لا يأس مع الطّريق الوعر!
هل سبق أن قرأت كتابًا وودت لو لم ينته؟ وبما أنّه سينتهي قطعًا نويت العودة إليه مرّة أخرى؟ وهل شعرت أثناء القراءة بطعم ينافس العسل في لذاذته ومنفعته؟ وهل خطرت على بالك أمنية بأن يقرأ هذا الكتاب أيّ شاب أو رائد أعمال، أو فقير، أو سياسي ناشئ؟ وهل تمادت بك الأحلام إلى قاعة تنعقد فيها قمّة لدول من العالم الثّالث حتى تضع على مقعد جميع الزّعماء والوفود نسخة من هذا الكتاب؟
أمّا أنا فراودتني هذه المشاعر كلّها أثناء قراءتي لكتاب عنوانه: الطريق الوعر: السيرة الذاتية لرئيس جمهورية كوريا والرئيس التنفيذي السابق لهيونداي لي ميونج-باك، من تأليف لي ميونج-باك، وترجمة مركز الإمارات للدّراسات والبحوث الاستراتيجيّة، وصدرت الطّبعة الأولى منه عام (2012م)، وهو الكتاب رقم (50) من سلسلة دراسات مترجمة، ويتكوّن من ملاحظة المؤلّف، ثمّ مقدّمة بعدها ثمانية عشر فصلًا، فخاتمة وأخيرًا ملحق بالهوامش، ويقع في (319) صفحة، علمًا أنّي قضيت سنوات في البحث عنه إلى أن يسّره الله من حيث لا أحتسب.
يؤكّد الكاتب في ملاحظته أنّ سيرته أشبه برد الجميل لوالدته العظيمة، ويجزم في مقدّمته بأنّ التّضحية هي التي تجعل المجتمع جميلًا وثريًا، ولذلك استهدف تقوية بلده في كلّ عمل دون أن يكون تحت نشاطه أجندة فكريّة ضيّقة، وألّف كتابه عام (1995م)، ثمّ طوّره عام (2011م)، وغايته إلهام النّاس لكي يحقّقوا أحلامهم، ويصبحوا رجال دولة وأصحاب أعمال، وقادة المستقبل؛ فالتّحديات التي تجلب الخوف تخرج أفضل ما لدى البشر أيضًا.
ويرى أنّ الفقر منحهم القوّة لأنّ من ينتظر الإعانة لا يستطيع الهرب من الفقر، ولذلك طرق “لي” معظم الأبواب لكسب المال مع دخوله في الصّف الخامس، وأثنى على مواقف والده القيميّة تجاه الأسرة، والعمل، والأخلاق، وسمت المجتمع لدرجة أنّه لا يسأل الزّبونة التي تشتري بأجل عن اسمها فضلًا عن موضع سكنها التزامًا بتقاليد المجتمع وأعرافه.
أمّا والدته فكانت متدينة تواجه الازدراء المجتمعي بثبات، وامتازت بذهن متوقد، وذاكرة ممتازة، وحكمة متنامية، وعوّدت أولادها على الاستيقاظ الصّباحي المبكر مع ترديد أدعية الصّباح. ومن الطّريف أنّ والدته رأت خلال حملها به كأنّ البدر دخل بين ملابسها وأنار الجوار كلّه، فاستبشرت وأقنعت والده بتسميته ميونج باك أي ساطع بعيد النّطاق!
ومن فضائل أمّه منح المساعدة للغير دون مقابل، وعلّمت بنيها متعة الخدمة وعون الآخرين كي يشعروا بالفخر دون انتظار مكافأة؛ فيصبح الواحد منهم شخصًا مفيدًا أينما حلّ، ويبدو أنّها كانت قويّة بما يكفي، وقادرة على ضبط مشاعرها؛ ولذلك لم يشاهدها ابنها باكية إلا مرّة واحدة فقط، وللحقيقة فأمّه تنال إعجاب القارئ وإكباره.
