية بحكم شبه ذاتي، وتظل العاصمة برازيليا منطقة فيدرالية واحدة، ولكل ولاية مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويتبع هذه الولايات (5564) بلدية. وتتركز (80%) من ثروة البرازيل في ثماني ولايات فقط تقع جنوب وجنوب شرق البلاد، وهذا التباين يكرس مشكلة عدم المساواة بين الولايات؛ التي تمثل إحدى معضلات النظام السياسي في البرازيل بسبب اختلاف التمثيل في البرلمان تبعاً لعدد السكان، والوزن الاقتصادي للولاية.

ويُثني الكاتب على نزاهة مؤسسة القضاء وإن أخذ عليها افتقارها للفعالية؛ حيث تستغرق بعض القضايا  عدة سنوات. وتعمل البلاد وفق دستور صدر عام (1988م) مع أنه غاص بالتناقض والاضطراب؛ لأن الذين كتبوه رجال السياسة وليس فقهاء القانون الدستوري. وقد شهد هذا الدستور خلال عقدين (61) تعديلاً. ومشكلات الدستور المشار إليها لا تعصف بالبلاد؛ مادام يوجد في البرلمان تحالف الأغلبية، فضلاً عن تعاون الحزب الحاكم مع غيره وعدم احتكاره للسلطة. ومن طريف ماذكره الكاتب أن الحياة الحزبية البرازيلية تعاني من مشكلة تغيير الولاء الحزبي بمجرد جلوس النائب على كرسي البرلمان! وقد أشاد الباحث بالحرية المسؤولة لوسائل الإعلام، وبتفاؤل ختم بحثه بأن النظام السياسي يتحسن ويراكم الخبرة الجيدة.

وعن عرب البرازيل كتبت د.أرليني كليميشا-وهي أستاذة تاريخ ومديرة مركز الدراسات العربية في جامعة ساوباولو- وذكرت أن وصول الأخوان زكريا إلى ريو دي جانيرو عام (1835م) قادمين من بيروت يعد أول هجرة عربية مسجلة، ومع ذلك فلم تبدأ الزيادة في أعداد العرب إلا في سبعينيات القرن التاسع عشر، وأغلبهم من نصارى سوريا ولبنان، وتضم البرازيل أكبر تجمع في العالم لذوي الأصول العربية (11) مليون عربي أي نصف عشر إجمالي السكان، وحتى عام (1908) كانت مصلحة السفر تسجلهم ضمن الجنسية التركية، وعدد المسلمين منهم يبلغ مليوناً ونصف المليون؛ يخدمهم خمسين مسجداً، وثمانين مركزاً إسلامياً، ومن المحزن ماذكرته الكاتبة أن بعض العرب وصلوا للبرازيل بطريق الخطأ، وربما خدعتهم شركات الملاحة الدولية.

وقد مارس العرب التجارة وأصبحت صورة “التاجر” مرادفة لصورة “العربي”، وأطلق على شارع 25 مارس المستعمرة السورية اللبنانية، وحرص المهاجرون العرب على ترابط الأجيال، فكل مهاجر يمهد الطريق لغيره. وتصدر في البرازيل صحف عربية، وفيها منتديات أدبية، وفي عام (1962م) أصبح عشرة من العرب أعضاء في البرلمان، وأعدادهم في تزايد، وتقول الباحثة أن العرب لم يظهر منهم أي دعم لتقارب البرازيل مع العالم العربي، ولم يسعوا ألبتة لتقديم مساندة للقضية الفلسطينية أو للمهاجرين من فلسطين! وليس بين البرلمانيين العرب أي تنسيق مع المنظمات العربية أو الإسلامية التي يبلغ عددها مائة منظمة.

وأقفل د.عاطف عبد الحميد الباب الذي افتتحه بمقالة عن الإسلام في البرازيل، حيث يحظى المسلمون ببيئة متسامحة متعايشة، ومع أن نسبتهم متدنية (01%) إلا أن مكانتهم تتجاوز هذا الحجم الضئيل، وتعود علاقة المسلمين بالبرازيل إلى مشاركة بعض البحارة والجغرافيين في اكتشافها، فضلاً عن كون المسلمين يمثلون (10-30%) من العبيد الأفارقة الذي خطف البرتغاليون منهم (20) مليون إنسان وجعلوهم أرقاء ومستعبدين، ومنهم (68%) ذكور، والبقية نساء، ولذا فللعرق الأفريقي أثر اقتصادي وثقافي وجيني في المجتمع البرازيلي. ومما ذكره الباحث المهتم أن كثيراً من الأفارقة كانوا أذكى من أسيادهم البيض، ويشير إلى فقدان كل معلومة تخص الرق بعد إحراق أرشيف تجارة العبيد عام (1891م).

