سير وأعلام عرض كتاب

لولا:العامل…الزعيم!

لولا: العامل…الزعيم!

هذا كتاب عنوانه: لولا: من عامل إلى رئيس البرازيل، تأليف روبرتو خطلب، ترجمة جاك مناسا، مراجعة د.جورج باسيل، وقدم له كل من الرئيس لولا، ورئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري، وصدرت طبعته الأولى عام(2004م) عن دار الفارابي في بيروت، وعدد صفحاته(248) صفحة من القطع المتوسط، وعلى غلافه صورة تجمع الرئيس وعلم بلاده؛ ويتكون الكتاب من إهداء ومقدمتين، ثم تمهيد فتوطئة، يتلوها ستة فصول؛ فخاتمة ثم أرشيف للصور.

أهدى المؤلف كتابه للرئيس لولا الذي حيى في مقدمته القارئ العربي، فلديه أصدقاء كثر من أصول عربية، ويعيش في البرازيل مهاجرون من لبنان يبلغ تعدادهم ضعف سكان لبنان. وألمح لولا إلى أنه يرى البرازيل بيتاً للمؤونة ومنتجاً كبيراً للغذاء، ولذا فمشروعه الأهم يتلخص في القضاء على الجوع داخل البرازيل أولاً ثم في العالم، وأعتبر الرئيس أن انتخابه يمثل ثورة حقيقية؛ لأنه أول شخص ليس من النخبة يصل إلى هذا المنصب، وختم مقدمته القصيرة بوعد أن يجري إصلاحات ظرفية وهيكلية لتنفيذ مشروعه وبرنامجه الذي اختاره الشعب لأجله.

وقال الحريري في مقدمته إن لولا منح البرازيل وجهاً إنسانياً جديداً يمثل الأمل، وقدم بلاده على الساحة الدولية بنموذج جديد على أنها دولة ذات قلب. وعزا نجاح لولا إلى أسباب منها جديته، وإيمانه بقضيته، وسعة مشروعه؛ بحيث يستوعب أكبر قدر من الناس، وآخرها طبيعته السمحة وتحسسه الدقيق لمشكلات المجتمع.

ثمّ كتب القنصل البرازيلي في لبنان شكري مكاري تمهيداً مختصراً؛ وصف البرازيل بأنها أرض التناقضات الجغرافية والاقتصادية والاجتماعية، وذكر أن انتخابات (2002م) تعتبر عند شعب البرازيل انتخابات الأمل؛ فالشعب كان بحاجة لتحول إيجابي بقيادة شخصية استثنائية لم تعرف البلاد له نظيراً، فضلاً عن كونه يعرف البرازيل بعمق من خلال المعاينة وليس بواسطة التقارير، ولذا فلولا هو حامل صوت الشعب.

وفي التوطئة أجمل المؤلف ملخصاً لحياة لولا منذ طفولته إلى أن أصبح الرئيس السادس والثلاثين للبرازيل، وهي المرة الأولى التي يصل فيها اليسار للحكم في بلد سمته التضاد، وكثرة الموارد، وعظم الفوارق بين طبقاته، فضلاً عن التبعية لأمريكا، والفساد الذي ينخر هيكل الدولة ويفسد مشاريع الناس. فجاء لولا سيلفا لزعامة بلد يعرفه حق المعرفة؛ من خلال رحلاته وجولاته التي نعتها بأنها أفضل جامعة انتسب إليها، ولذا اختاره الناخبون دون أن يكون لديه تحصيل عسكري أو جامعي، بل لكونه رجلاً وطنياً لم يتخل عن كونه واحداً من الشعب يسره ما يسعدهم، ويسؤوه ما يضرهم.

بعد ذلك حكى الفصل الأول قصة لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، فقد امتن الله عليه بالحياة مع صعوبة الأوضاع المعيشية؛ حيث ولد في 27 أكتوبر عام (1945م) في مدينة تصف الفقر ببؤسها وأكواخها، وكان الابن السابع لعائلة مكونة من خمسة أولاد وثلاث بنات، وقبيل ميلاده هاجر والده للعمل في ساوباولو فلم ينعم بعطفه ورؤيته حتى بلغ الخامسة من عمره، ولم يركب أي سيارة قبل عام (1952م) حين هاجرت عائلته إلى مقر عمل والده؛ قبل أن ينفصل والداه عام (1956م) لتعيش الأسرة بعيدة عن الأب، وتحت رعاية الأم التي أحسنت تربية نفوس أولادها.