إذ تلتزم أمّه في تربيتها لبنيها بالحزم والوضوح، وجعلتهم لا يخجلون من فقرهم، وبالتّالي فليس لديهم شيء يحرصون على إخفائه، أو يخشون من انكشافه، وإنّ الثّقة بالنّفس، والتّصالح مع الذّات لمن ركائز الإنجاز والتّفوق كما أدرك لي ميونج، وهو ملمح ظاهر في مسيرته.
ولج الفتى الكوري الفقير إلى عالم التّجارة والأعمال مبكرًا ليكتشف أنّه ليس هناك مشروع سهل، وبسبب تقدير متاجر السّوق لأمه استأجروه لجمع القمامة، وهو عمل منهك مقرف لكن ما حيلة فقير لا يملك رسوم الدّراسة؟ وأجهد نفسه كي لا تفقد أمّه مكانتها في السّوق، ثمّ أكمل دراسته الجامعيّة بأعجوبة وإصرار كبير، وكان لهذا القرار الجريء تبعات انقلابيّة في حياته.
ثمّ انهمك طالب الجامعة بقراءة الكتب، وتجرأ بالتّرشح عن كلّية التّجارة لرئاسة اتّحاد الطّلاب، مع أنّه بدون ارتباطات تنظيميّة، وليس لديه شبكة أصدقاء، وأمّا قدرته الماليّة فمنعدمة، وهو فوق ذلك خجول لم يسبق له الوقوف أمام النّاس، أو تشارك الأفكار معهم بالخطابة التي لم يجربها فيما مضى.
ولأنّه صادق في وعوده، واضح في أحاديثه، قادم من بيئة لا تجهل الفقر والحرمان، ويتسامى بأخلاقه لدرجة رفضه عرضًا ماليًا من منافسه كي ينسحب من الانتخابات ويترك ميدانها لهذا الطّالب الثّري، فقد انتصر في الانتخابات، وفاز معها في معركة الأخلاق والمبادئ، وكانت تلك الّلحظة بمثابة ميلاد جديد له. ولأنّ طلّاب الجامعة يقلقون الأنظمة القمعيّة بحراكهم، أصبح “لي” مطلوبًا لأجهزة الأمن بتهمة التّحريض على المظاهرات المناوئة للتّطبيع مع اليابان وهي دولة معادية احتلت البلاد بعنف لخمسة وثلاثين عامًا!
وفي هذه الحقبة التي غدا فيها مطلوبًا فسجينًا، اكتشف أنّ أحد أعضاء مجلس الطّلاب كان مخبرًا، وأنّ الشّرطي صديق أخيه قد غدر به للقبض عليه. وفي السّجن وجد من المساجين توقيرًا كبيرًا له نظير مقاومته للحكومة، بينما استثمر هو خلوته بمزيد قراءة وتفكير، وآمن بالقوّة الهائلة في الإنسان التي تعطيه القدرة على التّكيف مع أيّ حال.
فعندما خرج من السّجن بعد مدة قصيرة وجد نفسه مشهورًا يستطيع ساعي البريد أن يوصل له الرّسائل دون حاجة لكتابة عنوانه عليها، ومن عجب أنّ أمّه قالت له في زيارتها الوحيدة له في محبسه: هل تذاكر؟ تصلّي؟ تقرأ الإنجيل؟ وبعد نجاته من السّجن وجدها في حال احتضار، بيد أنّها لم تنس فلذة كبدها فكتبت له رسالة تؤكّد إيمانها بقدراته، وتذكره بأنّها كانت تدعو له دومًا، وسينال التّوفيق حتمًا، وأوصته بالتّشّبث بما يعتقده صوابًا، والدّفاع عنه، مع الالتزام بالأمانة والشّجاعة.
