المُزّة التي علّمتني!
لا أحبّ استخدام هذه الكلمة؛ ففيها إيحاءات جسديّة لا ترتبط بمؤسسة الأسرة الشّرعيّة، فضلًا عن أنّها تحيل إنسانًا عاقلًا مكلّفًا إلى قطعة لحم فقط، ولدوران هذا الّلفظ على ألسنة كثير من أرباب الشّهوات، وتقاطعه مع معاقرة الخمور، ومع ذلك فسوف أستخدم الكلمة لسببين أوّلهما ورودها في الرّواية، وثانيهما سأفصح عنه أدناه.
لي صاحب بار بوالديه مع تهاونه دينيًا، وتساهله في التّحرز، وتثاقله عن الواجبات، والله يلهمنا وإيّاه صدق النّية، وصواب العمل، ويهدينا سواء السّبيل؛ فإنّ حسن المنبت، وأصل التّربية الصّحيح، ودعاء الوالدين، كفيلة برد السّادرين إلى الجادّة ولو بعد حين، وما ذلك على الله بعزيز.
يقول صاحبي: كنت في سفر أنتظر دوري عند موظّف الجوازات، وأمامي “مزّة” تنتظر مثلي، وخلال الوقوف تعالى رنين جوالها، فأخرجته من حقيبتها، وبما أنّه كبير الحجم لمحت أنّ اسم المتصل مكتوب هكذا: أمي حياتي روحي ومعه قلوب وورد، فلمت نفسي لأنّي أحفظ رقم والدتي في جوالي بتصغير اسمها، وهي تعلم بذلك وترضى وربّما تستطرفه.
فقرّرت تغييره من فوري، وبحثت عن جوالي للتّنفيذ فآفة الفعل الرّشيد التّردد أو المكابرة، وكانت المفاجأة أنّ الجهاز ليس معي، وتوقّعت سقوطه في السّيارة، فهرعت إلى أقرب هاتف، وتواصلت مع بيتي ليأمروا سائقي بالعودة إلى المطار؛ وحين عاد وجدت جهازي، وأصلحت اسم والدتي المحفوظ، وكان هذا الموقف من بركاتها، فلو سافرت دون الجهاز لفقدت كثيرًا من أهداف الرّحلة.
ويستطرد صاحبي في الحديث العفوي معي قائلًا: وممّا تعلمته من “المزز”، أنّ إحداهنّ كانت حين تنتهي من مهاتفتي لا تقطع المكالمة، وتطلب مني أن أكون أنا البادئ بذلك توقيرًا لي، فاستفدت منها ألّا أفعل ذلك مع والديّ في كلّ تواصل هاتفي معهما، فأدعهما يغلقان الخطّ ولا أغلقه دونهما، ويكمل بصدق لا يقوله أمام “مززه”: آه لو علمت أنّ كميّة التّوقير منها تجاهي يقابلها كميّة مماثلة من التّحقير منّي تجاهها!
ولأنّ صديقي خبير سألته: ما بال قصص غدر الرّجال بالنّساء في تكاثر دون أن ترعوي الفتيات أو يحذرن من هذه الشّبكات الآثمة؟ فقال لي: كلّ “مزة” تعلم ذلك يقينًا، وتسمع وتقرأ عن هذه الحكايات، بيد أنّ شيطانها وعاطفتها الطّاغية يعميان بصيرتها، ويربكان جرأتها، ويُلقى في روعها أنّ جميع الذّكور أهل ختل ومخادعة إلّا “حبيبها”! وهاهنا المقتل الذي لا نجاة منه، ولا شفاء من جروحه!
ثمّ سألته فهي فرصة لي أن أسمع، وما أنفع السّماع لمن شاء أن يكتب، وسؤالي هو: ماذا عن الثّناء الصّارخ على مواهب الفتيات الفنيّة والمهاريّة والثّقافيّة وغيرها؟ فأجابني بصراحة تامّة: قد تكون المرأة كذلك، وقد لا تكون، وربّما نبالغ في تضخيم قدراتها، بيد أنّ الشّيء الأكيد أنّ كثيرًا من هذه الدّوائر تبحث عن الجمال، وسهولة الوصول، ولا تعتني بشيء أكثر منه، وأمّا الكفاءة والاستحقاق فمطلب مثالي يُقال للتّزين به ولا يُرى غالبًا!
بقي في خاطري تساؤلات كثيرة عن “المزز” وعوالم الوحوش المتربصّة بهنّ، لكنّ وقتي ووقت صاحبي يعانيان من الضّيق والشّح فقلّما نلتقي ونخلو، والله يحمي فتيات المسلمين، ويصلح فتيانهم، وآمل أن تكون “مزّة” العنوان جاذبة ليس للقراءة فقط، بل للانتفاع والوعي والحذر؛ فمن سمة الغزلان الجفول واليقظة.
وعسى أن تكون المرأة المسلمة مصانة في بيت أهلها إلى بيت زوجها وأبنائها، وأن يفيض وجودها العزّة والغيرة المحمودة في نفوس رجالها وأولادها مستقبلًا كما تفعل كرائم الخيل الأبيّة، كي لا تكون الحَصَان الرّزان “مزّة” مثل عنزة ترمقها عيون ماكرة، أو تحيط بها شهوات منفلتة، ورغبات جامحة، مصدرها تيس، أو حلّاب، أو قصّاب!
أحمد بن عبدالمحسن العسَّاف-الرِّياض
الاثنين 18 من شهرِ رجب الحرام عام 1440
25 من شهر مارس عام 2019م
One Comment