عمل الطفل الصغير بائعاً للفستق والليمون؛ في ذات الوقت الذي أكمل فيه دراسته الابتدائية، ويتذكر لاحقاً أنه لم يكن لديه طفولة بسبب فقره المدقع، ولم يحصل على هدية إلا في سن متأخرة، ولم يتناول الرز إلا مرة واحدة على إثر مرضه، فالرز في بيتهم من المستحيلات. وقد مارس أعمالاً مختلفة؛ فمن ماسح أحذية إلى عامل في مصبغة؛ ثم حاجب في دائرة حكومية فسائق شاحنة، وكانت أمنيته العمل إطفائياً لما فيه من اندفاع وتضحية.

واستطاع قبيل البلوغ الحصول على عمل في مصنع تعدين، ثم الظفر بمنحة لدراسة الميكانيكا، وخلال عمله في المصنع تعرض لحادث نتج عنه بتر خنصره الأيسر؛ بعد إن انتظر ساعات قبل أن ينقله رب العمل إلى المستشفى، مما جعل علاجه مستحيلاً ولا مناص من البتر.

ومما عاصره الفتى ووعاه الإصلاحات التي تجرأ عليها الرئيس المنتخب غولارت عام(1963م)؛ فأغضب العسكر والنافذين مالياً، الذين تعاونوا على القيام بانقلاب عسكري صارم؛ خنق الحريات واعتمد على الملاحقة والاعتقال؛ حتى غصت السجون بالرؤساء السابقين وعلى رأسهم غولارت وعدد من السياسيين والنقابيين والاقتصاديين، وكان من آثار هذا الانقلاب البغيض أزمة اقتصادية عامة؛ دفعت بالعمال نحو الشارع، وتوقفت عائلة لولا بكاملها عن العمل؛ بسبب تعاون الجيش والمال ضد الإصلاح.

ولم يكن هم لولا حتى عام (1968م) سوى عمله ثم تشجيع فريقه الرياضي، لكن أخاه شيكو الناشط في الحزب الشيوعي دفعه للتعاطي مع الشؤون السياسية، وحضه على قراءة المنشورات؛ ثم أعاره كتاباً موضوعه: ماهو الدستور؟ وكان أول كتاب سياسي يقرأه لولا. وبعد إلحاح شيكو حضر عدة لقاءات نقابية؛ ثم انتسب لعضويتها عام (1968م)، وبعد ذلك بعام واحد أصبح لولا عضواً منتخباً في مجلس إدارة نقابة التعدين.

وكان لولا يستشير محامي النقابة كثيراً، وتلقى دروساً عديدة في السياسة والقانون، ومارس ما تعلمه حتى أمتلك مهارة قانونية أهلته لعضوية الهيئة القانونية في النقابة، وبدأ نجمه يلمع؛ لعلمه ومهاراته وصفاته القيادية الجلية؛ فانتخب عام (1975م) رئيساً لنقابة التعدين، وصار ممثلاً لمائة ألف عامل، ونظراً لنجاحاته في قيادة النقابة وتحقيق بعض مطالبها فقد أعيد انتخابه رئيساً لها عام (1978م).

ولأهمية الثقافة والمعرفة القانونية افتتح لولا مدرسة داخل النقابة لرفع مستوى قادتها، وأعاد للواجهة مطالب عمالية قديمة محسناً استثمار وسائل الإعلام بعد أن برع في فن الحوار، وبدأ يدخل عالم السياسة رويداً رويداً، وقد عبر عن هذه التجربة بقوله: ممارسة السياسة كالمشروب الذي يقودك إلى الثمالة دون أن تشعر!

بيد أن أعظم دافع زج به في أتون السياسة ودهاليزها كان اعتقال أخيه شيكو عام (1975م) وتعذيبه، ونظراً لسخطة على المعاملة الوحشية التي تعرض لها أخوه؛ ولدت في أحشائه -كما يقول- ثورة سلحته بالقوة، وانتزعت منه عوامل الوهن، وزادت من تشبثه بمبادئه، وتعزز لديه أهمية العمل السياسي؛ وهكذا تفعل المعتقلات حين يكون الظلم والعسف سيدا الموقف!