ومع أن (90%) من مسلمي البرازيل من أهل السنة إلا أنه لا توجد قيادة موحدة لهم نظراً لبعض الاختلافات، ونحن قوم مع الأسف نعظم الفوارق بيننا؛ ولا نجتمع تحت مظلة القواسم الكبرى ولذا فقلما نتحد. ويوجد في البرازيل (100) مؤسسة وجمعية ومركز للمسلمين، تعنى بالبرامج الدعوية، ومنح شهادات الذبح الحلال. ويعود تاريخ تكوين أول مؤسسة إسلامية في البرازيل إلى عام (1929م) في ساوباولو، وبني أول مسجد معلن في قارة أمريكا الجنوبية عام (1956م) بعد أن وضعت المؤسسة الإسلامية في ساوباولو حجر أساسه قبل ستة عشر عاماً (1940م). ويضم “الاتحاد الوطني للمنظمات الإسلامية” تجمعاً من (22) مؤسسة إسلامية، ولديه هيئة إعلامية، وأخرى حقوقية؛ تتابع أي إساءة للإسلام والمسلمين وتلاحقها قضائياً.

وللتغلب على نقص الأئمة المؤهلين أرسل بعض المسلمين أبناءهم للدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينة، وافتتحت الندوة العالمية للشباب الإسلامي فرعاً لها في ساوباولو يخدم القارة بأسرها، ويلاحظ الكاتب وجود حالة استرخاء دعوي من المسلمين هناك تجاه نشر دينهم في المجتمع البرازيلي المناسب جداً للدعوة؛ كما أن المهتدين الجدد -على قلتهم- يُخشى من تأثرهم بخلفياتهم الثورية؛ وبالتالي تبنّى أفكار التيار الجهادي، حيث فتح بعض المهتدين موقعاً إلكترونياً يدعو البرازيليين لاعتناق الإسلام وجهاد الإمبريالية، وهو ما جعل مراكز بحث أمريكية تحذر من خطر مسلمي أمريكا اللاتينية على الأمن الأمريكي.

ونبه الكاتب إلى ندرة المطبوعات الإسلامية باللغة البرتغالية، وأشار إلى قبول “الحجاب” دون استغراب داخل المجتمع، ويعيد ذلك إلى مسلسل تلفزيوني شهير كانت إحدى شخصياته فتاة برازيلية مسلمة محجبة حظيت بتعاطف المشاهدين معها. وينعم المسلمون في البرازيل بمزايا لا تتوافر لأقرانهم في دول العالم، وقد قارنها الباحث مع أوضاع المسلمين في باقي دول مجموعة البريك( البرازيل+روسيا+الهند+الصين)، حيث يتعرض المسلمون في الدول الثلاث الأخيرة إلى اضطهاد بالغ- رفع الله عنهم البلاء خاصة بعد فوز الهندوس في الهند، وسُعار روسيا-. والواجب على العلماء والمؤسسات والجامعات ومراكز الدعوة في بلاد المسلمين أن تلتفت لهذه القارة عامة، ولدولة البرازيل خاصة، لعل الله أن يخرجهم من الظلمات إلى النور.

ويختص الباب الثاني بالحديث عن اقتصاد البرازيل من خلال بحث وحيد حول التنمية الاقتصادية ومقومات الصعود لمصاف الدول الكبرى، وقد كتبه د.تييجو كافالاكانتي- أستاذ في جامعة بيرنامبوكو وهو مهتم بالتنمية الاقتصادية في البرازيل- وخلص فيه إلى أن بلاده قد حققت خلال عقدين استقراراً اقتصادياً غير مسبوق؛ ومن مظاهره انخفاض معدلات التضخم، وتحقيق نمو اقتصادي، وتدني نسبة الديون، والحد من التفاوت في الدخل، وانحسار نسبي للفقر، وتجلت أعظم مظاهر هذا الاستقرار في الثبات أمام تداعيات الأزمة المالية العالمية (2008-2009م)، واحتلال البرازيل ثامن أكبر اقتصاد في العالم، فضلاً عن النمو السنوي في معدل الناتج المحلي.

