مواسم ومجتمع

السّرير الأثيم!

السّرير الأثيم!

 وقف أستاذ التّخطيط الاستراتيجي أمام طلبة الماجستير، وطرح عليهم سؤالًا عن الشّركات العائليّة التي أفنى سنوات من عمره في دراستها، وبحث شؤونها، حتى غدا اسمًا معروفًا في دنيا العمل التّجاري الأسري، وفحوى سؤاله: ما أقوى سبب لفشل الشّركات العائليّة؟

وتسابق الدّارسون إلى الإجابة، وتباروا في فلسفة آرائهم، فواحد ينطلق من خبرة ماليّة محاسبيّة، والآخر يتكئ على فن إدارة الأعمال، والثّالث غارق في الاستثمار، والرّابع منصرف نحو التّسويق، بينما يحكم الأستاذ على جميع إجاباتهم بمجانبتها الصواب، مع أنّ بعضهم كدّ ذهنه لأجلها، ونمّق عبارته، وربّما حشاها بالمصطلحات والإحالات!

وحين أدركهم اليأس، وقف الأستاذ أمامهم بكلّ ثقة قائلًا: السّبب هو السّرير! فسادت القاعة دهشة بالغة؛ ثمّ سرت إلى أذهان المشاركين، ولذلك أردف الأستاذ: هي المرأة؛ تدركها الغيرة من امرأة أخرى، أو تتعصّب لابن أختها أو لأخيها، أو تُعجب بامرأة وتسعى لخدمتها؛ فتدفع الرّجل إلى إصدار قرار أحمق، أو تنفيذ إجراء ليس له محلّ من الإعراب، ويستجيب المخدوع إلى إلحاحها، وثمّت العطب!

والحقيقة أنّ الخطب يتجاوز التّجارة إلى مجالات أخرى، فخلف دهاليز السّياسة، وفي زوايا الدّبلوماسيّة أحاديث متكرّرة عن دخول النّساء، والأصدقاء، والخدم، في شؤون الحكم، وفي التّاريخ المحفوظ للدّولة العثمانيّة، نجد أنّ أكثر الفواجع الدّاخليّة ألمًا، كانت قتل السّلطان المهيب سليمان القانوني ولي عهده الأمير الشّجاع مصطفى، استجابة لمكر محظيّته الأوكرانيّة اليهوديّة الفاتنة روكسلانا، والدة السّلطان الضّعيف سليم الثّاني، وتخطيطها الغادر مع الصّدر الأعظم الّلقيط الكرواتي رستم، بعد أن زوّجته ابنتها الأميرة!

ولا ينحصر الخطر في المرأة فقط كي لا نظلمها، بل هو عام لمن اقتحم شأنًا لا يعنيه، أو خاض فيما لا يحسنه من شؤون وفنون، فخلط أعمالًا سيئة كثيرة، وأحدث وأزال دون توفيق أو بصيرة، ولو راجعت أيّ إدارة حكوميّة فشل التّنمية، وخسارة الفرص، وتقهقر المكانة، لوجدت أنّ من أعظم أسبابها، إسناد الرّأي فيها والأمر إلى غير بني بجدتها، وقديمًا كنّا نسمع من المتابعين لمباريات الكرة عزو الهزائم إلى إجبار المدّرب على إشراك لاعبين لا يرتضيهم، أو إكراهه على انتهاج طريقة لعب لا يرى مناسبتها.

بل حتى الولائم تفشل بسبب قصر نظر أو علم من يتولّاها، وذكر لي مستثمر سعودي أنّ وفدًا معه تركوا مائدة أمريكيّة ترحيبيّة بهم؛ لأنّ الخنزير كان حاضرًا بنفس طريقة تقديم الخرفان لدينا، وروى لي موظف كبير أنّ فريقًا اقتصاديًا من دولة أفريقيّة، أكل في الحفلة المقامة على شرفه الرّز وترك اللحم مغضبًا؛ لأنّهم يرون أنّ السّمك ليس فيه تكرمة لهم!

وأحيانًا يكون بطل الحكاية صاحب خبرة أعماه الهوى أو الحقد، فجنى على الموضوعيّة، وانتهك قداسة العلم، وأفسد جمال الحقيقة، ومنه ما يكتبه المستشرقون طلائع الحروب القديمة والجديدة، عن الإسلام وتعاليمه وبلدانه، بحقد وإرث صليبي، أو ما تسطّره المنظمات الدّوليّة دون استقصاء عادل، وكم من دمار واعتداء أعقب إفكهم وما يفترون.

ويقابل هؤلاء المشاركين بجرأة وجهل أو حقد، ابتعاد أو إبعاد أولي الخبرة، والحكمة، والعلم، والعدل، ويحضرني خلال كتابة هذه المقالة، أنّ قائد جيش هوازن لم يسمع نصائح الشّيخ الهرم دريد بن الصّمّة؛ بل نظر إليها باستخفاف وغطرسة، واحتقر عقله، واتّهمه بالخرف، فكانت نتيجة رعونة هذا القائد، خسارته التّاريخية أمام جيش النّبوة في معركة حنين، والحمدلله.

ومن المحفوظ المتداول، أنّ من تكلّم في غير فنّه أتى بالعجائب، وأنّ الخبّاز أولى بالعجين ولو أكل نصف الخبز، وبعيدًا عن حرفيّة هذه المحفوظات، تبقى الحكمة الأساسيّة ألّا يدخل في أمر -خاصّة إن كان ذا بال- إلّا أهله ودهاقنته، وألّا يُقصى الخبراء، بسبب كلمة، أو موقف، أو تغريدة، فالاجتهاد الفردي يمكن أن يُتجاوز عنه؛ لتحقيق مصلحة عامّة أكيدة.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض

ahmalassaf@

ليلة الجمعة، أوّل أيّام عيد الفطر المبارك عام 1439

15 من شهر يونيو عام 2018م

Please follow and like us:

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

X (Twitter)