وخلال زعامته النقابية امتازت خطبه بسلمية التوجه، والتأكيد على المطالب العمالية دون الخوض في أمور السياسة، وهي طريقة لم تكن معهودة في النقابات إذ ذاك، فضلاً عن حرصه على العلاقات الحسنة مع أرباب العمل وهو الأمر المفقود في العمل النقابي، وكان لولا يعقد الجمعية العمومية لجميع أعضاء النقابة الذين يشبكون أيديهم في منظر مهيب يضم أحياناً مائة وخمسين ألف إنسان؛ ينقلون مطالبهم للبرلمانيين كي يطالبوا بها الحكومة وأرباب العمل.

وبعد تجارب غير مشجعة للنقابة مع البرلمان وأعضائه، رأى النقابيون أن الوقت قد حان لتكوين حزب عمالي منظم يدافع عن حقوقهم من داخل الهيكل الحكومي، وقد أطلق لولا هذه الفكرة أول مرة في المؤتمر العمالي لشركات البترول في باهيا عام (1978م)، ومن ذلك الوقت بدأ نجم هذا الرجل يسطع في عالم السياسة؛ بعد أن صار رمزاً وقدوة في العمل النقابي.

كما خصص المؤلف الفصل الثاني للحديث عن حزب العمال؛ حيث أعلن لولا أنه يصبو لتأسيس حزب يختلف عن بقية الأحزاب، وقد اتُخذ قرار التأسيس الفعلي في أكتوبر عام (1979م) بعد مرور أكثر من عام على الفكرة التي أعلنها لولا في باهيا، ونُشر البيان التأسيسي للحزب في العاشر من فبراير عام (1980م) في ساوباولو، وبعد أقل من ربع قرن فاز زعيمه في الانتخابات الرئاسية.

وساهمت زوجة لولا في خياطة أول علم للحزب، وأصبح منزله مكاناً للاجتماعات ومقصداً لعامة الناس. وبسبب إضراب (140) ألف عامل تعدين؛ وتعامل الحكومة مع الإضراب بعنف؛ حيث أنزلت عليهم مظليين مسلحين، وحلقت الطائرات فوق الجموع التي التزمت الهدوء، وما تلا ذلك من مآسي، فقد تدخل وزير العمل في أعمال النقابة؛ وأقال لولا من رئاستها، ثم اُعتقل بعد يومين من منزله بطريقة غير لائقة، وقالت زوجته ماريزا وهي ترى زوجها مكبلاً: “لايجوز بعد اليوم أن نظل بعيدين عن السياسة إذا أردنا التقدم”، وحكم على لولا بالسجن ثلاث سنوات ونصف؛ قضى منها (31) يوماً بسبب إبطال الحكم قضائياً.

وأصبح للحزب حضور عالمي وإقليمي ومحلي مميز، وتقاطرت عليه الدعوات من كل مكان، ونشطت زوجة لولا في فتح باب الانتساب للنساء في النقابات، ونظمت مسيرات لنساء المعتقلين وأطفالهم، وغدا حزب العمال أهم أحزاب المعارضة، وأمل الطبقة الشعبية في البلاد.

أما عنوان الفصل الثالث فهو: لولا في الحياة السياسية، حيث انتشر حزب العمال في كافة أرجاء البرازيل، وانتسب لصفوفه أكثر من أربعمائة ألف عضو عام (1982م)، وفي ذات العام ترشح لولا لمنصب حاكم ولاية ساوباولو؛ وحل في المركز الرابع، وبعد عامين حصل على جائزة نمساوية لدفاعه عن حقوق الإنسان. وفي عام (1983م) ساهم بفعالية في إنشاء نقابة عمالية مركزية تضم عمال النقابات في المدن والريف كسابقة لم تعهد من قبل.