وترافق مع النهوض الاقتصادي برامج اجتماعية ناجحة للحد من الفقر، منها برنامج الإعانات المالية المشروطة الذي يعود للرئيس “لولا” الفضل في تفعيله وإيصاله إلى أكبر عدد ممكن من المستفيدين، حيث استفادت منه (11) مليون أسرة أي (64) مليون مستفيد، وهو ما يعادل ربع سكان البلاد، كما ارتفع الحد الأدنى للأجور متزامناً مع السيطرة الحكومية على نسبة التضخم.

وقبل سبع سنوات من تولي الرئيس “لولا” مقاليد الحكم في البرازيل كانت بلاده مهددة بإعلان إفلاسها؛ لكنها غدت ببركة رشاد سياساته، ومحاربته الصادقة للفساد، وحرصه الجاد على المصلحة العامة-أصبحت- واحدة من الدول القلائل المقرضة لصندوق النقد الدولي! وعلقت مجلة الإيكونومست على أزمة (2008-2009م) بأنها مضغت الائتمان البرازيلي مضغاً خفيفاً ولم تطحنه كما فعلت ببلاد أخرى، وبعد أن عدد المؤلف قدرات اقتصاد البرازيل من النفط والغاز والمعادن والمحاصيل والصناعات وغيرها من الموارد الهائلة ختم بحثه بجملة متفائلة حين قال بأن المستقبل بالفعل قد طوى أشرعته أخيراً على مرافئ البرازيل! وما أحوج عالمنا الإسلامي لمن يفكر في مستقبله؛ حتى يأتي يوم تُطوى فيه الأشرعة على شواطئه، وتركز أعلام القوة في صحاريه وهضابه.

وأما الباب الثالث فكان عن الدور الإقليمي والدولي، وفيه أربعة بحوث، أولها عن معالم السياسة الخارجية للبرازيل، ومزج فيه المحرر ورقتين الأولى كتبها د.عاطف عبد الحميد-سبق التعريف به-، والثانية كتبها د.كلوفيس بريجاجوا-أستاذ في جامعة كانديدو منديس وكاتب ومحلل سياسي-. ونقل البحث عن بعض المؤرخين كلمة للرئيس كاردوسو(1995-2003م) مفادها أنه ليس من العدل حبس إمكانات البرازيل الضخمة داخل حدودها السياسية، ويبدو أن خلفه “لولا” قد التقط هذه الكلمة وعمل بموجب إيحائها.

وللبرازيل اتفاقات سلام مع جيرانها تمتد لقرن ونصف القرن؛ منطلقة من مبدأ راسخ لدى الدبلوماسية البرازيلية يرى وجوب بقاء تخوم البرازيل مصدراً للتعاون لا منبعاً للصراع، ولأن جيش البرازيل غير مشغول بصراعات إقليمية فقد شاركت قواته في (30) مهمة لحفظ السلام منذ عام (1956م). وللبرازيل علاقات أفريقية متينة، ومدت جسور التعاون مع العرب دون فقد الاتصال بإسرائيل، وتزعمت خلال قمة منظمة التجارة في المكسيك عام (2003م) فكرة تكوين مجموعة العشرين، ثم طالبت بجرأة موزونة بمنحها مقعداً دائماً في مجلس الأمن.

ومع فتور العلاقات مع أمريكا والغرب خلال فترة “لولا”، نشطت البرازيل في إحياء حوار الجنوب-الجنوب، وسعت جاهدة لإنشاء العديد من الاتحادات والمنتديات والتجمعات لتفعيل العمل الجنوب أمريكي اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، ولاشك أن الابتعاد عن سيطرة أمريكا والغرب وامتلاك حرية القرار خير لكل بلد وأمة، وهذا ما ينقص عالمنا الإسلامي. وتحتضن البرازيل أكبر عدد من السفارات الأفريقية في أمريكا اللاتينية، وسفاراتها هي الأكثر في أفريقيا، ولم يمنعها التنافس السياسي من عقد شراكات اقتصادية كبرى مع دول العالم الأخرى، ولها حضور واسع في مجالات التعاون البيئي.