ومن بدائع هذه السّيرة نصيحته بأن يتعامل المرء الرّاشد مع شؤونه بنفسه مباشرة ولا يكلها لغيره قدر المستطاع، وأنّ الحوادث المروّعة تصنع من الإنسان نجمًا عظيمًا، وانتقد سوء تصرف أجهزة الأمن بمضايقة النّشطاء في معاشهم، وكرّر مركزيّة الاستيقاظ الباكر في النّجاح، وهي عادة ورثها عن أمّه، ومع تبجيل الأقدميّة والعمر إلّا أنّ الأولويّة في العمل للمهارة والموهبة والقدرة على الإنجاز.
من لفتاته أيضًا قبول التّحدي، واكتساب الخبرات الجديدة، والتّفاني في العمل حتى أيقن بأنّه لا مستحيل تحت الشّمس، ويعتقد من يشاهد جدّيته أنّه ينحدر من أسرة ثريّة ثمّ يندهش حين يعلم عن فقره المدقع. وفي مسيرته المهنيّة، حصل على ترقيات متتابعة واستثنائيّة؛ فكثرت الشّائعات حوله، ونسجت علاقات خفيّة بينه وبين البيت الأزرق -مقر الرّئيس الكوري-، بينما كان البيت الأزرق متضايقًا منه لتقديسه المبادئ، ورفضه التّفاوض عليها.
كما صنعت هيونداي على يديه تاريخًا، واقتحمت أسواقًا بعيدة وقريبة، وبعضها في بلاد ليس لكوريا الجنوبيّة معها علاقة دبلوماسيّة، ومن إخلاصه شعوره بأنّ أموال الشّركة أمواله، ويبدو أنّ هذا الشّعور وقف خلف صعوده الصّاروخي، حتى أنّ الصّحف تخصّص قسمًا عنه عندما يترقى، فتضايق من ذلك؛ لكنّ مديره هدّأ من قلقه بقوله أنا لا أرقيك، فأنت ترقي نفسك! وبعد ذلك لم يأبه حين تثار ضجة إعلاميّة تتناسب مع حجم المنصب الجديد، وصغر عمره النّسبي.
وقد اقترن هذا المكافح بامرأة لا تقل تفانيًا عن والدته، وكانت الزّوجة على وعي تام بحضور الأم المتوفاة في وجدان “لي”، وساندته في عمله وقراراته وسفره وتربية الأولاد وإدارة المنزل، وليس كثيرًا ثناؤه عليها ووصفه إيّاها بأنّها مليكته، ولاقترانه بها وعلاقاته النّسوية المحدودة فصل خفيف من الكتاب.
كذلك قرأ الرّجل المشهد جيدًا، وعرف أنّ العالم يتجه صوب العولمة، وتحسين نوعيّة الحياة؛ ولذا فلا مناص من تعيين الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة بصرف النّظر عن أيّ اعتبار آخر لمن شاء الظّفر بنتائج باهرة مشاهدة وليست خيالًا أو تزويرًا، ودخل في منافسات جريئة نجم عنها ابتكار ونمو إيجابي.
ومن سلوكه الإداري أنّه لا يتنازل عن سلطته، ويرى أنّ واجب الأعوان يتركز في تقديم المشورة الجيّدة للرّئيس ثمّ تنفيذ قراراته، وحام كثيرًا حول فساد حكومات الاستبداد الكوريّة، ومحاولات فرضها شركات بعينها، وإقصاء غيرها وصولًا لتدميرها أحيانًا، وأعطى حكمة بصيرة لمثل هذه الحكومات تتلّخص في وجوب المحافظة على أيّ كيان قانوني مع تنقيته من الأخطاء، وليس محوه تمامًا.
وتعرّض هذا الرّجل الكبير لمحاولة إجباره على تزوير الواقع، والإدلاء برأي كاذب أمام رئيس البلاد، وتولّى كبر التّرتيب لهذا الإفك حاشية البلاط من مدنيين وعسكريين، بيد أنّه رفض وأصر على الامتناع، فأنقذه الله من موقف الزّور بتدبير رباني عجيب، وبرزت أمامه إثر هذا الموقف أهميّة إحاطة أيّ مسؤول بأناس صالحين ولائقين، لا يغشّون، ولا يدلّسون، ولا يكذبون.
