بين يدي أحد أكثر الكتب العربية -التي طالعتها وهي كثيرة- إحكامًا وإفادة في موضوع الكتابة والتحرير، ونسحته الإلكترونية الشرعية متوافرة متاحة. عنوان هذا الكتاب: أدوات كتابة القصة: دليل عملي لتحرير النصوص، تأليف: رشاد عبدالقادر، تحرير: محمد زيدان، تدقيق لغوي: حسين عدوان، تصميم: أحمد فتاح. صدر هذا الدليل عن معهد الجزيرة للإعلام عام 2024م، وهذه هي طبعته الأولى الواقعة في (٢٤٠) صفحة. يتكون الكتاب من تصدبر ثم البدايات فعشر نصائح عامة، يتلوها مراحل التحرير والمراجعة التي تنقسم لتحرير المضمون، وتحرير الجملة، وتحرير النص. أخيرًا يأتي الملحق التطبيقي. هذا الكتاب جدير بأن يُقرأ قراءة درس وتعليم غير مرة. من جميل الموافقات أني تواصلت مع مؤلفه ضحوة اليوم.
ذكر المعهد في تصديره أن للكتابة العربية متاهاتها الطويلة والمتعددة، وأن الكتابة العربية المعاصرة بحاجة ماسة إلى مزيد من الكتب والأدلة التي تعلّم وتدرب وتجمع ما تفرق من نصائح الكتابة الأساسية، مع ضرورة تثوير النشاط الأكاديمي المعني بتطوير أدلة الكتابة؛ كي لا تذوي صنعة الكتابة. من هذا الباب صدر عن المعهد كتاب سابق عنوانه: السرد في الصحافة العربية، وأعقبه هذا الكتاب، وهما من ضمن رؤية المعهد المؤمنة بالكتابة؛ فالكتابة شرط للتنمية الثقافية الحرة، وما أحوج مكتبتنا العربية لرفدها بمثل هذه الكتب. إن موضوع الكتابة، والحث عليها، والتدريب والكتابة عنها، جزء أصيل من عملي الثقافي، ويارب القبول والنفع.
سوف أذكر أدناه بعض الفوائد المقتبسة من الكتاب الملتقطة من بحر كنوزه، وربما اختصرت بعضها، ولست بحاجة لاستحلاف القارئ بأن يهرع من فوره لا يلوي على شيء للحصول على نسخة خاصة من كتابنا، وقراءتها مرارًا، والتعليق عليها، والاحتفاظ بها، ونصح الآخرين بها إذا أعجبه مضمونه.
من فوائد هذا الكتاب الكثيرة نفائسه، الثمينة نصائحة:
- كتب الشاعر الفلسطيني محمود درويش: “اكتب تكن، واقرأ تجد”.
- الكتابة ليست موهبة بل معرفة.
- الكلمة المكتوبة كائن حي.
- أشكال الكتابة ليست ثابتة، بل هي استجابة لتطلعات الجمهور ومتطلبات السوق والمناخ السياسي وما تتيحه التقنيات الجديدة من فرص.
- الكتابة الجيدة لا أسرار فيها فهي نتاج عمل شاق.
- يشعر الكاتب الجيد بالعزلة؛ لأنه يقف وحيدًا قبالة الصفحة!
- الكتابة الجيدة لا تأتي بالفطرة، والجملة الواضحة ليست بنت المصادفة، ونادرًا ماتأتي من المحاولة الأولى أو الثانية أو حتى الثالثةّ تذكر هذا في لحظات اليأس فالكتابة حقًا صعبة.
- الكتابة الصحفية الجيدة صنعة وليست فنًا ولها أدوات.
- المنتج الذي تبيعه للقارئ ليس القصة التي تكتبها إنما هو هويتك بصفتك كاتبًا.
- ينال الكتاب القادرين على رواية القصص مكانة أعلى واهتمامًا أكبر ويفوزون بجوائز أكثر.
- تستطيع القصة تجاوز الآن والتجربة وصولًا إلى المغزى والقيمة، وهنا الخلود وهنا الأثر.
- لاتوجد قصة جيدة من دون كتابة واضحة.
- الوضوح في الكتابة أكثر أهمية من الحُسن.
- إذا كان عليك الاختيار بين الجملة الواضحة والجملة الحسنة فإن الوضوح أكثر أهمية من الحسن.
- الكتابة الجيدة مثل النافذة تنظر من خلالها دون أن تلحظ الإطار.
- هذه نصائح عامة مستمدة من تجارب بعض أفضل الكتاب الذين صاروا كذلك؛ لأنهم خرقوا القواعد يومًا ما:
- سلة المهملات أفضل صديق للكاتب. إسحاق زينغر كاتب بولندي حائز على جائزة نوبل.