وعن الخيارات الإقليمية والدولية للسياسة الخارجية البرازيلية كتب د.دانييل فليمس-أستاذ القانون الدولي في جامعة هامبورغ، وباحث في عدد من المعاهد والمراكز، ومهتم بدراسات القوى الصاعدة خاصة البرازيل- مشيراً إلى أن البرازيل من القوى المتوسطة، ومجال نفوذها الأكبر في أمريكا الجنوبية، لكنها تواجه معيقات من القوى الثانوية الإقليمية التي لا تمنحها شرعية تمثيل القارة، وللتغلب على هذه المعيقات يقترح الباحث هذه الحلول:

  1. إيجاد جملة من المصالح المشتركة بين القوى الإقليمية والقوى الثانوية.
  2. أن تملك القوى الإقليمية من الموارد ما يكفي لتمنحها للقوى الثانوية كمحفزات.
  3. أن تكون أفكار القوى الإقليمية متضمنة لأفكار الأتباع المحتملين لتضمن بذلك قبولهم بمشاريعها.
  4. أن تكون التصورات المطروحة من القوى الإقليمية متناغمة مع رؤى الشعوب والنخب السياسية.
  5. أن تتصف السياسة الخارجية للقوى الإقليمية بضبط النفس؛ وتسمح للقوى الثانوية بشيء من الانتفاع المجاني، وتقمص الزعامة في قضايا معينة.

وينقل الباحث عن ديفيد بالدوين أنه بالإمكان ممارسة القوة من خلال إنشاء المؤسسات الإقليمية ورعايتها، ثم توظيفها في مراكمة القوة؛ وهو أمر ضروري لكل قوة إقليمية تطمح إلى دور عالمي، حيث يمكنها ذلك من إيجاد قاعدة انطلاق لعرض قوتها دولياً، خاصة إذا تفاعلت دول الجوار مع مشروعها السياسي، ويبدو أن غياب هذا المفهوم سبب رئيس في فشل جل التكتلات العربية. ويلمح الكاتب إلى ضريبة وجود المؤسسات المشتركة المتمثلة في تقاسم القوة مع الجيران الأضعف، والخضوع لإستراتيجية المؤسسات الإقليمية بعيدة المدى.

ومن الملاحظ في العلاقات الدولية ميلاً نحو عدم الاعتراف بمدعي الزعامة إقليمياً، ووضع العثرات في طريقه كما تفعل فنزويلا في دعواتها إلى زعامة إقليمية على نطاق أصغر؛ مستفيدة من فوائضها المالية ومخزونها النفطي، بينما تسعى البرازيل إلى فرض نفسها كضامن للاستقرار في القارة؛ مع عدم استعدادها لدفع ثمن الزعامة كاملاً، وهو ما يؤخر حصولها على مرادها أو يعثره تماماً.

ولتوضيح العلاقات البرازيلية العربية كتب د.سالم حكمت ناصر- أستاذ القانون الدولي في جامعة ساوباولو ويجيد خمس لغات- جازماً أن التوجه البرازيلي نحو العرب كان بدوافع اقتصادية وليس لأسباب أيديولوجية كما يتوهم البعض، وجاءت هذه العلاقات ضمن مسار الجنوب-الجنوب الذي اتبعته حكومة “لولا”؛ وكان من نتائجها انعقاد قمة أمريكا اللاتينية- الدول العربية، التي عقدت سبعة عشر لقاءً خلال الفترة (2005-2009م)؛ منها اثنان على مستوى القمة، ومع أن الاستثمار العربي في البرازيل شبه مفقود، وحضور الشركات البرازيلية في الدول العربية محدود جداً، إلا أن إجمالي التبادل التجاري ارتفع من (4,5) مليار دولار عام (2000م) إلى أكثر من (20) مليار دولار عام (2008م).

وعن دور البرازيل في حفظ الأمن العالمي كتبت د.سارا دا سوزا-باحثة مهتمة بعلاقات أوروبا مع أمريكا الجنوبية ودول الكاريبي وتكتب بأربع لغات- حيث ذكرت أن البرازيل تحتل المرتبة الخامسة عشرة في عدد الأفراد المشاركين في قوات حفظ السلام الدولية، وأكثر تنسيقها في هذه العمليات مع الاتحاد الأوروبي، وتضع البرازيل قدماً مع الدول النامية؛ بيد أنها تضع القدم الأخرى بين اللاعبين الكبار.

وخصص الباب الرابع للحديث عن المشكلات والتحديات، حيث كتبت د.جوليانا جيومارايس-أستاذة في جامعة إلينوي ومهتمة بالظواهر المؤثرة سلباً على التنمية في البرازيل كالأمية- بحثاً عن التحديات الداخلية التي تكون عقبات أمام نمو الاقتصاد البرازيلي، وقد استطاعت الحكومة التغلب على بعضها وتقليل أثر بعضها الآخر؛ ولازالت تجهد في محاولة التغلب على ما بقي منها. وهذه العقبات هي: العبء الضريبي الذي يستهلك(35%) من الناتج المحلي، والبيروقراطية فجهاز الحكومة متضخم جداً نظراً لأن أجر العامل في القطاع العام يبلغ أكثر من ضعفي أجر العامل في القطاع الخاص!