بعد ذلك ابتليت حياته برياح السّياسة العاتية، فاعتقل وحقّق معه، ولكنّ اليأس منه أدرك فريق التّحقيق فأطلقوا سراحه؛ لأنّ صحيفته الماليّة نظيفة، وهو غير مستعد للاعتراف بشيء لم يفعله، أو الإقدام على شهادة لا يعلمها علم اليقين، وأفزعته فكرة أن تكون الدّولة بمثل هذه الجرأة، والتّهور، وكسر إرادة الشّعب عبر القوة والتّخويف، ورفض التّوقيع على ورقة معدّة سلفًا لوّح بها أحد المحقّقين لتوريط رجل مهم، وانتقد الحكومة المتخبّطة التي تبحث عن أيّ نجاح كي تزعم أنّه من صنعها مع أنّها لا تملك خطّة جيّدة، وحكومة بهذا الوصف لا تقل خطرًا عن الإنسان الغبي الذي يعمل بجديّة.
كما فهم أنّ المكاسب القصيرة وعمليّات الإصلاح السّريعة لا تعود بمنفعة دائمة، وانتقد إيكال الإدارة المدنيّة والتّنمويّة لعسكريين، وشنّع على الذين يحتكرون الوطنيّة لأنفسهم بحجّة أنّهم قالوا أو فعلوا، فالوطنيّة عنده وصف مستحق لكلّ من خدم بلاده بدوافع نقيّة، ولمصالح عامّة متوافقة مع النّظام والتّقاليد، وليس هناك داعٍ لكثرة الطّنطنة باسم الوطن والتّكسّب بهذه الدّعوى!
وخلص إلى أنّ مهاجمة عالم الأعمال من قبل الحكومة كان جنونًا كاد أن يودي بالاقتصاد والابتكار والتّنمية والوظائف، ومن الممارسات التي فضحها كثرة نسبة الأوامر والتّوجيهات إلى رئيس أعلى يصعب الوصول إليه، وهي في حقيقتها قرار أو رغبة أو نزوة من مسؤول أدنى أراد تقويته بهذا الزّعم الذي يتعسّر نفيه، ومكمن العلاج في الشّفافية، وسهولة الوصول للمراكز العليا!
وبأسى ذكر أنّه خلال الجمهوريّة الخامسة الديكتاتوريّة كان هدفًا لأخطار كثيرة، ومكشوفًا للتّهديد والابتزاز، مع الحرمان من حقوقه الأساسيّة، وعانى من حكومة ذات طلبات فظيعة، وتستخدم نظريّات مريبة، ولا تتردّد في تقويض شركات استغرقت سنوات من العمل الشّاق لاكتساب المعرفة والسّمعة والمكانة، وباعتزاز قال: في مثل هذه الأجواء نحتاج للشّجاعة كي نبقى على قيد الحياة!
هذه الخبرات الأليمة عرف منها أنّ من خصائص النّظام الاستبدادي والبيروقراطي التّجاهل المطلق لحكم القانون، والافتقار إلى الفطرة السّليمة، والضّعف والجبن، وهذا أمر محزن ومثير للقلق، فمن الأشياء المحرجة والشّائنة أن تلغي الحكومة عقدًا تجاريًا داخليًا لأسباب سياسيّة خالصة، ومع ذلك يقترح إعطاء الحكومة فرصة لحفظ كرامتها.
ويعلي المؤلّف من شأن التّعلم، ويرى أنّ التّعليم خير طريق لإصلاح العقول والإفلات من الفقر، ويتقاسم هذا الرّأي مع صديقه مهاتير محمّد، ويوصي بإتقان الأساسيّات في أيّ علم أو مهارة فهي طريق للنّجاح، ويؤكد على أنّ العمل بجديّة وذكاء من واجباته في الحياة التي يستمتع بأدائها.