- أؤمن بالمقص أكثر من إيماني بقلم الرصاص. ترومان كابوتي روائي أمريكي.
- ماكتبت خمس كلمات إلا وقد غيرت سبعًا. دوروثي باركر كاتبة أمريكية.
عشر نصائح مهمة:
- ابتعد عن قصتك ولاتدفعها للنشر مباشرة. هذا الابتعاد يهدئ افتتانك بكلماتك.
- اجذب انتباه القارئ مع الجملة الأولى:
- ابدأ بالأكشن من قلب الحدث.
- اقرأ بصوت عالٍ فالإحساس بالصوت يعزز الحس الدرامي.
- اقرأ بصوت عال لضبط الإيقاع، والسرعة، والصوت، والإلقاء.
- لاشيء مقدس: اكسر القاعدة كلما وجدت ذلك ضروريًا. احذف أي شيء لا يؤدي إلى تطوير أحداث القصة.
- اعرض، لا تخبر القارئ.
- احرص على البساطة. استخدم جملًا نظيفة من دون زوائد أو عوالق كلما أمكن ذلك.
- تذكر: الإيجاز ليس عدد الكلمات في الصفحة، بل المدة التي يستغرقها القارئ لفهم مايحدث أمامه على الصفحة.
- تخلص من النثر المنمق الحافل بالمحسنات والصور البيانية كما نصح الكاتب آرثر كويلر كاوتش الكتّاب بقوله: اذبح الجمل العزيزة على قلبك!
- تخلص من الجمل الشعرية ومن الأحوال والصفات.
- ركز على بنية القصة: اجعل القارئ يبكي، اجعله يضحك، اجعله قلقًا.
- الأخطاء والترتيب: خذ بعين الاعتبار الأخطاء النحوية والترتيب في القصة؛ فالوقت له ثمنه، والقارئ يبحث عن الفهم، ومن المهم خلو النص من أي خطأ يجعل معناه ملتبسًا.
- أشياء لاغنى عنها للكاتب: المعجم والمرادفات والأضداد وكتب الأسلوب وبرامج الكمبيوتر والذكاء الاصطناعي.
- الامتحان النهائي: هل قلت ما أريد قوله؟ وهل قلته بجودة؟
الميمات الست :The six c’s
إذا كانت قصتك مفهومة، موجزة، متماسكة، متسقة، ملموسة ومدركة بالحواس، مستحوذة على الانتباه؛ فادفعها إلى النشر، وإذ لم تكن كذلك فعد إلى النصيحة الأولى.
clear, concise, cohesive, consistent, concrete, captivating
فن التحرير:
- معرفة الأسئلة التي ينبغي طرحها أثناء مراجعة القصة هي أهم مهاراتك التحريرية كما تقول توني جيمس التي تقسم تحرير القصة إلى ثلاث خطوات هي: تحرير المضمون، تحرير الجملة، تحرير النص.
- يقوم مخطط تحرير المضمون على تقييم العمل كله في خمسة مجالات إن كانت جميعها حاضرة، هي:
- الفكرة العامة للنص.
- البنية والحبكة.
- نمو الشخصية.
- التأثير الدرامي.
- الاستمرارية والمصداقية والاتساق والسببية.
- السؤال الأول: عم تتحدث قصتك.
- الفرضية هي القوة العاطفة الدافعة للقصة وتجعلك ملتزمًا بخط قصتك.
- الفكرة الأساسية للنص “التيمة” هي الفكرة المحورية المهيمنة. الفحوى المتضمن في القصة.
- في بناء الحبكة عليك اتخاذ الخيارات وطرح الأسئلة الصعبة.
- هل تدفع الحبكة القصة للأمام وتكشف عن الشخصية وتطور الصراع وتصنع التشويق.
- إذا شعرت بالملل في أي جزء من قصتك فإن القارئ سوف يشعر به وعندئذ لا تتردد في إعادة الكتابة.
- أدى تطبيق تقنيات السرد في الكتابة الصحفية إلى إنتاج بعض القصص الأكثر إثارة خلال العقود القليلة الماضية
- تلجأ الصحافة السردية إلى بناء القصة مشهدًا بعد مشهد حيث يدون الملاحظات ويجري المقابلات والحوارات المعمقة مع الشخصيات المشاركة في الحدث المعني، ويروي الحدث من وجهة نظر الشخص الثالث أو ما يسمى بضمير الغائب.
- لا سبب يستدعي أن تكون الكتابة غير الأدبية غير ممتعة وغير مثيرة للاهتمام؛ فالمعلومات تفعل فعلها عندما تصاغ لتلامس مشاعر القارئ.