وفاز لولا عام (1986م) بعضوية البرلمان ضمن ستة عشر نائباً ينتمون للحزب، وفي عام (1989م) رشح الحزب لولا لخوض السباق على الرئاسة؛ لكنه لم يفلح مع أنه كان مدعوماً من الأحزاب اليسارية، وكان من أسباب خسارته أمام منافسه كولور أن هذا الأخير أظهر عبر التلفاز صديقة قديمة للولا اتهمته بمحاولة إجهاض حملها منه؛ ثم إهمال ابنته بعد ولادتها، ولم يكتف كولور بذلك بل اتهم لولا خلال مناظرة تلفزيونية بأنه سيجمد أموال المودعين إذا اُنتخب رئيساً، وكان هذا القرار هو أول إجراء اتخذه كولور بعد انتخابه رئيساً بدعم كبير من القوى الاقتصادية التي تضررت من تجميده لأموال المودعين! وما أوقح كذب الساسة؛ وأشد رهانهم على نسيان الناس.

وفي عام (1993م) قاد لولا حملة وطنية لمحاربة الفقر والجوع، وقد ضمت هذه الحملة زعامات وفعاليات نقابية وحزبية وفكرية، وجابت البلاد خاصة المناطق الفقيرة والمهمشة في خطوة بهرت المجتمع؛ واعتبرت تجربة رائدة في العمل السياسي والدفاع عن حقوق ملايين المواطنين المحرومين. وشارك لولا في انتخابات عام (1994م) بعد أن حول نهجه اليساري نحو الوسط ليكون زعيماً لجميع البرازيليين؛ لكنه لم ينجح في هذه الانتخابات مع أن المرشحين الآخرين لا يعرفون البرازيل كما يعرفها، وعلل خسارته بمناكفة النخبة له، بيد أنه أشار إلى عدم أسفه على أهداف لم يسجلها، وما أجملها من صفة حين يتخلص المرء من أسر تجاربه التي لم تثمر.

وشارك لولا في انتخابات عام (1998م) ممثلاً للاتحاد الشعبي لتغيير البرازيل المكون من عدة أحزاب، وقد قدم مشروعاً يهدف لجعل بلده الكبير أمة كبيرة، وعندما حاول البعض انتقاد حزب العمال بكثرة الكلام دون الفعال؛ أجاب الحزب بأن هذا أمر طبيعي بالنسبة لشعب حكم عليه بالسكوت طويلاً! وأنه حين تمنح الفرصة للحزب كي يعمل دون منغصات فسيرى الناس جديته وواقعية مشاريعه.

ولأهمية توثيق التجارب وحفظها، كي تفيد منها الأجيال، وتصان الحقائق عن التزوير أو التشويه، فقد أنشأ حزب العمال مؤسسة برسيو أبرامو وأوكل إليها كتابة تاريخ الحزب، وحفظ ذاكرته، وتجسيد هويته، مع تخزين الوثائق، وتنظيمها في أرشيف عملي، ونشر ما يتعلق بأنشطة الحزب.

والفصل الرابع بعنوان انتخابات رئاسية لعام (2002م)، ويبدو أن لولا أصبح أحسن استعداداً، والحزب أكثر نضجاً، والشعب أشد ما يكون حاجة للتغيير الإيجابي وأرفع وعياً. ويقول لولا في إحدى مقابلاته: علمتني التجربة أهمية تحسين علاقتي مع وسائل الإعلام، وأن تكون خطواتي مبرمجة وواثقة، وأن أصبح متسامحاً وهادئاً دوماً، ومن جميل كلماته:” البناء لايحتاج إلى ثورة بل إلى إرادة سياسية وتخطيط، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب”، وفي رأي قد لا يعجب وزارة المالية التي تسيطر على العمل الحكومي في أغلب دولنا يقول:” يجب ألا تدير وزارة الاقتصاد البلاد وإنما وزارة التخطيط؛ لأن الرجال يتغيرون لكن الخطط تبقى مع مسؤولية إكمالها”.

وشغلت مسألة الجوع حيزاً كبيراً من برنامجه، فقد أطلق مشروع المجاعة صفر، وأكد أن المشكلة ليست في الانتاج بل في كيفية الوصول إلى الغذاء، والقدرة على شرائه، وقد ربط في مشروعه بين البطالة والجوع إذ هما متلازمان وثالثهما الجريمة.