أمّا في المفاوضات فيلمح إلى أثر البحث عن أوجه شبه مع المفاوضين أو مجالات اهتمام مشترك، إذ يسهل ذلك الوصول إلى اتّفاق، وفي العمل والدّبلوماسيّة من المهم أن تندفع في طريقك عندما ترى ثغرة مهما كانت صغيرة كما يقول المفاوض العتيد لي ميونج-باك.
من طرائف السّيرة أن شركته خسرت مشروعًا في الفلبين بسبب الصّراع على السّلطة بين ماركوس وزوجته! وحين شيّدوا مكانًا للاحتفال بإنجاز شركة هيونداي مشروعًا ضخمًا في ماليزيا، ووضعوا لرئيس الوزراء مهاتير محمّد طقم كراسي أكبر من الآخرين، رفض رجال البروتوكول الماليزي تمييز رئيسهم وتساءلوا بامتعاض: هل مؤخرة زعيمنا كبيرة لهذه الدّرجة؟ وكان تتابع المشروب -سواء الفودكا أو الشّاي– دليلًا على حسن سير المفاوضات!
وكسب من خبرته في التّعامل مع كبار موظفي الحكومات المركزيّة أو البيروقراطيّة ضرورة أن يمنحهم الفرصة كي يحظوا بالأضواء ويخطفوها من الآخرين، ولا ينازعهم حولها، مع رفض دفع أيّ مبالغ ماليّة أو تبرعات سياسيّة في مشروعات البنية التّحتيّة التي لا تحتمل الفساد والإفساد لارتباطها بحياة النّاس، ومصالحهم، فالمصالح العامّة لا يجوز امتلاكها والمتاجرة بها، ويوصي رجال الأعمال بألّا يجازفوا باستعداء طرف سياسي لمصلحة آخر.
ولدى الرّجل تتيّم كبير بأيّ فكرة يقتنع بها حتى ينضجها ويطبّقها، وتساكنه في يومه وليلته وربّما توجّه نشاطه ومسار تفكيره حتى يصل إلى قناعة حولها، وقلّما يتراجع عمّا يؤمن به، ويمضي في الإنجاز ولو كان احتمال النّتيجة الإيجابيّة لا يتجاوز الواحد في المئة؛ فوجود هذا الاحتمال يعني قابليته للزّيادة، وله مبادرات وقفيّة باهرة نفع بها المجتمع.
كما يلّح عليه سؤال مهم فحواه: ما هو نوع الإرث الذي سوف تتركه خلفك؟ وكيف تختم مسارك المهني؟ وكان يهتبل أيّ فرصة لتقييد ملحوظاته، ويستفيد من أيّ شيء لاكتساب خبرة أو معرفة، ويستعين بخبراء في التّحرير يراجعون مقالاته أو خطبه، وظفر مع الدّربة بمهارة التّعامل مع الكلمات، والحديث للجموع، ومناقشة المستمعين، وتعاظمت عنده متعة الخدمة للبعيد والقريب، وكان وفيًا لزملائه المشاركين في بناء شركة هيونداي.
وفي لحظة حاسمة، قرّر ترك الشّركة، وتغيير طريقه المهني، بعد أن فهم التّاريخ وأدرك انعطاف مساره، ونظر في ماضيه للتّصالح معه وليس لاستجلاب الّلوم والحزن، ورأى أنّه لم يقدّم له شيء على طبق جاهز، ولم يذعن للإكراه قطّ حتى في أحلك الأحوال، وتزايد لديه الشّعور بالمسؤوليّة تجاه المجتمع، فعزم على استثمار خبراته لصالح بلاده وشعبها، وهو مغتبط بذلك؛ فمن النّعمة القدرة على مراجعة النّفس والتّأهب للمستقبل، والتّعلّم من جميع الأحوال، والتّفاؤل بحياة ملؤها الرّضا.
فخاض تجربة الانتخاب لمنصب عمدة سيول، وهاله ما وقع عليه من انعدام الكفاءة وكثرة الهدر في عالم السّياسة، ونجح في التّنسيق مع صغار المراسلين الذين يشجّعون الطّرف الضّعيف، ويساندون التّغيير، ومن يبّث روحًا جديدة في رتابة مؤسسة الحكم، وكانوا مصدرًا لا غنى عنه للمعلومات والتّسريبات.