- على الكاتب أن يقول ما يريد أن يقوله على نحو مثير للاهتمام.
- كلما كبر الحدث على الكاتب أن يعمل “زووم إن” ويركز على العالم الأصغر لفهم العالم الأكبر.
- لدى استكشاف العالم لكتابة قصة يبحث الصحفي عما هو غير موجود بقدر بحثه عما هو موجود! عليه أن يسمع ما لا يقال بقدر سمعه ما يقال.
- تتطلب القصة أن يستخدم الكاتب كل حاسة من حواسه وأن يطورها بالممارسة.
- تدوين الملاحظات خلال السماع يساعدك على الاستماع الجيد، وله تقنيات ونصائح وتجارب واردة في الكتاب.
- على الصحفي أن يلتقط إشارات التغيير القادم، وهي تلميحات الآن.
- يفشل الصحفي عندما لا يضع التفاصيل المحددة في سياقاتها؛ فالأحداث لا تقع بمعزل عن بعضها.
- استفد من تجربتك بوصفك واحدًا من الجمهور المتأثر بالحدث.
- وأنت تكتب نصك اعرف ما تقوله كل جملة، وما لا تقوله، وما الذي تلمح إليه ضمنًا.
- حياة الكاتب وجل عمله هو بناء الجمل.
- اجعل جملك قصيرة، ونوع أطوالها، واترك بينها مساحة؛ لتفسح المجال لما لا تستطيع الكلمات التعبير عنه؛ فالقارئ يعرف ما لا تستطيع الكلمات قوله.
- انتبه إلى الإيقاع أولًا وأخيرًا.
- تخيل الجملة تلو الأخرى تظهر على خشبة المسرح.
- الرابط الوحيد بينك وبين القارئ هو الجمل التي تنشئها فاحرص عليها.
- الجمل التي تفقد الإتقان تدفن الصور الحية بين ركام الحشو والإسهاب.
- تحرير الجملة يقوم على التحقق من بناء الجملة لغويًا، وأسلوبيًا.
- الجمل القصيرة تصنع الشد والتوتر. الجمل الأطول ترسم الحال النفسية، تبدع الصور، تضبط الإيقاع.
- لا يهم طول الجملة أو قصرها، مكتوبة أو مسموعة، ما دمت تستطيع ضبط إيقاعها وسرعتها وفقًا لغرضها.
- وظيفة اللغة إزالة اللبس ويجب ألّا يتنافى نصك مع هذه الوظيفة.
- الكتابة عملية استكشاف عبر اللغة.
- الجملة في أقصر صورها هي أقل قدر من الكلام يفيد السامع معنى مستقلًا بنفسه. د.إبراهيم أنيس.
- يمكن إضفاء الحسن بوضع مركز الثقل في بداية الجملة أو نهايتها.
- من أجل سرد حيوي استخدم الأفعال والأسماء المناسبة واحصر استعمال الظروف والصفات في نطاقها.
- تأكد في نصك من سلاسة الانتقال، ومن خلوه مما يشوش.
- تتغذى القصص على التفاصيل الملموسة، وليس على اللغة المجردة فقط.
- اجعل لكل كلمة في نصك قيمة. كن واضحًا. تخلص من الحشو.
- حتى تكون كاتبًا جيدًا، عليك صعود السلم وهبوطه باستمرار، إياك والوقوف في منتصفه للرقص. في أعلى السلم تكون اللغة مجردة، وفي أسفله تكون اللغة مادية مرتبطة بالحواس.
- عندما تكتب نصًا ولا يستطيع القارئ أن يراه أو يفهمه، فأنت عالق في منتصف السُّلَّم، ولغتك لغة صحفي خائف مرتبك.
- “النبرة” و”الأسلوب” و”الصوت” هي قلب الكتابة الجيدة وروحها ونَفَسُها.
- نهاية الجملة موضع لا يستطيع أي قارئ تجاهله.
- وظيفتنا بوصفنا رواة للقصة: أن نأسر القارئ.
- الحوار والاقتباس الجيدان يضطلعان بأكثر من أمر: فهما يشخّصان، ويظهران الصراع، ويصنعان الشدّ والتوتر، وينقلان المعلومات في القصة، ويدفعان بالحبكة والشخصيات إلى الأمام داخل الزمان والمكان.
- الحوار الجيد يدخل القارئ إلى وسط المشهد، ويجعله يترقب ما سيحدث تاليًا.
- الاقتباس يقدم معلومات وشرحًا، بينما الحوار يضفي عمقًا على القصة.