وتؤكد الباحثة سهولة التخلص من (30%) من الوظائف الحكومية دون أثر يذكر، وبسبب ضخامة الجهاز الحكومي تحتل البرازيل مرتبة عالمية متأخرة في سهولة الإجراءات (129)، حيث يتطلب افتتاح مشروع تجاري (16) إجراء، و(120) يوم عمل، وتستغرق أي شركة (2600) ساعة عمل لتؤدي ما عليها من ضرائب! وهذا الترهل والتباطؤ يؤدي لازدهار الاقتصاد غير الرسمي- السوق السوداء والرشوة- بسبب رغبة الشركات في التخلص من تعقيدات الحكومة، وعليه ترتفع حصة الاقتصاد غير الرسمي في البرازيل إلى (40%)، ومن المآخذ أيضا أن الحكومة تنفق على مشاريع البنية الداخلية (02%) فقط من دخلها!

ومن الأعباء التي تواجه الحكومة الضمان الاجتماعي، حيث أنه يكلف الدولة (11%) من دخلها، ويبلغ الموظف سن التقاعد عند الرابعة والخمسين. ومنها عدم مرونة سوق العمل، وتدني مستوى رأس المال البشري من حيث التعليم والخبرة، ومن أشد ما تواجهه البرازيل الفقر والجريمة؛ وبينهما ترابط لا يخفى، فالبرازيل مجتمع متفاوت في توزيع الدخل، وتحتل المرتبة الرابعة بين أكثر الدول في عدم تساوي الدخل. وبينما يعيش (17%) من السكان دون خط الفقر؛ يبلغ معدل جريمة القتل العمد (25,7/100 ألف)، والسبب في ارتفاعها يعود إلى ثغرات في النظام الجنائي، وتقاعس الشرطة، وتوافر الأسلحة.

ولبيان التهديدات الخارجية المحيطة بالبرازيل كتب د.أوليفر ستونكيل- أستاذ السياسات الدولية في جنيف وباحث زائر في جامعة ساوباولو، ويجيد سبع لغات- مؤكداً غياب المهددات الاستراتيجية الخطرة؛ مع وجود أخطار المخدرات، وتهريب الأسلحة، والتغير المناخي وتدمير غابات الأوزون. والبرازيل في وضع أفضل من بقية دول(البريك) التي تواجه نزاعات حدودية أو قلاقل في بعض نواحيها، وليس للبرازيل أي مشكلات حدودية مع جيرانها خلافاً لباقي دول القارة المتنازعة فيما بينها.

وتمتاز البرازيل أيضا بأنها الدولة الوحيدة في القارة القادرة على إدارة أي نزاع دون حاجة لاستيراد السلاح، ولدى البرازيل إمكانية لتطوير أسلحة نووية خاصة أنها الوحيدة من مجموعة(البريك) التي لا تمتلك السلاح النووي مع أنها سادس أكبر دولة في امتلاك خامات اليورانيم، ولديها القدرة العلمية والفنية على تخصيبه. والانفاق البرازيلي على الأغراض الدفاعية منخفض قياساً بالقوى العالمية، وجيشها يعد واحداً من أقوى (20) جيش في العالم، وهو الأكبر حجماً في أمريكا الجنوبية؛ مع ضمور أي تهديد محتمل من جيرانها، وأغلب ما يهددها تهريب المخدرات، والمشكلات البيئية، فضلاً عن مشكلاتها الاجتماعية الملحة.

وحين يتابع الشباب مباريات كأس العالم، فيعجبهم مستوى أداء منتخب البرازيل، وربما تبهرهم الاستعدادات والمرافق الرياضية، فعسى أن يتجاوزوا “سكرة” الرياضة والكرة، إلى أسئلة واعية بصيرة، تبحث عن مستقبل لهم ولبلادهم وأمتهم؛ خاصة مع وجود مشتركات كثيرة بين العالم العربي والإسلامي من جهة؛ والبرازيل من جهة أخرى، وها قد تعافت البرازيل وشقت طريقها نحو المشاركة في زعامة العالم في السياسة والاقتصاد والخدمات الاجتماعية كما تزعمته كروياً؛ فمتى يجيء دورنا لننهض كما فعلوا؟

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف -الرِّياض

ahmalassaf@

  الخميس 23 من شهرِ رجب الحرام عام 1435

Please follow and like us:

6 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)