كما أفادته هذه التّجربة عن حتميّة الاستماع لشواغل النّاس، وكيفيّة تسويق المنتجات التي تلبي الاحتياج الشّعبي، وأيقن أنّ السّياسة القديمة لم تعد مجدية، والحلّ إنمّا يكمن في التّعديل الرّشيد، فالشّارع يريد تطويرًا حقيقيًا ويدعم من يستطيع تنفيذه، ومن الّلافت أنّ أجهزة الإعلام عقدت أوجه الشّبه بينه وبين البلدوزر والجرافة؛ فهو يحطّم أيّ عوائق تحول دون فعل الخير لمجتمعه وبلده.
وأصبح عشقه الجديد مساعدة النّاس، والإفادة من تقنية المعلومات، والاهتمام بالبيئة والاستدامة والاستمتاع بحياة آمنة نظيفة مريحة، مع إقناع العامّة بالصّبر على طريق التّنمية من أجل الاشتراك بالرفاهيّة والفرص. ولديه تقدير بالغ للجمال، ولذا جعل من سيول وجهة سياحيّة يمتزج فيها التّراث مع التّحديث، حتى صارت مدينة دوليّة ذات طراز وجوهر، وأوجد فيها أماكن تصلح للعائلة والاسترخاء والاجتماعات والّلقاءات، وبسبب نهجه وجهده إبّان عمله عمدة لسيول غدت المدينة مقصدًا لزيارات عالميّة للاقتباس والاقتداء.
وفي العاشر من ديسمبر عام (2007م) – المتوافق مع ذكرى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام (1948م) -أنتخب “لي” رئيسًا لكوريا خلال الولاية السّابعة عشرة، ومن المفارقات أنّه في زمن مضى كان سجينًا ومتهمًا! ومن نجاحاته السّياسيّة استضافة سيول لاجتماع قمّة دول العشرين، كما حرص خلال رئاسته على إيجاد حلول تتسم بالفعاليّة والاستمراريّة وتحقيق الأمن والاستقرار؛ فالخدمة شرف كبير في مفهومه، وهذه المرحلة من حياته مختصرة في الكتاب.
من الموافقات أنّ المؤلّف ولد في اليوم التّاسع عشر من شهر ديسمبر، وتعمّد أن يتزوّج في ذات التّاريخ، كما أنّي أكتب هذه المقالة في نفس التّاريخ مصادفة، وأتمنّى للرّئيس وزوجه حياة هانئة في الدّنيا والآخرة، وأبتهل لله أن نستفيد من تجارب قوم كانوا في بلادنا عمّالًا يعانون من لهيب شمسنا، وهم اليوم من أقطاب الاقتصاد والصّناعة، وسأحزن إذا كانت علاقتنا بكوريا لا تتجاوز الشّاشات صغيرها وكبيرها، والأكلات، والسّياحة!
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
الأربعاء 12 من شهرِ ربيع الآخر عام 1440
19 من شهر ديسمبر عام 2018م
5 Comments
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته اخي الكريم ليتك دعوه له بالهداية الى دين الإسلام فمثل هذا الرجل مكسب لمن وقف في صفه ولي ملاحظه على تمنيتك له بالسعادة في الاخره وانت خير من يعلم عاقبه من مات على الكفر وفقت لخيري الدنيا والآخرة
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته:
وأهلا بك يا محمد، وشكرا لتفاعلك وبيانك.
تمنيت له السعادة في الآخرة، والسعادة في الآخرة لاتكون إلا في الجنة، والجنة لا يدخلها إلا مسلم، فحاصل كلامي الدعاء له بالهداية للإسلام، وقد وضحت ذلك لمن تواصل معي مستشكلا.
أكرر لكم الشكر، والله يهدينا ويهديه للحق.