وعندما خاض لولا الانتخابات الرئاسية للمرة الرابعة على التوالي، اختار لمنصب نائب الرئيس رجل الأعمال السيناتور جوزيه آلنكار العضو في الحزب الليبرالي، والذي يعمل في مؤسسته أكثر من ستة عشر ألف عامل، ويبلغ رأسماله أزيد من مليار ونصف المليار ريال برازيلي، وفي هذا الاختيار تطمين لرأس المال وللنخب الاقتصادية والليبرالية. وقد جدد لولا التزامه باستعادة كرامة البرازيل؛ بإرجاع حق تقرير المصير واتخاذ القرارات للشعب دون استرضاء حكومات أجنبية أو أجندات لا تخدم الأمة البرازيلية، مؤكداً أنه سيكون في سياساته مدافعاً ومهاجماً بحسب ما يحقق الأهداف الاستراتيجية.

وقد استفرغ حزب العمال وسعه في الوصول إلى تحالف داخل البرلمان، وتفاهم مع الأحزاب الأخرى، وتطمين المؤسسة العسكرية، وإيضاح الصورة لملايين الناخبين كي لا تخدعهم إشارات صندوق النقد وتنظيرات الرأسماليين، وكانت النتيجة أن فاز لولا بمنصب الرئيس.

لذا فإن عنوان الفصل الخامس لولا رئيس الجمهورية، حيث أكد في أول خطبة له بعد فوزه أنه لن ينس الوعود التي قطعها على نفسه في تاريخه السياسي، وكان فوزه بأصوات (61,27%) من المقترعين حدثاً تاريخياً، ويمثل انتصاراً للديمقراطية في أمريكا الجنوبية، وتقدماً كبيراً في حرية الشعب الذي اختار عاملاً من اليسار لرئاسته، وارتفعت أصوات العقلاء مطالبة المستثمرين والمؤسسات المالية منح الحكومة الجديدة الفرصة لالتقاط الأنفاس، وإحداث التوازن الذي تنشده في حقلي الاقتصاد والاجتماع، ولا شك أن عون رأس المال مهم للاستقرار السياسي؛ ولكن من غير تزاوج بينهما!

وقد أعلن لولا في خطبته برنامجاً للإصلاح البنيوي، كي يقضي على الجوع والتشرد، ويعزز السيادة الوطنية على القرار والمقدرات، وتحقيق فائض مالي من خلال زيادة التصدير والاستغناء عن الاستيراد بسلع محلية ذات جودة، وأنهى كلمته متفائلاً بأن البرازيل ستولد من جديد، وأكد أنه سيوحد القوى في البلاد ضمن مجلس اقتصادي اجتماعي يضم أبرز الشخصيات، وسيجعل التنمية والعدالة الاجتماعية على رأس أولوياته.

وتسلم لولا مقاليد الحكم في حفل مهيب مطلع عام (2003م)؛ حضره مائتا ألف نسمة، وفي الحفل الذي أقامه الكونجرس لأداء اليمين من قبل الرئيس السادس والثلاثين للبرازيل اكتظت قاعة البرلمان بالشخصيات المحلية والأجنبية، وألقى لولا خطاباً قوطع بالتصفيق الحاد عدة مرات، وكرر فيه كلمة “التغيير” أربع عشرة مرة؛ معتبراً أن الأصوات منحت له ولرفيقه آلنكار لأجل التغيير؛ مشددا ًعلى أهمية التغيير الحذر المتدرج؛ وليس تغييراً سمته الحمق أو الاستعجال أو الانفعال. وقد كرر أن أعظم نجاح يصبو له هو تأمين الفطور والغداء والعشاء لكل مواطن.

وتعد مصلحة الشعب والبلد عنده مقدمة على أي اعتبار إقليمي أو دولي؛ فللبرازيل رسالة خاصة لا تمليها عليها أي قوة مهما بلغت قوتها، واعتبر يوم انتخابه يوم لقاء البرازيل مع ذاته، واعداً بأن يكون وطنه بلد القرن الجديد، وقد وصف نفسه-والأيام أثبتت صدقه- أنه الخادم الأول للشعب، وسأل الله الإلهام ليحكم بعدالة، والهدوء ليدير البلاد، والشجاعة ليقرر، وقلباً بحجم البرازيل ليشعر بأنه قريب من كل مواطن.