- يستطيع الكاتب مخاطبة القلب والعقل معًا، وهو قادر على كسب التعاطف وإفهام القارئ في آن واحد.
- الأصل أن يكون التماسك بين الجمل، والاتساق بين الفقرات.
- تصبح الجمل متماسكة عندما يكون بها إحالة بعدية.
- ليس لعبارة مزية على أخرى، إلا إذا كان لها في المعنى تأثير لا يكون لصاحبتها.
- إعادة ترتيب الكلمات في النظم يصنع احتكاكًا مختلفًا بينها، ويولد زيادة في المعنى وفرقًا فيه.
- الحسن والاحتكاك قد يذهب مع استخدام حروف العطف وأدوات الربط.
- متعة القراءة ليست في الوصول إلى ما تقوله الجملة لفظًا، إنما في استكشاف ديناميكيات التفاعل بين مكوناتها.
- الأصل في الجمل الانفصال والاستقلال، والأصل في المفردات الارتباط والتركيب.
- اترك مجالًا للجمل كي تحتك مع بعضها كحجري الرحى كلما أمكن، لا تخش الفجوة بين الجملتين، اضبط نفسك، لا تستخدم أدوات الربط.
- كثرة أدوات الربط تقلل من عملية الاحتكاك وتسبب التشويش.
- أدوات الربط قد تكون محاولة لترقيع الجمل القصيرة مع بعضها في جملة طويلة.
- حذف أدوات الربط هو دليلك إلى تعلُّم كتابة الجملة القصيرة، وتعلُّم كيف يكون نصك مفهومًا للقارئ.
- دع الكلمات والجمل تتصادم.
- إذا كانت بداية الجملة تستحق انتباهًا خاصًا، فإن نهايتها هي التي تظل في ذاكرة القارئ، وتؤثر فيما يشعر به تجاه النص كله.
- يمكنك صنع تأثيرات أسلوبية مختلفة بالطريقة التي تنهي بها جملك.
- عندما تقترب الجملة من نهايتها، يتوقع القارئ أن يجد كلمات استحقت العناء.
- دفقة من الحسن في جملك تجعل فكرتها واضحة وتبث المتعة كلما استدعتها الذاكرة.
- للأسف ليس ثمة طريق واحد إلى الحسن.
- أفضل أنواع الحسن، هو ذاك الذي يساعد على التفكير، باستخدام التوازن والتناظر، التشويق.
- الكتابة الجيدة مثل الرياضيات، تنطوي على ذاك الامتنان الفطري للإيقاع والأنماط والتراكيب.
- الجملة الحسنة تتنازعها قوتان: حسن التركيب، والقدرة على الإدهاش.
- لا ينبغي للكاتب أن يفصل بين الشحن العاطفي وسرد الوقائع، لكن عليه أن يعرف كيف ينتقل من هذا إلى ذاك.
أخشى حقًا أن أكون قد أرتكبت جرمًا كبيرًا بعرض ناقص لكتاب باهر. أخشى أن أكون قد ارتكبت جرمًا لو شعر القارئ بأن ما ورد أعلاه يكفيه. حقًا وصدقًا هو لا يكفيك ولا يغنيك. جرمي سيكون أعظم لو صرفتك عن الكتاب ولم ألقِ في روعك الشوق لقراءته، أو أقنعك بأهميته لك وجدواه الفائقة. أرجوك اجعل ساحتي بريئة. أرجوك لا تقل لي الكتاب مفيد وملهم وبديع وأضرابها من الكلمات استرضاء لي وتطييبًا لخاطري الذي سينكسر لو لم أفلح معك فيما يخص هذا الكتاب. فقط أخبرني أنه الآن أمام ناظريك، وبين يديك، وأنك اتخذته من الأساتذة في الكتابة والتحرير، ومن الأعوان في التجويد والإمتاع، ومن السمار في اللغة والأدب. هذا الخبر والعهد منك هو لي بمنزلة صك البراءة!
الرياض- الاثنين 20 من شهر ذي الحجة عام 1446
16 من شهر يونيو عام 2025م
2 Comments
عدتُ إلى أعلى الصفحة ونسخت ما كتب بالأحمر والأخضر تمهيداً لإصدار صك البراءة، على أن هذا العرض كان بحاجة لمدقق لُغوي متزامن يتلقف النقط التي تتناثر منكم بشكل ملفت على خلاف العادة!
حتى تسلل إلىّ أنها مقصودة لإصدار المزيد من نسخ الصك!
شكرا لك. عدلت ما وقعت عليه. ومرحبًا بأي تنبيه وبكل قارئ نبيه. شكرا لكم مرة أخرى.