بين السّفاهةِ والسّياسة!
يأنف العقلاءُ من مُشابهةِ المجانين، والحكماء يخالفون دوماً سُبل السفهاء، وهذه بدهيةٌ مسلَّمة من تتبع السير والوقائع التاريخية والحاضرة. وقد قيل لأحد العقلاء: ممن تعلمت الحكمة؟ فقال: أرى أفعال السفهاء فأتجنبها. وقيل لآخر: ممن تعلمت الأدب؟ فقال: من قليل الأدب. ويبالغُ بعض الناس حتى يكره سلوكَ طريقٍ يستخدمه فئامٌ تأبى نفسه مشاركتهم في شأن، فالكريمُ ليس كالدنيء؛ والمتأني لا يأنس بالمتهور.
والناظرُ إلى بعض القضايا التي يتقاطعُ فيها الساسةُ مع ” الفنانين ” – على اختلاف فنونهم- يستغربُ من هذا التوافق ووقعِ الحافرِ على الحافر، ولو ظنَّ إنسانٌ أنَّ مخرجَ التصريحاتِ والقرارات في عالم السياسة هو ذاته منبع المسلسلاتِ والأفلام والرسومات في دنيا الفن لما أغربَ في ظنه!
وإذا حصرنا القضايا التي يتماثلُ طرحُ الفريقين حولها نرى حقائقَ جديرةً بالتأمل، فمن استهزاءٍ بدين الله وسخريةٍ برجالاتِ الإسلام، إلى هجومٍ لاهوادةَ فيه على التاريخ الإسلامي، والجهاد، وأحكام الفقه، والدعوات الإصلاحية، انتهاءً بهدم الميزان الأخلاقي الدقيق، والاعتداءِ الآثمِ على الفضائل وكريم السجايا.
ولو قصرنا الحديث على الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة؛ لاستبان الأمر لنا واتضح خيرَ بيانٍ وأوضحه؛ فالحجاب صرع الديمقراطيةَ الغربية في مهدها، ومرغها في الوحل إبَّان قضيته الكبرى في فرنسا بلد الحرية والنور-كما يقولون-. والحجاب أقضَّ مضاجع القادة الغربيين حتى هاجمه رئيسا وزراء بريطانيا وإيطاليا، وأكَّد الهجوم وزير الخارجية البريطاني غير مرة؛ وشغلت قضية الحجاب الإعلامَ الاسترالي زمناً لا يُستهان به، وكانت ولازالت مسائل المرأة من مآخذِ الأمريكان الغزاة على الحكومات العربية والإسلامية.
وفي عالمنا الإسلامي يتكرر بين الفينة والأخرى هجوم الرئيس التونسي على الحجاب ومظاهرِ العفة، بادعاءات باطلة، ودعاوى سامجة، كوصمها بالتخلف، أو أنها جاءت من بلدان “متخلفة” في إشارة دنيئة إلى بلاد كريمة مقدسة لطالما استفاد هو وزمرته الحاكمة منها؛ ولا ينفع مع اللئيم إحسان. وجاء بعد زعيم تونس وزير الثقافة المصري ليسبَّ كل امرأة مسلمة محجبة، ويطلق عليها من الأوصاف ما يليق به وبثقافته النتنة، التي لا يغير نتنها اعتذاره الكاذب.
وإذا غادرنا عالم السياسة للمهرجين من ممثلين وغيرهم، وجدنا أن أغلب المواد الفنية تخدش الحياء والفضيلة، وتهزأ بالحجاب والحشمة إما تصريحاً أو ضمناً؛ بدعوتها للسفور والفجور والآثام. ولا أعتقد أنَّ ثمَّ مادة فنية -أغنية أو مسلسلة أو فيلم أو مجلة – تكاد أن تخلو من مثل هذه الدعوات التي يعلنها أناسٌ لا يشرفُ بهم عَالمنُا، وليسوا في الناس بشئٍ وإن بدا أنهم شيءٌ ما.
وحين نضعُ هؤلاءِ السياسين قُبالةَ أولئك الفنانين، لا يسعنا إلا أن نحتارَ فيمن نخاطبهُ بشيءٍ من شعر شيخ المعرة أبي العلاء، حين وصفَ بعضَ رجالاتِ زمانه قائلاً:
يـسوسون الأمورَ بغيرِ عقلٍ ***** فينفذُ أمرهم ويُقال ساسَـهْ
فـأفَّ من الحياةِ وأفَّ مـني ***** ومـن زمنٍ رئاسته خساسَهْ
أحمد بن عبد المحسن العسّاف– الرّياض
الجمعة 24 من شهر ذي القعدة الحرام عام 1427