وأقيم له حفل في القصر الجمهوري ساده التأثر الشديد، وحضره ألفا مدعو، منهم عشر زعماء على الأقل فيهم كاسترو وشافيز، وقد تعالت الهتافات داخل القصر وخارجه لتحيته، وأعلن لولا أنه الشخص الأكثر تفاؤلاً، ولاشك أن إصراره على خوض الانتخابات أربع مرات سمة نادرة؛ وقد لخص تجربته قائلاً: “أدرك أن من آمن بما يعمل، ووثق من خطواته، واستثمر طاقاته وقدراته، وأخلص لعمله، قادر على أن يحقق المستحيل”.

وتحدث الفصل السادس عن حكومة لولا والعالم، حيث أبرزت الآلآف من وسائل الإعلام العالمية خبر تسلم لولا السلطة في البرازيل، وتنافست الصحف في عناوينها الواصفة للحدث أو المستشرفة للمستقبل، فمن العناوين: لولا يلهب مشاعر الأمل، من ماسح أحذية إلى الرئاسة، وأعتبر حفل تسلم المنصب لقاء بين الشارع وقصر الرئاسة لم تعهده البرازيل من قبل، وقد ساعد لولا فيما بلغه من جماهيرية أن تاريخ بلاده شبه خال من الزعامات الكبرى. وبفوز لولا، وتسلمه الرئاسة بهدوء؛ سقط تهديد رجل الأعمال جورج سوروس بالفوضى إن خسر منافسه جوزيه سيرا، وسقطت دعاية الانهيار التي أشاعها خصومه معتبرينه خليطاً من شافيز وديلارو.

وفي المحافل العالمية التي حضرها لولا نيابة عن بلاده طالب بحقوق شعوب العالم الفقيرة، وأقترح فرض ضريبة على مبيعات السلاح لمقاومة الجوع، وتحدث مع زعماء العالم مفتخراً باستخدام لغته البرازيلية التي لا يجيد غيرها، وحاول خصومه تنقصه لأجل ذلك؛ بيد أنه فلجهم بقوله: لكي يحترمني العالم يجب علي أن أتكلم لغة شعبي وليس لغة غيره، وليت المفتونين بلغة الأجانب أن يعوا ذلك.

ثم تحدث المؤلف عن علاقة البرازيل مع العالم العربي، والمذهل أن (08%) من أعضاء الكونجرس ينحدرون من أصل عربي، وقد افتتحت غرفة التجارة السورية في ساوباولو عام (1913م)-كانت لبنان إذ ذاك تابعة لسوريا-، وأول قنصلية للبرازيل في العالم العربي كانت في بيروت عام (1921م)، تلتها ممثليات في مصر فبلدان المغرب العربي، وفي عام (1968م) أقامت علاقات دبلوماسية مع السعودية. ثم خُتم الكتاب بشكر وقائمة المراجع ثم ملحق الصور؛ وأولها صورة للرئيس لولا وهو في الثالثة من عمره ومعه أخته ماريا، وأشار المؤلف إلى أن الثياب والأحذية التي عليهما تعود للمصور، وقد دار الزمان دورته حتى صار هذا الطفل الفقير رئيساً لبلد كبير بموارده، وطموحه ومستقبله الذي يرنو إليه.

ولأننا على أعتاب مسابقة كأس العالم لكرة القدم التي ستقام في البرازيل هذا العام (1435=2014م)، فما أجمل أن نقدم لشبابنا نماذج برازيلية غير كروية، كي يستلهموا منها الدروس والعبر، في أهمية الصدق، والإصرار، والإيمان بالقضية، فضلاً عن الإسقاطات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فكم من بلد ضعيف متخلف فقير في المشرق والمغرب يحتاج زعيماً مثل لولا؛ كي ينتشله من الوحل الذي سقطت فيه بلاد كثيرة؛ وهي غنية بمواردها وأناسها؛ لكنها مبتلاة بزعامات تجمع العنف، والجهل، وسوء التدبير.

أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

الجمعة 24 من شهرِ رجب الحرام عام 1435 

Please follow and like us:

3 Comments

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)